فيلم الفيل الأزرق صدر عام 2014، وأحدث انتعاشة للسينما في وقت ركودها.
أسباب النجاح تعددت، فالفيلم مأخوذ عن رواية تصدرت المبيعات، وبه نسبة خيال وتجديد، يضمن جذب شريحة أكبر من قراء الرواية، كما أن التنفيذ جاء لائقاً ومبهراً إلى شكل كبير.
الفيلم أيضاً احتوى على نهاية تسمح بوجود جزء ثان، لكن لم نسمع عن نية تقديم جزء ثان، سوى من فترة قريبة، لنفاجأ بالإعلان التشويقي للفيلم، ثم نزوله إلى دور العرض بعد أسابيع.
فهل كان وجود جزء ثان ضرورياً فعلا؟
الفيل الأزرق، فيلم تجاري من الأساس، لذلك، فاستغلال نجاح الفيلم الأول، لصنع فيلم آخر ليس عيباً.
لكن من ناحية درامية وفنية، فقد يكون وجود جزء ثاني ضرورياً ومفيداً كذلك، لأن الفيلم الأول احتوى على ثغرات عديدة في الحبكة، يمكن سدها من خلال جزء ثاني، مثل موت مايا، أو اكتشافنا إن عم السيد، مات قبل بدأ الأحداث أصلا، بالإضافة للثغرة الكبرى، وهي فكرة، حبوب الفيل الأزرق نفسها، والتي تعتبر كحل سحري لمشاكل البطل، بشكل غير منطقي، والمنطقية هنا لا تتضاد مع الخيال، فالخيال أيضاً يحتاج إلى تأسيس، ليتم تقبله.
نستنتج من كل ذلك، إن صناع الفيلم، كان أمامهم فرصة كبيرة لسد ثغرات الجزء الأول، بل وأيضاً صنع جزء آخر يفوقه، لكن للأسف، كان اختيارهم أن يقوموا بتكرار الجزء الأول، ليس فقط درامياً وبنفس الثغرات، لكن ربما بصنع ثغرات أكبر حتى.
خط درامي متطابق وبناء شخصيات مهزوز
عند تجريد تفاصيل الفيلمين، نجد أن البناء الدرامي في شكله البسيط، متطابق:
مريض جديد في عنبر 8 غرب، يتطلب وجود يحي راشد بسبب وجود سابق معرفة، وعندما يصل لمنطقة مسدودة في التحقيق، يأتي الحل في النهاية على يد حبوب الفيل الأزرق.
من نقاط تميز الجزء الأول، هو وجود جانب شخصي في الأحداث يورط يحي نفسياً، فمن جهة، المريض هو صديق مقرب قديم، تسبب في خسارته لحبيبته. ومن جهة أخري، الطبيب المشارك معه في التحقيق، وهو ند قديم له، يحمل ضغينة ليحي.
الجزء الثاني، حاول تكرار هذا الجانب الشخصي، عن طريق صنع رابط معرفة قديمة بين زوجة يحي و"فريدة" المتهمة، لكنه تكرار غير محكم، وأفسد تركيبة شخصية "لبنى".
ظهور "لبني" في الجزء الأول، اقتصر على كونها حبيبة البطل ومصدر عذابه، لكن على الأقل لم يكن هناك مشاكل في تكوين شخصيتها. هنا ومع قرار صنع رابط بينها وبين "فريدة"، وتنافسها معها على زوجها السابق، أربك شخصيتها، وأظهرها بشكل امرأة متلاعبة، كذلك أربك علاقتها مع "يحي" وأفسد تاريخ الحب بينهما، بالإضافة إلى حشر تفصيلة انتحارها في السابق وتسببها في موت بنتها تقريباً، للتخديم على الحبكة، لا أكثر.
شخصية "يحي"، تم تكرار ذكر حادثة موت زوجته وابنته مراراً، وفى نفس المواضع تقريباً، بشكل أقرب للابتذال. صحيح أن إحساس الذنب الناتج عن تلك الحادثة، من الطبيعي أن يظل يطارده طوال عمره، وخاصة لأنه هنا يمتلك عائلة وزوجة وابن، لكن تكرار استخدام الجزء، أفقده وقعه العاطفي.
سذاجة واستسهال في الحلول والحوارات
هناك قدر كبير من السذاجة والاستسهال، في تقديم مبررات لمواقف أو حلول لعقد البطل، منها طريقة إقناع الدكتور "أكرم"، مدير قسم 8 غرب، بوجود شق ما ورائي في قضية "فريدة"، أو ظهور شخصية طليق "لبنى" في مشهد مقحم وساذج، فقط لتمرير معلومة محاولة انتحار "لبنى"، وتأكيد سابق المعرفة مع "فريدة".
كذلك جاء استخدام التعليق الصوتي في مشهد لقاء "يحي" بـ"أكرم" بشكل مقحم، خاصة أنه لم يستخدم سوى في هذا المشهد.
سقطات وفجوات في الحبكة (هذا الجزء يحتوي على تفاصيل قد تحرق بعض الأحداث)
كما ذكرنا، فإن الجزء الثاني احتوي على نفس فجوات الجزء الأول، بل وزاد الطين بله.
أولا، حبوب الفيل الأزرق، منذ بداية الفيلم ونحن نرى أحلام وخيالات "يحي"، لكنه يضطر إلى اللجوء إلى حبوب الفيل الأزرق لحل اللغز، فاذا تعاملنا مع الحبوب بمنطق إنها تعزز الخيالات، التي يمتلكها أصلا، فكيف لها أن تريه أشياء لم يعشها، أو يقرأ عنها، وإذا كان "يحي" يعرف أن هذا هو الحل السحري، لماذا لم يلجأ له من البداية؟
ثانياً، بعيداً عن هلوسة الحبوب، فأحلام "يحي" من المفترض أنها نتاج ترابطه مع الجن، وفى الغالب يكون له دلالات، لكن الأحلام هنا كانت كثيرة ودلالتها غير واضحة، فإذا تغاضينا عن دلالة السمك والكلب رغم سذاجة تبرير دلالتهما، فما الداعي لمشهد العنكبوت، أو مشهد "يحي" وهو يواجه نفسه في القطار؟
ثالثاً، الفجوة الأكبر، تكمن في شخصية الجن "نائل".
فهمنا من الجزء الأول، أنه لكي يحضر ويتملك شخص، يجب عقد عزيمة معينة ووضع تاتو على الجسد، لكن الجزء الثاني يلغي كل ذلك، بدون تحديد تبريرات وأسس جديدة، فمثلا قدراته، تارة يتملك شخص عبر تاتو، وتارة عبر عقد اتفاق عن طريق مرآة، وتارة أخرى، نراه لا يحتاج كل ذلك، ويتحكم في الأشخاص مباشرة، كما فعل مع "لبنى" وأطفالها، فإذا كان يستطيع فعل ذلك بكل تلك السهولة، فلماذا يحتاج إذن "يحي" ليتحكم به؟ وما الذي يريده أصلا؟
طريقة التخلص منه وحرقه أيضاً تغيرت، فكما نفهم فطريقة الجزء الأول لم تجد نفعاً، وتم استبدالها هنا بمرآة سحرية، يكتب عليها جملة بالمعكوس!!
إبهار بصري ينقصه الاتساق
يمكن بسهولة فهم حماس مروان حامد، وفريقه للعمل في الفيلم، فهو حرفيا مكنهم من فعل كل شيء، بصرياً، من خلال الصورة والديكور والملابس والمونتاج، وسماعياً، كذلك من خلال المؤثرات الصوتية والموسيقى، لكن هناك مشكلة:
أولاً، تعدد الأساليب أفقد الفيلم وحدة اللغة البصرية، فنشعر كأن مروان استخدم كل شيء فعله في السابق، ومزجه في فيلم واحد، ولذلك، من الصعب، أن نتذكر مشهد معين، علق إحساسه معنا، بعد الفيلم، بعكس الجزء الأول وبقية أفلام مروان.
ثانياً، المشاهد الدرامية غير فعالة على رغم من جودة الأداء التمثيلي، بسبب ضعف بناء الشخصيات ودوافعها، وركاكة الحوار، بالإضافة إلى، علو الموسيقى التصويرية في مواضع كثيرة، أفسدت حالة المشهد الشعورية.
ثالثاً، الإكثار من المؤثرات البصرية بشكل ظهر هزلياً بعض الشيء.
فيلم ممتع سيمحى مع الوقت
في النهاية، ومع كل هذه المشاكل، فلا يمكن إنكار أن تجربة مشاهدة الفيلم ممتعة، ومن أحب الجزء الأول، سيجد ما يسره في هذا الجزء. لكن مع قليل من الاهتمام بالسيناريو، كان ليصير فيلماً أفضل بكثير.
اقرأ أيضا للكاتب
"خيال مآتة" يجمع بينهما مجددًا.. تاريخ التعاون بين حلمي وخالد مرعي