قبل عشر سنوات تقريبا قرأت حوارا مع النجم أحمد حلمي قارن فيه بين الفرص التي كانت متاحة لنجوم الخمسينيات والستينيات والفرص الشحيحة لنجوم جيله.
تحدث حلمي بوعي شديد وقال إن النجم في الخمسينيات كان يظهر في أربعة أو خمسة أفلام كل عام وحين يموت يكون في تاريخه عدد كبير من الأفلام، بينما النجم في جيل حلمي - حسب كلامه - في الأفضل الأحوال لن يترك غير 15 فيلما على الأكثر لأنه لا يقدم إلا فيلما واحدا في العام. حلمي - في الحوار - قال إنه قرر تقديم فيلمين في العام أملا في أن يزيد حصيلته من الأفلام بعد رحيله. حلمي كان نجم النجوم وقتها وكان وهو الأهم الأعلى سعرا وصاحب شركة إنتاج قادرة على تلبية طموحاته.
تعرف على إيرادات "خيال مآته" أول أيام عرضه
بعد هذا الحوار تقريبا لم ينجح حلمي في تقديم فيلمين في العام كما تمنى.. ولا فيلم كل عام. احتاج لعامين حتى يقدم فيلمه "على جثتي" ولعامين لتقديم "لف ودوران" ولثلاثة أعوام لتقديم خيال مآتة. وذلك لسبب وحيد تقريبا وهو أنه تراجع عن تقديم أفلام جيدة عوّد جمهوره عليها. ومع هذا - وبذكاء شديد يحسب له - ظل محافظا على هالة النجم التي لم تفارقه، وعرف كيف يكون طوال الوقت "عزيزا على المشاهد".. يظهر كعضو تحكيم في البرامج الجماهيرية أو يقدم برنامجا للأطفال ليكسب جمهورا جديدا أو يظهر في نهاية فيلم لزميل أو في حفل مهرجان سينمائي ليخطف من منى زكي - زوجته - حضنا ومن جماهيره إعجابا كبيرا.
لم يستطع حلمي أن يقدم فيلما كل عام، لأسباب لا يمكن أن تكون إنتاجية. لأن حلمي بدأ الانتاج منذ عدة سنوات (أنتجت شركته أخر 5 أفلام له فيما أظن) كما لا يمكن أن يكون السبب هو البحث عن "قصة" جيدة خصوصا وأن أكثر أفلام حلمي إعادة كتابة لأفلام أمريكية معروفة. الحقيقة لا يوجد سبب كاف لعدم تقديم أفلام بانتظام، كما لا يوجد سبب كاف لعدم تقديم فيلم جيد منذ "إكس لارج".
في ظني أن مشكلة حلمي هي نفس مشكلة نجوم جيله "الكوميديانات". تصوّر أن أفلامه الأولى نجحت فقط لأسباب شخصية. وبالتالي تصوّر أن نجاح الفيلم مرهون فقط بقدرته هو فقط على صناعة الكوميديا، وتصوّر أن غيابه عن بعض المشاهد أو تولي آخرين مهمة إضحاك الجمهور رهان خاسر.
في عام 57 قدم اسماعيل يس فيلم ابن حميدو. كانت سنوات الخمسينيات أهم فترات يس الفنية وأكثر أوقات نجوميته. قبل ابن حميدو قدّم يس عدة أفلام باسمه في سابقة لم تحدث من قبل، وصل أجره إلى رقم غير مسبوق (3000 جنيه). في عام 54 تقريبا شارك في بطولة 16 فيلما! في الفيلم حبكة تقليدية للغاية لكنها محبوكة جدا. الكوميديا لا تعتمد فحسب على قدرة يس على الإضحاك لكنها تعتمد على تشابكات الخطوط الدرامية. عزيزة المخطوبة للباز والتي تحب حسن.
حسن الذي يتخلى عن عزيزة لأنه في مهمة رسمية سرية "الباز أفندي" الذي يهيمن على الأبرياء بمعرفته المحدودة فيكسب ثقتهم، شيخ الصيادين الذي تنزل كلمته طوال الوقت أمام قوة شخصية زوجته. باستثناء أحمد رمزي وهند رستم كل من بالفيلم مصنف كممثل متخصص في الكوميديا (القصري - زينات - الدقن - سعاد أحمد - القصبجي) وكلهم.. كلهم.. تم توظيفهم للغرض الأصلي من الفيلم: الإضحاك. بعد مشاهدة الفيلم للمرة الألف تجد نفسك كمشاهد تكرر الإفيهات ببهجة.
إفيهات كل الممثلين، القصري - وليس اسماعيل يس - هو الأكثر حظا بسلسلة نكات مدهشة، رغم أن يس هو النجم وهو صاحب الأجر الكبير والذي تتسمى باسمه الأفلام والذي تدخّل لدى المنتج ليحصل أحمد رمزي على 400 جنيه مرة واحدة! الفيلم كوميدي بوليسي رمانسي اجتماعي دفعة واحدة، وهو ما يعني وجود أكثر من خط درامي في قصة لم تضطرب فيها أي من خطوطها، وفي تركيز على رسالة غير مباشرة تنتجها خطوط الفيلم الدرامية بذكاء شديد: لا يحمي الوطن لا سذاجة مواطنيها وبراءتهم ولا أنصاف المتعلمين من دسائس الأعداء الغرباء إلا شرطتها!
الفارق بين فيلم ابن حميدو وفيلم حلمي الأخير "خيال مآتة" هو السبب الذي يجعل من فيلم ابن حميدو فيلما للتاريخ فيما سيظل خيال مآتة أحد أفلام حلمي "الجيدة". الجيدة فقط بالمقارنة بفيلميه الأخيرين. فيلم خيال مآتة يشارك فيه: عبد الرحمن أبو زهرة - رشوان توفيق - إنعام سالوسة - حسن حسني من جانب (وكلها فرص كوميدية مهدرة لو تم توظيفها في الدراما كشخصيات فاعلة كما يفعل الأمريكان بنجومهم الكبار) وأيضا سامي مغاوري وخالد الصاوي وبيومي فؤاد ومحمود الليثي وحمدي الميرغني وياسر الطوبجي من جانب (أي حشد من الطاقات الكوميدية بلا توظيف، حتى أن بعضهم يظهر في المشاهد دون سبب ويُترك كلية لاجتهاده الشخصي)، ومنة شلبي من جانب آخر (بطلة وحيدة لا نعرف عنها أي شيء غير معلومات مبهمة ومتضاربة ولا نعرف سببا لوجودها باسثناء إضافة اسمها كممثلة على أفيش الفيلم)
الفارق أيضا في "القصة". القصة التي هي أهم عنصر من عناصر الأفلام إلا لدى نجوم التسعينيات وما بعدها. عيوب القصة يبدو أن سببها وجود أكثر من مؤلف. من الواضح أن السيناريو خضع لمراحل وتبدلات وتغييرات بداية من السيناريو الذي كتبه المؤلف عبد الرحيم كمال (القادر على توظيف أكبر عدد من الشخصيات في قصة متوازنة كما فعل في فيلمه الأول "على جنب يا اسطى" أو فيلمه الأخير "الكنز") ثم نسخة سيناريو فيما أظن كتبها حلمي نفسه فأفسد الخطوط الدرامية، وربما نسخة إخراج حاولت خلق إيقاع جيد فبترت خطوطا أخرى. حتى أن الرسالة التي كان يمكن للمتفرج أن يدركها (وهي رسالة إنسانية جميلة) ضاعت في تضارب النصوص والقفز في نهاية الفيلم من الخط الرئيسي (يكن الجد) للخط الموازي (الحفيد) رغم أن ابتداء الفيلم بالجد كان يفرض ختام الفيلم به خصوصا بعد اكتشافاته الدرامية. النصيحة المهمة: لا يمكن أن تختم فيلم قصته عن اكتشاف شخصيتك الرئيسية ضياع حياتها هباء وأنها أضاعت سعادتها في لحظة طمع بشخصية أخرى مهما كانت أهميتها في السيناريو، إلا لو كنت كممثل أو كمخرج لم تفهم القصة جيدا!
عيوب القصة من ناحية، والفشل في توظيف كل هذا الحشد، وهيمنة البطل على كل مشاهد الفيلم لم تترك غير فيلم متوسط يتحمل حلمي وحده مسئوليته، ومسئولية عدم الثقة في أحد غير نفسه، كما فعل محمود سعد وكما يفعل محمد رمضان.
ومع هذا يظل الفيلم مضحكا للباحثين عن الضحك، ويظل جيدا لجمهور أحمد حلمي الذي لم يفقد حماسه له رغم كسله ورغم تخييب توقعات الجمهور عدة مرات متوالية.
اقرأ أيضا
دليل أسعار تذاكر ودور عرض فيلم "ولاد رزق 2"
أحمد حلمي يعلن عن دور عرض فيلمه "خيال مآته"