أحب الكتابة بمفردي بعيدًا عن الورش
المنتجون قتلوا فكرة "السيت كوم" عمدًا
"باب الخلق" شهادة ميلادي الحقيقية في مجال الكتابة
لم أندم على ترك الطب بسبب الكتابة.
بعض النجوم يحرّمون الفن لأنهم يعيشون بعقلية الريف
السوشيال ميديا ظلمت الجيل الثالث من الكتّاب
السيناريو هو العمود الفقري للعمل الفني، والسيناريست يلعب دورًا أساسيًا في صناعة الفيلم أو المسلسل، هو رب العمل الفني الحقيقي حتى لو لم تسلط عليه الأضواء بالشكل الكافي. واعترافًا منّا بقيمة ومكانة السيناريو قررنا فتح هذا الملف ومحاورة أهم رموز ورواد كتابة السيناريو في مصر، والحديث معهم عن أهم أعمالهم، والصعاب التي واجهوها في مشوارهم، وتفاصيل صناعتهم للعمل الفني، ومناقشتهم كذلك في العديد من القضايا الفنية التي تدور على الساحة حالياً، ونستضيف اليوم الكاتب والسيناريست محمد سليمان عبد المالك.
بدأت مشوارك مع الكتابة منذ الطفولة، حدثنا عن بداياتك مع الكتابة ؟
أنا مؤمن بأن الكتابة لا تهبط على الكاتب فجأة بمعنى أن هناك إرهاصات منذ الطفولة، وهو ما حدث معي، فقد كنت طفلًا "غاوي قراءة وفرجة كتير جداً" وبدأت أسأل نفسي لماذا لا أكتب مثل الذي أقرأه وأشاهده في التلفاز؟!، وبدأت بالفعل أتعاون مع زملائي داخل المدرسة في إعداد مجلات وقصص مصورة، ثم عند بلوغي سن 13 عاماً تواصلت مع مجلة "كل الناس"، وقامت المجلة بتقديمي كأصغر مراسل صحفي عندما نشر لي أكثر من تحقيق ومقال صحفي آنذاك.
على الرغم من بداياتك المبشرة مع الكتابة إلا أنك دخلت كلية الطب، لماذا؟
أنا شخص متوتر دائماً، فكنت قلقاً طوال الوقت من فكرة أن الكتابة تتحول إلى مهنة، لأنه حتى الآن الأهالي يحذرون أولادهم من الكتابة ويطالبونهم بأخذ الشهادة والاستقرار في وظيفة أولاً ثم البحث عن احتراف الهواية أي كان نوعها، فبعد الثانوية العامة كانت هناك ضغوط أسرية تطالبني بدراسة شيء مضمون بعيداً عن الكتابة، وفي هذه الفترة أصدقائي دخلوا كلية الطب، وأنا حصلت على مجموع كبير فدخلت معهم كلية الطب.
حدثنا عن كواليس تجربتك في المؤسسة العربية الحديثة؟
أثناء دراستي في كلية الطب كان هاجس الكتابة يطاردني طوال الوقت، وفي ذلك الوقت أعلنت المؤسسة العربية الحديثة عن احتياجها لكتّاب جدد، قرأت الإعلان في الجريدة بفرحة شديدة فأنا "متربي" على روايات نبيل فاروق وأحمد خالد توفيق، وقلت لنفسي إن هذه الخطوة قد تكون بابًا لتحقيق حلمي في كتابة سلالسل روائية، فالسلاسل في رأيي أقرب للكتابة الدرامية منها للأدب، فقدمت بالفعل للمؤسسة سلسلة روائية بعنوان "لوتس" عن التاريخ الفرعوني، وانشغلت بعدها بالامتحانات، وبعد عودتي من مراجعة امتحانات السنة الثالثة، وجدت والدتي تقول لي: "على فكرة جالك مكالمة النهاردة من شخص اسمه حمدي مصطفى ومش مصدق أنك طالب في سنة تالتة وكان فاكرك أستاذ في الجامعة، وعايزك تكلمه"، بالتأكيد تخوفت من فكرة أنه قد يظن أنني شاب صغير إلى هذه الدرجة وبالتالي يصرف نظر عني، كلمته مباشرة، ووجدته ودوداً وسعيداً بي جداً وغير منزعج من سني الصغير، ومنذ عام 1999 وحتى عام 2006 كتبت في المؤسسة العربية الحديثة، وكانت تجربة مميزة وخاصة جداً، أخرجت فيها أفكاري، ومارست فيها أشكالًا كثيرة جداً في الكتابة، وأصبح لي قرّاء كثيرون، حتى اسمي الثلاثي " محمد سليمان عبد المالك" انتشر وحفظ أثناء كتابتي في المؤسسة العربية الحديثة.
لماذا لم تستمر في الكتابة الروائية؟
اكتشفت أن شغفي الأصلي هو كتابة السيناريو، فالسيناريو فن غير مكتمل وناقص بالمناسبة، فبين كاتب السيناريو وبين الجمهور عناصر كثيرة جداً مثل الديكور والصوت والإضاءة والموسيقى والصورة، هو ترس في آلة كبيرة جداً على عكس الرواية وعلى الرغم من ذلك أنا شغوف بكتابة السيناريو دائماً.
هل تعتقد أن قرار استقالتك من عملك في كلية الطب تأخر كثيراً؟
دعنا أولاً نتحدث عن ملابسات وظروف هذا القرار، بعد تخرجي من الجامعة، عينت معيداً في قسم أكاديمي داخل الجامعة، وطوال فترة عملي هناك كنت أشعر بأن هذا ليس المكان الذي أريد أن أعمل فيه، ونداهة الكتابة كانت تناديني دائماً، كتبت قليلاً في مجلة باسم للأطفال، وعملت في مجلة جودنيوز، وعملت كذلك في الصحافة مع الكاتب إبراهيم عيسى، واشتركت في إعداد برنامج تلفزيوني في قناة دريم، بجانب عملي في ورش الكتابة ومشاركتي في كتابة مسلسلات "تامر وشوقية" و"العيادة" و"عالم سمسم"، ولم استمر كثيراً في الورش، وعملت بعدها بمفردي حيث كتبت مسلسل "أولاد الليل" ثم فيلم "عزبة آدم" ومسلسل "القطة العامية". وبعد فيلم "عزبة آدم" تحديداً بدأت أسأل نفسي هل حان الوقت المناسب للتفرغ للكتابة وترك الطب أم ما زال الوقت مبكراً؟!، وظللت فترة طويلة محتاراً ومشوشاً إلى أن قررت الاستقالة، لأنني أيقنت بأنني لن أكون موظفًا جيدًا.
هل أنت نادم على قرار استقالتك الآن؟
نعيش في فترة الدراما فيها ليست في أفضل أحوالها، لكن على الرغم من ذلك لو عاد بي الزمن كنت سأتخذ نفس القرار بدون تردد.
كتبت أكثر من عمل للأطفال، هل تعتقد أن المنتجين في مصر عاجزون عن تقديم أعمال للأطفال تحقق أرباحاً مثل أرباح الدراما والسينما؟
أغلب المنتجين في مصر يريدون الربح بأسرع طريقة ممكنة، لذلك تجد سوق الدراما أو السينما يتطور ببطئ شديد لأن هامش المغامرة قليل جداً، بالنسبة للسوق الأعمال التي تقدم للطفل في مصر، فقديماً كان مدعوماً من الدولة، اليوم الدولة رفعت يديها عنه تماماً، لكن في النهاية سوق الطفل هو منجم ذهب حقيقي لم يكتشفه أحد بسبب الكسل والتراخي واللامبالاة والرغبة في الربح السريع.
هل تعتقد أن بعض المنتجين أساءوا لفكرة السيت كوم في مصر؟
هم لم يسيئوا التعامل، هم قتلوه مع سبق الإصرار والترصد، فهم تعاملوا معه على أنه لوكيشن واحد يصور فيه أكبر كم من الساعات بنظرية "اخطف واجري" وبالتالي اهتموا بالشكل على حساب المضمون، وبالمكسب قبل المحتوى، وبإنجاز أكبر كم من الحلقات في عدد ساعات قليل جداً، وهذه الطريقة في العمل تقتل أي دراما، لأن المحتوى الجيد يحتاج وقتًا ومجهودًا وفلوس والأهم "ناس فاهمة هي بتقدم إيه".
فيلم "عزبة آدم" أول أعمالك السينمائية، ماذا تقول عنه؟
غير راض عن التجربة بشكل كبير لأنها تعرضت لكم هائل من الصعوبات في وقت قصير جداً، فالسيناريو ظل معلقاً في الرقابة لمدة 6 أشهر، فضلا عن أن المنتج والمخرج كانا على غير وفاق طوال وقت تصوير الفيلم وكان بينهما صراعات كبيرة جداً، كل هذه العوامل أثرت على النتيجة النهائية للفيلم، وفي النهاية، أعتقد أنه لو توافرت ظروف أفضل من الظروف التي أتيحت وقتها للفيلم لحققنا نتيجة أفضل بمراحل من التي حققها الفيلم وقت عرضه.
ماذا عن مسلسل "باب الخلق"؟
"باب الخلق" كان من المفترض عرضه عام 2011 حيث تعاقدت عليه عام 2010، وعملنا عليه حتى قامت ثورة 25 يناير، وتعطلنا كثيراً بعدها، حتى قررنا تأجيل المسلسل لعام 2012، وهذا الأمر كان في صالح المسلسل لأن موسم 2012، كان متميزًا جداً، وأهم نجوم مصر كانوا يقدمون مسلسلات في هذا الموسم، وعرض وحقق نجاحاً كبيراً وكان شهادة ميلاد حقيقية لي.
بعد تعاملك معه في مسلسل "باب الخلق"، ما أهم مميزات النجم الراحل محمود عبد العزيز؟
فنان لأقصى درجة، رجل محترم وأخلاقه عالية جداً، لا يتدخل إلا في إطار دوره، يحترم عمل السيناريست والمخرج والمنتج، لا توجد لديه سطوة النجم التي نسمع عنها، فهو من المدرسة الكلاسيكية الحقيقية ولديه القدرة على إضافة تفاصيل على أي شخصية يؤديها لدرجة أنه يعيد خلقها من جديد، كما أنني تعلمت منه شئ هام جداً هو أهمية صناعة قيمة لنفسك، ولا أنسى مقولته لي "لو معملتش قيمة لنفسك محدش هيعملك"، فأنا رأيت الاحتراف الحقيقي في محمود عبد العزيز.
ماذا عن مسلسل "اسم مؤقت"؟
اسم مؤقت كان تحدياً بالنسبة لي لأنني أحب هذا النوع منذ الكتابة الروائية، وأحب مشاهدته، وكان معي مخرج "غاوي" هذا النوع أيضاً، فهو أول مسلسل يكون فيه عدد كبير من الخطوط المفتوحة، وأكثر من حبكة داخل الحلقة الواحدة، والجمهور كان يتابع المسلسل بشغف وبدون ملل، وهذه نقطة هامة لأن في كتابة مسلسلات الإثارة والتشويق هناك قاعدة هامة جداً هي أنه يجب عليك ككاتب أن تحافظ على المتفرج دون أن يشتت ذهنه، لأنه لو شتت فقد فقدته للأبد، وهذه كانت أكثر نقطة تثير مخاوفي أثناء كتابة المسلسل، ولولا وجود أحمد نادر جلال ما كنت استطعت تجاوز مخاوفي تلك بسهولة.
تعاملت مع تامر حسني في مسلسل "فرق توقيت"، ما أهم مميزاته كممثل؟
تامر على المستوى الإنساني من أفضل الشخصيات الذين تعاملت معهم في حياتي، على المستوى المهني، " هو فاهم بيعمل إيه كويس" وأعتقد أن "فرق توقيت" دفعه للذهاب لمنطقة لم يذهب إليها من قبل، ولم يحدث بينا أي اختلافات في وجهات النظر أثناء التحضير للمسلسل.
يبدو أنك تتعامل مع السينما كزائر وليس كصاحب بيت، هل هذا صحيح؟
صحيح، لأن الكاتب في الدراما "بيتمطع" ويأخذ راحته في الكتابة أكثر من السينما، كما أن سطوة النجم في السينما ضخمة جداً، هذا ليس معناه أن هذه السطوة غير موجودة في الدراما، بالقطع هي موجودة لكن في جميع الأحوال "مفيش دراما تلفزيونية من غير الكاتب" حيث هناك قصة طويلة جداً تروى على مدار 30 حلقة، لذلك الكاتب هو القاعدة التي يبني عليها كل شئ .
هل واجهت صعوبات في تنفيذ مشروع "رسايل"؟
بدأت كتابته في 2010 وكنت أخشى أن يخرج المسلسل أقل من طموحاتي، لأن الدراما عام 2010 كان لها شكل مختلف تماماً عن الشكل الموجود الآن لذلك كنت أقوم بتأجيله كل عام، وأعمل عمل آخر حتى خرج للنور في النهاية وبشكل لاقى قبول الكثيرين الحمد لله.
بداياتك كانت في ورشة كتابة عمرو سمير عاطف، لماذا لم تستمر في الكتابة داخل الورش؟
لأنني أكتشفت أنني أحب الكتابة بمفردي أكثر، حاولت في مشروعين بعد ذلك ولم يكتملوا لأنني شعرت أن "صوتي بيروح وسط اللي بيكتبوا" وفكرة وجود الصوت مهمة جداً بالنسبة لي في الكتابة، كما أن الكثيرين يتعاملون مع فكرة الورش على أنها خط إنتاج في مصنع، نفس فكرة السيت كوم، لدينا إنتاج غزير، وبالتالي نريد أشخاص كثيرون ينجزونه في وقت أقل، هذه الطريقة في التفكير الإبداعي قاتلة، فالورش الحقيقية تحتاج وقت أطول وإمكانيات مادية أعلى، أما ما يحدث الآن فهو أننا نحصل على منتج "مايع" بلا صوت وبلا هوية من ورش الكتابة للأسف.
أنت من الكتاب القلائل الذين تربوا على العربي والأجنبي، ما رأيك في حالة الكفر بالعربي من بعض الكتاب الشباب حالياً؟
بالتأكيد هناك أسماء في تراثنا الدرامي لا يجوز الكلام أو التريقة عليها مثل أسامة أنور عكاشة، وحيد حامد، محمد جلال عبد القوي، صالح مرسي لماذا؟ لأن لولا وجود هؤلاء ما كان هناك صناعة دراما في مصر أصلاً، فعدم اعترافنا بهذا التراث، يجعل الموضوعات مائعة وبلا أي طعم وكأن بعض المسلسلات تحكي عن أحداث تدور في نيويورك، وللأسف هي ليست كذلك، الفكرة كلها تتلخص في كيفية صناعة شكل "أجنبي" لكن عندما يشاهده الجمهور يجد نفسه ومشاكله وهمومه فيه، هذه هي حرفية صناعة الدراما الحقيقية بالتأكيد.
ما سر قوة جيل أسامة أنور عكاشة ووحيد حامد وبشير الديك؟
هؤلاء الكتاب اكتشفوا بموهبتهم ما لم يتعلموه بشكل أكاديمي، صنعوا الحالة الفنية التي نترحم عليها الآن بالموهبة وبالتجربة والخطأ وسط انغلاق العالم وعدم انفتاحه بالشكل الذي نعيشه الآن، وكانت شخصيتهم طاغية وقوية في العمل الفني لأن القائمين على الصناعة في ذلك الوقت، كانوا مدركين لأهمية المنتج الفني ومدى تأثيره على الناس، ومدى أهمية وجود قوة ناعمة تنافس على المستوى الأقليمي، كانوا "صنايعية" بالمعنى الحرفي وهو ما نفتقده الآن للأسف.
طريقة "النجم أولاً" هل تعتقد أنها ستستمر إلى الأبد أم أنها فترة مؤقتة وستعود الأمور كما كانت من قبل؟
أنا على يقين أنه لا يصح إلا الصحيح، والجميل أننا بدأنا نسمع الفترة الأخيرة عن نية نتفليكس لإنتاج أول مسلسل مصري "ما وراء الطبيعة"، بدون أن نسمع على أنه بطولة النجم الفلاني، فهذا معناه أن العالم كله يسير في الاتجاه الصحيح، ونحن فقط من نسير في الاتجاه الخطأ.
هل كاتب السيناريو يجب أن يفعل أشياء كثيرة بعيدة تماماً عن مهنته كي يستمر ويعيش؟
بسبب منظومة السوق التي تحدثنا عنها، ظهر مجموعة من الكتاب أصبح كل همهم أنهم "يعملوا دوشة"، فكلما ارتفع صوتك، كلما زادت فرصك في التواجد، بغض النظر عن الموهبة، أصبحت فكرة "الدوشة" والضجيج المستمر عامل مهم جداً في التواجد داخل السوق حالياً للأسف.
جيل "مريم نعوم، وائل حمدي، عبد الرحيم كمال، عمرو سمير عاطف، محمد سليمان عبد المالك، محمد أمين راضي" من أهم الأجيال التي ظهرت في الدراما التلفزيونية، ما أهم مميزاته من وجهة نظرك؟
الجيل الثالث من الكتاب أهم مميزاته أنه جرئ بشكل غير مسبوق، لديه القدرة على صناعة مسلسلات ذات إيقاع سريع أقرب للإيقاع الغربي بموضوعات محلية، لكن هذا الجيل ظلم في فكرة السوشيال ميديا، التي على الرغم من مميزاتها إلا أنها ظلمت هذا الجيل لأنك لو أردت أن تنجح يجب أن تتملق أذواق الناس طوال الوقت، ليس لديك القدرة على التجريب والمغامرة إلا في الحدود التي يرسمها لك الشارع والسوشيال ميديا، فالجيل الأول للدراما كانت مهمته الارتقاء بأذواق الناس، الآن أصبح "التارجت" في السوق أن الناس تصفق لك، وهذا على الرغم من مميزاته إلا أنه لا يصح أن يصبح قاعدة يلتزم بها الجميع لأن هذا يجعل أغلب الأعمال متشابهة مع بعضها البعض، ويدفع المنتجين لمعرفة ما الذي نجح العام الماضي كي يفعلوا مثله العام القآدم، وبالتالي أصبح هناك وصفة للأعمال الدرامية كأننا طباخين وليس مبدعين.
هل تعتقد أن مشاكل الصناعة أخذت تتراكم سنة تلو سنة حتى انفجرت في رمضان الماضي؟
بالتأكيد، فالبدايات بدأت مع بدايات الألفية الجديدة عندما أخذ القطاع الخاص ينافس إنتاج التلفزيون، ومع رسوخ القطاع الخاص في السوق الدرامي، أصبح المنتج الخاص يريد النجم والقناة والإعلانات ولا يهمه المحتوى كثيراً، وبالتدريج تراجعت الأصول والقواعد التي أسسها الإنتاج الحكومي على مدار الثلاثون عام الماضية، حتى وصلنا إلى مرحلة أن منتجي القطاع الخاص إذا كان لديهم الاستعداد ليستغنوا عن المؤلفين سيفعلوا ذلك بكل أريحية، كما أن هناك مشكلة أخرى أن النجم لا يركز في فكرة أنه "بيتحرق بسرعة" وأن أذواق الناس أصبحت تتغير كل يوم، فقديماً كان النجم يختار أفضل العناصر لكي ينجح عمله، أما الآن أصبح مشغولًا "بالتريند"، مع أنه شيء وقتي جداً ويتغير كل ساعة..
تعبير مثل "لازم نلتمس الأعذار للفنانين عشان الناس دي تعبت واجتهدت" الذي ظهر من بعض الفنانين في رمضان الماضي، كيف تراه؟
التماس الأعذار للفنانين بحجة أنهم تعبوا واجتهدوا، هذه الفكرة ليس لها محل من الإعراب بالنسبة للجمهور، فالمتلقي له ما يراه، وليس له علاقة بالكواليس، فكونه قال أن هذا العمل سئ، فهذا ليس معناه أن أصحابه سيئون، الموضوع ليس شخصيًا على الإطلاق، هذا بالنسبة للجمهور، بالنسبة للصناع، فبالفعل يجب أن نكون رفقاء ببعضنا البعض لأن أيدينا كلنا في النار، فهناك بعض الفنانين مضطرين للعمل، والبعض الآخر غير قادر على الاختيار الجيد، كل هذه الظروف والملابسات يجب أن ندركها جيداً كصناع دراما، لكن بما أنني غبت عن دراما رمضان الماضي فأنا واحد من الجمهور، ولو كان لي عمل وجاء واحد من الجمهور وقال لي عملك سئ، سأحترم وجهة نظره جداً ولن أغضب أبداً.
هل تعتقد أن بعض الفنانين أصبحوا "حساسين زيادة عن اللزوم"؟
لا، الذي أخرج هذه الموضة للنور هي السوشيال ميديا، وهي للأسف مثل الشبكة الزائفة، فأنا أعمل في الوسط الفني لذلك أغلب أصدقائي على الفيس بوك فنانين وصحفيين، وكذلك أصدقائي الفنانين يمتلكون نفس الأصدقاء المشتركين معي، فدائرة الأصدقاء نفسها واحدة، فأصبحنا نغني ونرد على بعض، والجمهور الحقيقي غير موجود معنا، لذلك أصبحت هناك معايير زائفة للنجاح والفشل، مثل الانتخابات الأمريكية، الكل على السوشيال ميديا كان يقول هيلاري كلينتون، لكن في النهاية فاز ترامب لأنه في الشارع، هذا ليس تحقيراً للسوشيال ميديا لكن الإحصائيات والأرقام التي تخرج لا تحسم القول بأن هذا العمل ناجح أو فاشل، وبسبب السوشيال ميديا، الجمهور يعتقد أننا متربصون ببعض كفنانين، وهذا غير حقيقي، فأنا أتعامل كواحد من الجمهور عندما لا يكون لدي عمل في رمضان، وأتحدث بهدوء دائماً، وأبرز الإيجابيات قبل السلبيات لكن من غير المعقول أن أقول للجمهور "والله احنا تعبنا ولازم تقدروا تعبنا" الجمهور ليس له أي علاقة بكواليسنا بالتأكيد.
هل تعتقد أن بعض صناع الأعمال الدرامية يقدمون أعمالًا تتملق أذواق الناس؟
للأسف، فالفن أساساً هو القدرة على اكتشاف الجمال في الأشياء وإظهارها للجمهور، الآن الوضع تبدل، لو الجمهور يحب القبح سأريه القبح، وهذا ليس فناً على الإطلاق، الفن جمال، حتى عندما نتحدث عن القبح، نظهره بشكل جميل وبديع. وفي النهاية هناك فارق كبير بين الفن والمطعم.
هل تعتقد أن بعض صناع الأعمال الدرامية ليس لديهم احترام كاف لعقلية المشاهد؟
عندما تقوم بعض المسلسلات بأخذ مشاهد كاملة من مسلسلات أمريكية شهيرة، فبالتأكيد الجمهور سينتبه ويكتشف السرقة، الجمهور عقليته تغيرت بسبب السوشيال ميديا وأصبح يبحث عن "السقطة واللقطة"، ويأخذ "سكرين شوت" ليثبت أن بعض المسلسلات سرقت مشاهد من أعمال أجنبية، فإذا كنت تراهن كصانع عمل على أن " محدش هياخد باله" فرهانك ليس في محله، والمشكلة الحقيقة كما ذكرت لك أن بعض صناع الجيل التالي لنا يعتبرون أي "دوشة" نجاح، حتى لو بالسلب، وهذا شئ أنا عاجز عن استيعابه بالفعل.
هل تعتقد أن الحملة التي تعرضت لها مي عز الدين وواجهها محمد ممدوح توحي بأننا تخطينا مرحلة النقد إلى مرحلة الذبح؟
أنا لست ضد النقد كما قلت لك، لكن فكرة أنك تريد أن يجلس فنان أو فنانة في المنزل، هذا رأيك، لكن لا تطالب بفرضه كي يصبح قانونًا يلتزم به الجميع، فمي عز الدين بدأت من الصفر حتى وصلت لما هي فيه، ننتقد عملها الآخير هذا مشروع لكن لا يصح أن نتحدث على أنها فنانة غير موهوبة، ففي النهاية لا يجوز أن نعطي صك الموهبة لمن نريد ونمنعه "للي مش على مزاجنا"، أنا لست ضد النقد ولا حتى الشتيمة، لكن أن يتحدث البعض على أن هذا الفنان يأخذ فرص الآخرين، وأنه يجب منعه وتحاول فرض رأيك ليصبح رأي عام، هنا تكمن المشكلة، فديكتاتورية الجماهير أزمة كبيرة ظهرت بوضوح في رمضان الماضي.
ما رأيك في مصطلح أداب المهنة؟
أنا ومحمد أمين راضي اللذان أطلقا هذا المصطلح بالمناسبة، وأنا حريص جداً إذا كان هناك عمل لي في السوق ألا أتحدث عن أي عمل أخر، لأن هذا يدخلنا في حالة دراما الصناعة التي تحدثنا عنها منذ قليل، وفي رأيي " أن احنا بتوع الكواليس" بمعنى أن وجود المبدع على السوشيال ميديا يخلق حالة من الإتاحة وبالتالي سهولة الوصول إليه، وهذا ليس مضرًا لو كان محسوب ولا يأخذ من الرصيد الذي يقدمه المبدع.
ما تحليلك لتحول السينما في العالم كله لهذا الشكل العنيف من التسلية؟
من وجهة نظري هم يستثمرون في مجموعة من الشخصيات من أربعينيات القرن الماضي لها جماهيرية واسعة جداً، الاستثمار نفسه في المضمون لأنه جلب مليارات غير طبيعية وهي نفس الفكرة التي نعمل بها حالياً، مع الفارق أنهم يستثمرون في السلاسل، في الشخصيات الجماهيرية، في المضمون، ونحن نستثمر في النجم.
هل ما زلت ترى أن المجلس الأعلى للإعلام يعيد قصة مسلسل "زينب والعرش"؟
المجلس يسيطر عليه فكر الموظفين، لكن ما يثير أعصابي أن بعض الفنانين الذين كانوا مع حرية الفن والإبداع في شبابهم وخاضوا حروباً ضد الرقابة بأشكالها المختلفة، يتحولوا اليوم لسيف فوق رقبة الفنانين، وللأسف أعضاء المجلس يتعاملون بمنطق الموظفين "اللي هو عدد 2 لفظ سوقي، عدد تلاتة إيحاء جنسي" فهذا كلام فارغ وليس له أي معنى في العصر الذي نعيشه.
ما رأيك في تغير طريقة نقد الجمهور للفنانين والأعمال الفنية؟
هناك مقاييس خاصة أصبحت لدى الجمهور أهمها أنك لو مش معانا فأنت ضدنا، وأن هناك قائمة فنانين يجب أن تحبهم حتى يقال عنك أنك مثقف و"بتاع سينما"، للأسف أصبحت قطاعات كبيرة من الجمهور ديكتاتورية ومنغلقة على نفسه بشكل كبير.
هل تعتقد أن قطاعات كبيرة من المجتمع المصري تعيش حالة من الازدواجية بين رؤيتهم للأعمال الفنية وتحريمها في نفس الوقت؟
نحن نعيش في مدن لكن بعقلية الريف، فكلما زاد التطور التكنولوجي كلما ظهرت الفجوة بيننا وبين المدنية الحقيقية، فنحن ما زالنا مكبلين بأفكار الريف وتحديداً في جزئية لفظ المدنية والحداثة بمعنى أن أي شخص غريب يعيش بيننا يجب أن يصبح مثلنا وإلا يصبح غريباً عنا، عقلية الريف هذه هي التي جعلت مطربًا يستحرم الغناء وممثل يرفض اتجاه ابنته للتمثيل، وللأسف نحن لم نتخلص من عقلية الريف حتى الآن.
تامر محسن، كاملة أبو ذكرى، خالد مرعي، محمد ياسين، أربعة من كبار مخرجي الدرامي في السنوات الأخيرة غابوا عن موسم رمضان الماضي، ما تحليلك لهذا الأمر؟
بالتأكيد هم أساتذة كبار ولا غبار عليهم، وعلى المستوى الفني كل واحد فيهم مدرسة حقيقية، وقد حققوا درجة نجاح على مستوى جماهير السوشيال ميديا، وهذا سبب عدم تواجدهم، لأن الأعين ذهبت في رمضان الماضي للشارع وتملق ذوقه، هذا هو السبب الحقيقي في اعتقادي لعدم وجودهم في رمضان الماضي.
هل تخشى أن تغيب عن موسم رمضان القآدم مثلهم؟
كلنا معرضون لنفس الأمر لأن المقاييس أصبحت خارج مسئوليتنا كصناع، فالمقاييس أصبحت ترتكز على الأرقام وأسماء النجوم فقط، وبالتالي أنا كصانع لا أمتلك أي شئ على الإطلاق.
يقول البعض إنك تهتم بالفنانين ولا تفكر بأنانية تجاه عملهم، هل هذا صحيح؟
صحيح، فأنا أعتبر نفسي جزء من جيل حقق أشياء كثيرة، ولدي غيرة كبيرة على مهنتي من أنها تمتهن أو تتحول إلى شيء رخيص " أنا أصلا سايب مهنة محترمة عشان اشتغل في الشغلانة دي" فأي مكروه يصيب المهنة أو صناعها أشعر أن الموضوع شخصي جداً بالنسبة لي، لذلك أنا دائماً لا أتحدث عن نفسي بل أتحدث عن كل الفنانين.
ما سر تفضيلك الدائم للعيش في الإسماعيلية ؟
عشت في القاهرة عامين متصلين، والحقيقة هي مدينة ضاغطة جداً، واكتشفت أن الحياة في الإسماعلية أفضل كثيراً أولا هي ليست بعيدة عن القاهرة، ثانياً فيها كل ما افتقدته وقت جلوسي في القاهرة من هدوء وسكون وسلام نفسي، وأنا ابن الإسماعلية في الأساس فبعدي عنها يصنع لدي حاجزًا نفسيًا كبيرًا "ومرتاح فيها جداً الحمد لله".
كيف تستطيع الابتعاد عن السوشيال ميديا؟
السوشيال ميديا آدمان، وأنا شخص غير مدمن لأي شيء على الإطلاق، لذلك أقرر الابتعاد فترة ما، وألتزم بقراري بالفعل.
الكتابة علمتك إيه؟
علمتني التعبيرعن أفكاري والالتزام.
لو جاءك شاب يريد احتراف كتابة السيناريو، ماذا ستقول له؟
أنصحه بالكتابة مرة واثنين وعشرة، ولو لم يكن لديه القدرة على تحمل الرفض أنصحه بأن يبحث عن مهنة أخرى غير الكتابة.
اقرأ أيضا:
أحمد مراد: نجاح "الفيل الأزرق" قد يدفعنا للتفكير في جزء ثالث... ومروان حامد الوحيد الذي كان ينقصني
بيتر ميمي: لم أنجح بالصدفة.. ومحمد رمضان "ملوش ضهر" في الوسط الفني (2)