• تلقينا العزاء في "الفيل الأزرق" قبل عرضه.
• نجاح "الفيل الأزرق2" قد يدفعنا للتفكير في جزء ثالث.
• مروان حامد كان الشيء الوحيد الذي ينقصني في حياتي.
• أرفض أن يستكتبني أي فنان.
• أعمل بقاعدة "اعرف ما بداخل الصندوق ثم أخرج عنه".
• جميع أحلام "الفيل الأزرق رأيتها في نومي قبل كتابتها.
• لا يوجد ضمان حقيقي لنجاح أي عمل مهما كانت جودته وجماهيريته.
• الإلحاد نوع من أنواع الإيمان.
• لا أنتظر من الكتابة أن تفتح بيتي.
السيناريو هو العمود الفقري للعمل الفني، والسيناريست يلعب دورًا أساسيًا في صناعة الفيلم أو المسلسل، هو رب العمل الفني الحقيقي حتى لو لم تسلط عليه الأضواء بالشكل الكافي. واعترافًا منّا بقيمة ومكانة السيناريو قررنا فتح هذا الملف ومحاورة أهم رموز ورواد كتابة السيناريو في مصر، والحديث معهم عن أهم أعمالهم، والصعاب التي واجهوها في مشوارهم، وتفاصيل صناعتهم للعمل الفني، ومناقشتهم كذلك في العديد من القضايا الفنية التي تدور على الساحة حالياً، ونستضيف اليوم السيناريست أحمد مراد.
كيف بدأ حبك وشغفك بالسينما؟
حبي للسينما بدأ منذ فترة طويلة جداً، أتذكر أنني رسبت في الصف الرابع الإبتدائي بسبب وجود نادي فيديو بجوار بيتنا، بالإضافة إلى أن والدي كان يعمل مصور فوتغرافيا، لذلك أنا معتاد على وضع عيني في الكاميرا منذ طفولتي، وأنا لم أتجاوز الخامسة عشر عاماً كنت أصور أفراح وحفلات خطوبة، ثم أغلفة مجلات و"موديلز"، ثم تطور الموضوع معي بشكل تدريجي حتى قررت دخول المعهد العالي للسينما قسم تصوير، والجميل أنني حصلت على المركز الأول طوال سنوات دراستي بسبب حبي وشغفي بالموضوع، وأثناء دراستي وبعد تخرجي عملت في أفلام مهمة جداً كمساعد مصور، مثل "مواطن ومخبر وحرامي"، و"أيام السادات"، و"كرسي في الكلوب"، و"أسرار البنات".
ما أهم الأشياء التي استفدتها خلال فترة عملك كمصور؟
أهم الأشياء التي تعلمتها خلال فترة عملي كمصور هي ألا أعمل مصورًا سينمائيًا أبداً، لأنني شعرت أن الموضوع له سقف، بمعنى أن هناك تعليمات يجب عليك اتباعها دائماً، وهذا ضد طبيعتي الشخصية، لذلك توقفت لمدة 5 أعوام عن العمل في السينما، وهذه الفترة كانت أشد فترات حياتي قسوة على الأطلاق، وبعد ذلك بدأت كتابة الرواية وبسببها تحقق حلم العمل في السينما ككاتب سيناريو.
حدثنا عن كواليس قرار احترافك لكتابة السيناريو؟
هناك أوقات يجب أن تفكر جيدًا قبل اتخاذ أي قرار، وهناك أوقات يجب أن تقفز من الشباك أولاً ثم تفكر في قرار قفزك وهل كان جيداً أم لا، هذا ما حدث معي تماما، فالحكاية بدأت بأنني فوجئت بشركة إنتاج تتواصل معي لتحويل إحدى رواياتي إلى فيلم من إخراج مروان حامد، واعتقدت أن الذي سيكتب السيناريو هو الكاتب الكبير وحيد حامد كما حدث في فيلم "عمارة يعقوبيان". وبالفعل اتفقنا على كل شيء وانتهت مهمتي عند ذلك الحد، بعد أيام فوجئت باتصال من مروان يقول لي صراحة بأنه يريديني أن أكتب السيناريو بنفسي وليس كاتبًا آخر، لأنني لامست النص أكثر من أي شخص على حد قوله، مضيفاً: "لغتك الروائية هي لغة سينما لذلك أنت أصلح كاتب لكتابة السيناريو"، فقلت له أعطني 24 ساعة وسأرد عليك، في اليوم التالي تحدثت معه وأخبرته أنني موافق.
هل وافقت على كتابة السيناريوهات المأخوذة عن رواياتك بنفسك، خوفًا من أن يبتعد أي سيناريست آخر عن روح الرواية خلال تحويلها لفيلم؟
بالتأكيد كان هناك هاجس، ولكن في وجود "مروان" كنت مطمئنًا تماماً لأنك تعطي السيناريو لشخص أعلى من فكرة السيناريست نفسه، فمروان لن يرضى عن مستوى عمل أقل من "عمارة يعقوبيان" و"إبراهيم الأبيض"، لذلك لأ أنكر أن وجود مروان معي بدد أي مخاوف أو هواجس من أي نوع كانت تلازمني قبل كتابة السيناريو.
هل كتابة سيناريو "الفيل الأزرق" كانت مجرد تجربة لاختبار قدرتك على الكتابة للسينما؟
عندما أكتب أركز في الكتابة، ولا أشغل بالي بفكرة أن العمل لو نجح سيحدث كذا وكذا وكذا، أحلام اليقظة استخدمها في الكتابة فقط،، أما في الحياة فأنا أسير بالورقة والقلم، فمعايير السينما مفقودة، ومن الممكن أن تقدم عملًا رائعًا ولا يحقق إيرادات، فإذا شاهدت أفلامًا مثل "باب الحديد"، "المومياء"، "أرض الخوف"، ستجد أنها لم تحقق إيرادات عالية، وهذه الأفلام من أعظم إنتاجنا السينمائي، لذلك أنا أركز في عملي دائماً ولا أنظر للنتائج قبل عمل وإتقان المقدمات، وإذا عرض الفيلم ونجح سأفرح أكثر لأن نجاحه سيكون مفاجئًا بالنسبة لي.
في تقديرك، ما أسباب النجاح المدوي للجزء الأول من "الفيل الأزرق"؟
الفيلم يقدم أكثر من لون درامي، وهناك نظرية في هوليود حالياً تتحدث عن أن فكرة اللون الدرامي الواحد للفيلم اختفت، فالأفلام الضخمة حالياً في هوليود تضم أكثر من لون درامي مثل "أفنيجرز" على سبيل المثال، و"الفيل الأزرق" كذلك بداخله إثارة ورعب وقصة حب، يحتوي على أكثر من نوع داخل الفيلم الواحد، وأتذكر أننا كنا نتلقى العزاء من كبار موزعي السينما قبل عرض الفيلم، فلم يتخيل أحد أن فيلم رعب مدته ساعتين ونصف ويعرض في العيد، سيحقق إيرادات، لكنه خالف التوقعات، وكان بداية لانتعاش السوق السينمائي مرة أخرى.
اقرأ أيضا: أول فيلم مصري يحقق 100 مليون جنيه .. هل يفعلها الفيل الأزرق 2؟
لو انتقلنا لتجربة "الأصليين"، هل تعتقد أننا نعيش عصر التدجين بالفعل؟
بالتأكيد، وبالمناسبة أنا لا أشير لأي شخص أو جهة ما بأنها هي "الأصليين" كما اعتقد البعض، فالأصليين هم كل من حولك، أي شخص يدعي المعرفة أكثر منك هو بالضرورة من الأصليين، لذلك التدجين عالمي في الأساس، فالعولمة مثلما لها مميزات لها عيوب أيضاً، ومن أخطر عيوبها هي فكرة التدجين، فمثلاً "الكيبورد" الخاص بموبايلك يعرف عنك معلومات أكثر من أقرب الناس إليك، والدليل أنك عندما تكتب كلمة هو يكملها لك، وهذا السر لا يعرفه سوى "الكيبورد" فقط، فبما أن الألة أصبحت أقرب شئ لديك، فأنت تتحول إلى قطعة خشب، لشئ مفعول به في النهاية. فمأساة سمير بطل فيلم "الأصليين" أنه كان يظن أنه يعلم كل شئ عن بيته، وهو في الحقيقة لا يعلم أي شئ، وهنا تكمن فكرة الأصليين، أن كثرة المعلومات لا تعنى أنها حقيقية، فإذا كنت تعرف أكثر من اللازم فمن الممكن أن تكون كل هذه المعرفة زائفة في النهاية.
"تراب الماس" مر برحلة طويلة وصلت للمحاكم، حدثنا عن تفاصيل هذه الرحلة؟
كان من المفترض أن يقدم هذا المشروع في البداية النجم أحمد حلمي وشركة الإنتاج التي يملكها، ثم حدث اختلاف في وجهات النظر، واتضح أن هناك مدرستين مختلفين تماماً عن بعضهما البعض، وشعرت أنا ومروان أننا نحيد عن الفكرة التي نريد توصيلها في الفيلم، ففضلنا الانسحاب ونفذنا السيناريو مع شركة أخرى ونجم آخر والحمد لله عرض الفيلم ولاقى قبول الكثيرين.
ماذا عن "الفيل الأزرق 2"؟
تجربة هامة جدًا، حاولنا رفع سقف الخيال فيها كي يقترب قليلاً من مستوى وجودة الأفلام الأجنبية، بجانب أنها ترسيخ لنجاحي مع مروان حامد، ونجاح الجزء الحالي قد يدفعنا في المستقبل للتفكير في صناعة جزء ثالث.
عملك مع مروان حامد، هل تعملان بمبدأ مشروع تلو المشروع أم توجد خطة كاملة لعدة أعوام؟
نسير دائماً بفكرة المشروع، فعندما كنا نعمل في فيلم "تراب الماس"، جاءت لنا فكرة "الفيل الأزرق 2"، وعندما شرعنا فيه جاءت لنا فكرة مشروع آخر وهكذا، وهذا هو الأسلوب الأكثر واقعية من وجهة نظري، لأنه من الممكن أن تخطط لمجموعة من الأعمال وتفاجأ بمعوقات إنتاجية تعيقك عن تنفيذ هذه الخطة.
ما أهم مميزات مروان حامد كصديق؟
مروان شخص مخلص جدًا، مخلص للسينما وللإنسان، لا يجحف أي شخص حقه، يستطيع أن يقف أمام الناس كلها ويقول أن نجاح العمل الفلاني بسبب أحمد مراد أو هشام نزيه أو ناهد نصر الله، هو إنسان قمة في التواضع والأدب، لا يرتاح تقريباً وقت تحضير وتصوير فيلمه، الوقت الوحيد الذي يرتاح فيه هو أول يوم عرض لأنه لا يحب حضور أول يوم عرض فيلمه في السينمات، كما أنه مطلع بشكل غير طبيعي على أحدث الوسائل التكنولوجية التي تظهر في العالم كل يوم، في النهاية مروان كان الشيء الوحيد الذي ينقصني في حياتي كأخ كبير.
ما هي الصفة التي يمتلكها مروان تتمنى أن تكتسبها في المرحلة القادمة؟
نحن ملتزمون مثل بعض تماماً، لأننا مؤمنين بأننا نقدم عمل لنا أولا وليس للشركات، لكن الصفة التي أحبها في مروان وأتمنى أن أكتسبها هي "الحسم في قمة التوتر"، في لحظة ما متوترة داخل العمل قد يتخذ قرارًا ما وتثبت الظروف أن قراره كان الأصوب والأصح، فمروان رجل المواقف الصعبة بالفعل.
تعملان بالطريقة الكلاسيكية (نص، منتج، نجم) هل واجهتكما أي صعوبات في تنفيذها؟
لا، لأن اسم مروان كبير، وهذا يفتح بابًا للثقة، ومروان يبحث ويركز دائمًا على النص، وعندما يجده، يبحث عن المنتج الذكي الذي يستطيع تنفيذه، ثم نجلس نحن الثلاثة ونتفق على السبل الأنسب، وعندما أنتهي من الكتابة، يبدأ مروان يتحدث على أن هذا الدور شبه كريم عبد العزيز، أو آسر ياسين، وهكذا، النجم يأتي في النهاية، وهذا ليس ازدراءً أو تحقيرًا للنجم لكن أنا ككاتب يجب أن أكتب بتحرر كامل، لا يجب أن أكتب تحت ضغط الممثل الفلاني الذي يريد أن يقول بعض الإفيهات أو ممثل آخر قد يحزن إذا لم أترجم رؤيته في النص، فأنا لا أحب أن أحد يستكتبني، وأرفض هذه الطريقة ليس غروراً أو تكبراً لكن لأنني لن أجيد الكتابة بهذه الطريقة، فإذا لم تكن الكتابة نابعة من داخلي لن أستطيع أن أكتب.
هل تفضل أسلوب الكتابة المتدفقة بدون قيود أو ترتيب أم أسلوب الكتابة المدروسة والمنظمة والمحسوبة بالمشهد؟
في الرواية أنا أكتب بالطريقتين، فأنا أكتب في البداية ملخصًا 10 أسطر، ثم أكتب معالجة، ثم الرواية، و يجب أن يكون هناك قواعد زمنية وإيقاعية ويوجد ملفات جاهزة تحتوي على تفاصيل كل شخصية، وهناك قاعدة هامة جداً نصها "اخرج خارج الصندوق"، أنا لدي قاعدة ألذ هي اعرف ما بداخل الصندوق ثم أخرج عنه.
هل تحب الكتابة بالصورة؟
بالتأكيد، يجب أن أحس بالمشهد وأكون رأيته أمامي قبل كتابته، وأحيانا آخذ الكاميرا وأنزل أصور أماكن معينة حتى أراها أمامي وتبقى في ذاكرتي قبل كتابتها على الورق.
هل الأحلام تلعب دوراً كبيراً في كتابتك؟
أحلام "الفيل الأزرق" كلها حقيقية، فأنا كنت مثل الرجل الذي يجلس في غرفة معبأة بدخان السجائر، وعندما أنام أحلم بهذه الغرفة، هذا ما حدث في "الفيل الأزرق"، كنت أنام وأحلم بشيء وأكتبه عندما أستيقظ.
هل العمل الأول هو عمل مختلف بالنسبة لأي كاتب؟
بالتأكيد، وأنا شخصياً عند كتابتي لأي عمل أكتب بروح العمل الأول، فأنا لا أنتظر من الكتابة أن تفتح بيتي، أمتلك أعمال أخرى تدير علي دخلاً محترماً، والكتابة مزاج شخصي بالنسبة لي أولاً وأخيراً.
كان لك تصريحاً نصه "أن الكاتب الجيد يجب أن يكون ممثلًا جيدًا" هل ترى ذلك بالفعل؟
بالتأكيد، فأنا أتقمص الشخصيات التي أكتبها، وأنطقها بصوت عالً، وفي بعض الأحيان يسيطر علي كاراكتر بطل رواية أو فيلم ما لمدة طويلة لدرجة أنه يؤلم ويزعج زوجتي أحياناً.
هل الشخصية الشريرة يجب أن تكتب بحب واستمتاع شديد؟
أنا أستمتع جداً بكتابته بالمناسبة، فهو شخصية ساحرة، وإتزانه هو الذي يوزن البطل، وأجمل شئ أنك تجنج به بعيداً عن بعض الصفات التي يجب أن تتواجد في البطل، فهو مبعثر للأشياء، ودائما الولد الشقي يخطف العين أكثر من الولد المؤدب، كما أن الخير لا ينتصر في الواقع، والشرير دائماً منتصر في الحياة بشكل كبير.
ما سر تراجع شخصية كاتب السيناريو عما كانت عليه في جيل أسامة أنور عكاشة ووحيد حامد وبشير الديك؟
لا أرجعه لزمن معين ولكن هذا شئ فردي تماماً ويعود في الأساس لضعف الثقافة السينمائية وسيادة ثقافة الاستسهال، فكيف لثلاث أو أربع أشخاص يعملون على نص واحد؟، هذا يضعف ويقلل من قيمة النص وقيمة كاتب السيناريو كذلك فكلما كان شخصًا واحدًا هو الذي يكتب كلما أصبح لدينا نص متسق ومتكامل ويسوده لون واحد فقط وليس أكثر من لون، كما أننا في مرحلة انتقالية ما بين طريقة كتابة المنصات، والطريقة التقليدية التي نعمل بها، وفي النهاية سنعبرها آجلاً أم عاجلاً بدخول المنصات بشكل أكبر في السوق المصري.
لماذا السيناريست غير مشهور بالقدر الذي يستحقه؟
الكاتب يعيش في عالمه دائماً، انشغاله الكامل بالكتابة، والظهور الإعلامي والجماهيري الكامل من الممكن أن يوتره، فأنا في بعض الأوقات أتوتر عندما أمشي في الشارع وأجد البعض ينظر إليّ، أو عندما أجلس في كافيه وأجد بعض الجالسين يشيرون إليّ، فالشهرة قد توتر الكاتب وتربكه على عكس ما الكثيرون يعتقدون.
لماذا يسير منتجو السينما وراء الموجة دائماً، ولا يحاولون صنع أفلام مختلفة عن الموجود في السوق؟
هناك عشر منتجين دائماً، ثمانية منهم يتبعوا الموجة، واثنان منهم بيصنعوا الموجة، وهذا على مستوى العالم وليس في مصر فقط، ففي السينما الأمريكية ستجد أيضاً مستسهلين، وستجد كذلك صناع الموجة، فالعالم كله يسير في موضة "هنلبس إيه إنهاردة"، وهذا الأمر ليس حكراً على مصر فقط.
هل تعتقد أنه توجد أزمة في الخيال عند صناع الأعمال السينمائية والدرامية؟
الكاتب يكتب بسقف مجتمعه، ففي أمريكا يكتبون خيال علمي بسقف مجتمعهم، أنت لا تملك الخيال العلمي، أنت عندك خيال فقط بمعنى أن هذا الخيال من الممكن أن تصنع به النداهة على سبيل المثال لكنه في النهاية خيال غير علمي، لأن العلم موجود عندنا في لقاح لفيرس معين أما العلم لديهم فهو لعلاج الثقب الأسود للقمر، هذا هو الفارق الضخم بين مستوى تفكير المواطن المصري والمواطن الأمريكي، فنحن لم نهتم بالعلم منذ أزمنة ساحقة لذلك مستوى خيالنا منخفض، فلو أراد كاتب مصري كتابة عمل خيال علمي سيصطدم بالواقع، وسيقول لنفسه (هم يعني هيصدقوا لو كتبت عن سفينة فضاء مصرية؟!) فيقتل خياله العلمي ويكتب أعمال أخرى أكثر اتساقاً مع الواقع الذي يعيش فيه.
هل تعتقد أن الصراع ما بين السينما المصرية والسينما الأمريكية، صراع وجودي، بمعنى أننا يجب ان نعمل كثيراً على المحتوى الدرامي كي نستطيع نقدم محتوى يشاهده الجمهور المصري كما يشاهد الأفلام الأمريكية؟
هذا فيه ميزة وعيب، الميزة الأولى أنه يدفع المنتج لتعلية السقف الإنتاجي، ويتبقى فقط المستوى الفني، وهذا ما ينقصنا، فيجب علينا كصناع أن نبجث عن ما ينقص الغرب من أفكار وننفذها، لكن لا نقلد الغرب في الأفكار والأمكانيات "مش هنبيع المية في حارة السقايين"، يجب أن يكون لنا لوننا المختلف والمتميز، فمن المؤسف أننا لا يوجد لدينا سينما محلية حتى الآن، تعبر عن ذاتنا ومشاكلنا وأحلامنا وهمومنا، السائد هو لون واحد باهت من السينما الأمريكية للأسف.
ما تحليلك لتحول السينما في العالم كله لهذا الشكل العنيف من التسلية؟
هي موجودة طوال عمرها، الفارق أن أفلام التسلية اقتحمت مستويات مختلفة تماماً عن ذي قبل، أصبحت تحقق إيرادات خيالية، كما أن مستواها الفني أصبح مرتفعًا للغاية، ولكن الشئ الذي يقلقك هو أن الألعاب أصبحت تحقق نسبة مبيعات مرتفعة، لذلك نحن بصدد تحول عالمي في مستوى الأفلام والألعاب، وفي السينما الأمريكية هم يرتفعون بجرعة التسلية عندما تصبح الجرعة لم تعد تكفي المشاهد، وهذا معناه أن التنافس أصبح أشرس، وأن معدة المتفرج أصبحت أوسع وعندها القابلية على تذوق أنواع مختلفة من الأعمال بإستمرار وبشراهة وبدون توقف، فعلى سبيل المثال لو أحضرت لإبنتي لعبة، ستلعب بها لمدة سبع دقائق فقط ثم ستلقيها بعيداً وتبحث عن لعبة أخرى، هذا ما أتحدث عنه أن طبيعة الجمهور نفسها تغيرت، لذلك رصد محبة الجمهور لعمل شئ صعب جداً، ولا يوجد ضمان حقيقي لنجاح أي عمل مهما كانت درجة جودته وجماهيريته.
تحدثت عن أن هناك سباق من صناع الأعمال في الخارج على الارتفاع بمستوى تطلعات الجمهور، وأن هناك العديد من المتغيرات تحدث كل يوم في صناعة السينما، كيف تتعامل ككاتب سيناريو مع هذه المتغيرات؟
أشاهد الأفلام بشكل مكثف، أذهب للسينما بشكل أسبوعي، أشاهد جميع مسلسلات نيتفلكس، أتابع أحدث النظريات الجديدة في السيناريو وأذاكرها جيداً.
ما أهم النظريات الجديدة التي تابعتها في علم السيناريو؟
إن كل ما كتب على طريقة سيد فيلد، "اليوم بيفكك"، الإيقاع وسرعة الأحداث خاصة ما بعد الثلث الأخير من الفيلم أصبح لها حيثية وبناء مختلف تماماً، وأن المشاهد ما بين الحمام الذي يذهب إليه في الاستراحة، ونهاية الأحداث، هناك منطقة في المنتصف ينام فيها، فهنا بدأوا يكتشفوا أن هناك خلايا داخل عقل المتفرج لديها قدرة تحمل، فقدرته على الزهق وعدم التحمل زادت خصوصاً مع وجود السويشيال ميديا، لذلك يجب على الكاتب أن يغير من تكنيك كتابته بحيث يكون أكثر إدهاشاً وجاذبية وإبهاراً للمتفرج.
هل تؤمن بضرورة تعبير الكاتب عن آرائه داخل العمل الفني فقط، أم من حقه أن يعبر ويعلن عن آرائه في القضايا المختلفة خارج عمله الفني؟
الكاتب اسمه كاتب، بمعنى أنه إذا أراد أن يتحدث عن شئ يكتبه، يضعه داخل الرواية أو السيناريو، الكاتب هو الشخص الذي يتحدث بالأدب، ثم دعنا ننظر للأسماء التي قررت أن تصطدم أين هي الآن؟ أين هي من ذاكرة ووجدان الناس؟، فالأدب محايد "هتطلع براه هتتحول غصب عنك لأهلاوي يا زملكاوي يا مسلم يا مسيحي" ستتعرض للتصنيف شئت أم أبيت، فلماذا تخرج من الأساس؟! "خليك جوه المسرح بتاعك، هل يصح أن الملك لير يخرج من مملكته ليشتري صابون وزيت؟!" هذا يحدث بالضبط عندما يقرر الكاتب أن يدلي بأرائه ومواقفه بعيداً عن الأدب والفن.
هل الخيال يخيف كيانات وأفراد داخل المجتمع؟
بالتأكيد، الخيال يخيف الأشخاص محدودي الخيال، النمطيين، الذين ليس لديهم رؤية ولا نظرة مستقبلية، فرواية يوتيوبيا للدكتور أحمد خالد توفيق من الممكن أن تخيف أشخاص كثيرون لكنني عندما درستها وتأملتها جيداً وجدت أنها صعبة الحدوث.
قدمت شخصية الملحد في رواية "موسم صيد الغزلان"، هل الملحد شخصية ثرية درامياً بالفعل؟
بالتأكيد، لأنه شخصية جريئة جداً، يتحدى أكبر قوة موجودة على وجه الأرض، بني آدم يقف وقفة الشيطان، فجأة يقول لا على أشياء يظن الكثيرون أن مجرد مناقشتها من المحرمات.
هناك نوعين من الإلحاد، إلحاد يبحث عن اليقين، وإلحاد يبحث عن الشك لمجرد الشك، هل تعتقد أن النوع الثاني أصبح هو السائد والمنتشر في مجتمعنا حالياً؟
الإلحاد نوع من أنواع الإيمان، كيف؟، لأن الألحاد لو وصل لمستوى مرتفع عند الملحد، مثل نديم بطل الرواية "موسم صيد الغزلان" هذا معناه أنه يصدق في جزء من داخله بوجود الله، لأنه لو لم يصدق وجوده، فلن يتحدث عنه ببساطة شديدة جداً، فحديث الملحد الدائم عن إلحاده هذا معناه أنه هناك شئ ما بداخله يقر بوجود الله.
هل نحن كشعب متميزين بالخلطة المصرية التي تحتوي على كل القيم السلبية مثل التواكل والنصب والكسل والهرجلة، هل كتاب السينما والدراما لم يجيدوا التعبير عن هذه الخلطة حتى الآن؟
نحن ضحايا الإرث، فأنت نتاج والدك، ووالدك نتاج والده، وأهم الأشياء التي تربيت عليها في أول ست سنوات في حياتك، ستستعيدها في الخامسة وثلاثين فيما فوق مع أولادك.
هل السوشيال ميديا أصبحت "هوس" يسيطر على بعض الكتاب؟
من أجل ذلك، أغلقت الفيس بوك منذ عامين ولم أفتحه حتى الآن، فأنا عمري ما قلت رأيي الشخصي على الفيس بوك، فالناس لها الكتاب أو الفيلم فقط، وفكرة وجود السوشيال ميديا عند الكتاب، كأنك تكتب داخل مكتب وشخص يجلس بجوارك، طوال فترة كتابتك ستنظر له، وستشتت تماماً عن مشروعك.
هل خيال الجمهور يسبق خيال المبدعين حالياً؟
بالتأكيد، لماذا؟ لأننا كلنا جالسون في نفس المنصة، فأنا سأسبقك عندما أقرأ كتاب أنت لم تقرأه، لكن طالما نقرأ ونهزر ونكتب ونضحك مثل بعض، الرؤوس تتساوى ثقافياً، وبالتالي من الممكن أن يقدم أي مبدع عملًا ما ويفاجأ بأنه لم يدهش الجمهور لأن الرؤوس والأمزجة تساوت.
هل السوشيال ميديا دفعت بعض النقاد للبحث عن "اللايكات والشير" أكثر من القيمة الفنية والأدبية؟
الناقد مثله مثل الكاتب والقارئ، كلنا في نفس المنصة كما قلت، والقارئ لم يعد لديه استعداد أن يقرأ "أوي"، والكاتب لم يعد لديه استعداد أن يكتب "أوي"، والناقد لم يعد لديه استعداد لأن ينقد "أوي"، وهكذا دائرة من الاستسهال تحكم الجميع.
هل تشعر بوجود حالة من العدوانية والقسوة لدى متفرج هذا العصر؟
التواصل يفعل أكثر من ذلك، فهل سلوك الراكب عندما يركب تاكسي، هو نفس سلوكه عندما يركب في أتوبيس مزدحم؟ بالتأكيد لا، كما أن الكثير من الدراسات أوضحت أن من المفترض على أي شخص أن يتواصل مع 150 بني آدم كحد أقصى، فعندما يتواصل مع 5000 سيكون أشرس وأعنف بالتأكيد.
هل طبيعة الجمهور الذي تحدثنا عنها تؤثر على كتاباتك؟
لو كانت تؤثر ما كنت كتبت رواية "موسم صيد الغزلان"، ومع أن الجمهور قد يبدو أنه لا يحب الخروج عن المألوف والعادات والتقاليد، إلا أنه بداخله يعشق هذا الأمر، مثل البنت التي تتحدث مع صديقتها "الأنتيم" على أنها عشقت صديقها جداً عندما قبلها دون استئذانها، هذا يبدو وقحًا بالطبع إلا أنها بداخلها تحب هذا الأمر، ودعني أسألك لماذا يحب الجمهور شخصية الجوكر في فيلم باتمان؟ لأنه يعوض رغباته الداخلية، فالجمهور يحب الشخصية المعارضة، يعشق الشخصية الشريرة، يفضل دائماً الكتابات المخربشة الحراقة حتى لو أظهر عكس ذلك.
هل طبيعة الجمهور الشرسة والعداونية تستفز قدراتك ككاتب؟
بالتأكيد.
كان لديك تصريح نصه "أن أسوأ أنواع الكتاب الذين يرقصون على السلم" فسر لنا هذا التصريح؟
الرقص على السلم معناه أنك لا تعطيني جرعة المفاجأة الكاملة، نحن نحتاج في الأدب أن نلتزم بالخيال، لو التزمنا بالخيال "نجيب أخره" لا نكتفي بأول سلمة، فالجمهور حالياً أصبح مثل مدرجات السينما أو المسرح، أول حركة تقدمها سيراها أول صف، حركة أوسع قليلاً سيشاهدها ثاني صف، فإذا أردت أن تقدم خيال حقيقي يجب أن يشاهده آخر صف.
هل تعامل البعض مع كتاباتك على أنها كتابات المراهقين و"البيست سيلر" يزعجك؟
لا، لم يزعجني، أنا أكتب روايات والناس تشتري هذه الروايات، أكتب أفلام، الناس تشاهد هذه الأفلام، ووصف كاتب المراهقين لا يزعجني إطلاقا، هل من الممكن أن تذكرلي موضوعين هجومين ضد كتابات نجيب محفوظ؟! لن تتذكر، فالخلاصة أن هذا النقد لا يعيش، العمل القوي فقط هو الذي يعيش.
تهتم جداً بالناحية التسويقية لأعمالك، هل ترى أن الجانب التسويقي مكمل للكتابة حالياً بالفعل؟
بالتأكيد ولم تصبح رفاهية، فوسط كل هذا الكم من الدعاية في كل المجالات عندما تخرج كتابًا بدون دعاية هذا أمر لا يصح وفيه إزدراء لقيمة الكتاب بالمناسبة.
عندما أحلل شخصيتك، أشعر أنك شخصية عملية جداً، لديك هدف تحاول تحقيقه دائماً، وردك على أي هجوم أو نقد بالعمل فقط، هل تحليلي صحيح؟
صحيح، وهذا يعود لأني مؤمن أن الحياة قصيرة، لذلك مهمتي الأساسية أن "أبسط الناس" سواء بأفلام أو روايات.
عندما أحلل شخصيتك كذلك أجدك شخصية متسامحة محبة للحياة من النادر أن تعلن غضبك أو ضيقك من أحد، هل هذا يعود لإيمانك بأن الحياة قصيرة أم لتأثرك بوالدك؟
هذا يعود لوالدي، فهو شخص اجتماعي، محب للناس وللحياة، وعلمني أشياء كثيرة أهمها الهدوء والتسامح وأن أركز على مشروعي أولاً وأخيراً، فهذا مبعثه والدي ولأنني برج الدلو بالتأكيد.
أثناء إجابتك على أحد الأسئلة تحدثت على أنك تعتمد على مصادر دخل أخرى في فتح بيتك، اسمح لي، كيف لكاتب بشهرتك وقوتك الفنية والجماهيرية لا توفر له الكتابة دخلاً مريحاً وثابتاً؟
في وسط مجتمع يتغير فيه كل شئ، ووسط سوق قد يقدم أعمال اليوم ولا يقدمها غداً، ووسط وجود أطفال، فأنت بحاجة لشئ ثابت يؤمنك وتستطيع من خلاله أن توفر احتياجات بيتك بشكل دائم، ولو الكتابة أحضرت أموال أهلا بها، حدث أي تعثر من أي نوع هناك مصادر دخل أخرى.
هل حياة الكاتب مختلفة عن حياة أي شخص؟
مختلفة في أن أي شئ في الحياة لا يمضي لحال سبيله بالنسبة للكاتب، كما قال الكاتب الياباني هاروكي موركامي ذات مرة:"أن أي شجرة أعدي عليها في الطريق قابلة جداً أنها تدخل في القصة بتاعتي".
كيف تفصل من حياة الكتابة؟
بالقراءة.
هل للنساء دور كبير في حياتك؟
بالتأكيد زوجتي شيرين تدفعني دائماً للكتابة، وأنا داعم ومساند لمشروعها الخاص بالقراءة بقوة، فهذا أقل شئ أقدمه لها، كما أنني أتعلم جداً من بناتي فهم جيل مختلف في كل شئ، كما أن أمي وأختي لهما دوراً كبيراً في حياتي.
ما رأيك في مشروع I read حتى الآن؟
مشروع طموح جداً، واستجابة المشاهير والناس هايلة جداً، فأنا مؤمن دائماً أن الثقافة حماية، ونصيحتي الدائمة لكل أب "متسبش فلوس لولادك سبلهم كتب".
حدثنا عن تجربة إخراجك لكليب" صاحب"؟
تجربة ممتعة ولذيذة جداً، والإخراج في حد ذاته شئ ممتع جداً.
لماذا لا تكتب دراما؟
أنا سريع الملل، "الـ 30 حلقة بيموتوني"، عندما يكون عدد الحلقات 8 و10 من الممكن أن أكتب دراما، لكن أنا سينمائي الهوى في جميع الأحوال.
حدثنا عن تفاصيل كتابتك؟
أكتب من الساعة 8 صباحاً وحتى الساعة 3 عصراً، أكتب على موسيقى، و"ببقى محضر هكتب إيه كل يوم".
لو جاءك شاب يريد احتراف كتابة السيناريو، ماذا ستقول له؟
يذاكر قواعد ونظريات الدراما والسيناريو جيداً، ويشاهد أفلام ومسلسلات كثيرة جداً.
اقرأ أيضا:
أسرة أحمد مراد تسانده في العرض الخاص لـ"الفيل الأزرق2"
خاص - أحمد مراد لـ"في الفن": أوافق على التصنيف الرقابي +18 لفيلم "تراب الماس".. يحتاج لعقول معينة