في عام 1954، قدم المخرج العظيم أكيرا كوروساوا فيلمه ”Seven Samurai“ (الساموراي السبعة)، والذي تدور أحداثه عن قرية فقيرة تتعرض لاعتداء من عصابة، فيستعين أهل القرية بسبعة من مقاتلي الساموراي لتخليصهم من هذه العصابة. ومنذ ذلك الوقت حتى الآن، يعاد تقديم هذه القصة بمعالجات مختلفة وفي كل دول العالم.
أشهرها المعالجة الأمريكية عام 1960 ”The Manificent Seven“ (العظماء السبعة) والتي نقلت الأحداث لعالم الغرب الأمريكي، ثم جاءت المعالجة المصرية الشهيرة ”شمس الزناتي“ عام 1991 للمخرج سمير سيف، والتي نقلت الأحداث إلى مصر، في وقت الحرب العالمية الثانية والاحتلال الإنجليزي لمصر.
في عام 2018 أعلن المخرج بيتر ميمي عن مشروع فيلم يُدعى ”حملة فرعون“ سيقدم في العام التالي، لكن الفيلم ذهب في النهاية للمخرج رؤوف عبد العزيز.
شخصيات بلا ماضٍ أو حاضر
في عام 2016 قُدمت إعادة إنتاج لفيلم ”العظماء السبعة“ في أمريكا، نفس المعالجة القديمة، بأبطال جدد ورؤية إخراجية مختلفة بالتأكيد. لكن صناع فيلم ”حملة فرعون“ قرروا تقديم معالجة مختلفة للقصة الخالدة، فنقلوا الأحداث للوقت المعاصر.
يبدأ الفيلم مع مجموعة من اللاجئين السوريين في طريقهم لقوات حفظ السلام، يقطع طريقهم المجرم فرانكو (هافور جوليوس) وعصابته ليأخذ الأطفال إلى القرية التي يسيطر عليها ويترك الباقين. أم أحد الأطفال مصرية، تعود إلى زوجها يحيى (عمرو سعد) في مصر لينقذ الطفل فيشكل فريقًا من أصدقائه القدامى ويسافر ليحرر طفله من فرانكو.
رغم اقتباس الفيلم بشكل واضح من ”الساموراي السبعة“ لكننا لا نجد أية إشارة لهذا في التترات، بل يُكتب أن الفيلم قصة بيتر ميمي، وسيناريو كريم حسن بشير ومحمد القوشطي! تفصيلة بسيطة يدركها أي كاتب سيناريو، وخاصة من اقتبسوا هذا النص، هي أهمية وجود ميزة واضحة لكل شخصية من شخصيات الفريق، إذا عدنا إلى ”شمس الزناتي“ سنجد أننا نذكر القدرة القتالية لكل فرد من الفريق، بالإضافة لبعض الصفات الشخصية، فهذا سكير وهذا عصبي، وكل هذه الصفات تنعكس على علاقتهم بشمس وطريقة قتالهم بالتأكيد.
حاول مؤلفو فيلم ”حملة فرعون“ صناعة هذا الاختلاف بين إمكانيات الشخصيات، لكننا سنجد بعضها بلا أبعاد حقيقية، مثل يونس (رامز أمير) الذي يتميز بقدراته في رياضة الباركور، لكننا لن نجد أبعادًا أخرى للشخصية توضح علاقته بيحيى، وحتى الشخصيات التي رُسم لها علاقات واضحة لم نجد استغلالًا جيدًا لهذه العلاقات.
على سبيل المثال، منذ اللقاء الأول بين يحيى وراضي (محمود عبد المغني) ودهب (روبي)، نعلم أن العلاقة متوترة بين الأخيرين والأول، يتضح أن هناك قصة حب قديمة بين دهب ويحيى، ولكن يحيى تركها وتزوج دليلة (مايا تالم) أم طفله المخطوف، دهب لا تزال تحبه وهناك مشهد كامل بينهما تحاول الاعتراف فيه بحبها له، لكن هل أضاف هذا للأحداث أي شيء؟ لا، وفي النصف الثاني مع بداية المعركة يختفي كل هذا ولا يصبح لعلاقة الحب أية قيمة.
كذلك نجد راضي يشكو من أن يحيى تركهم وابتعد، ولا نعلم كيف تركهم وما طبيعة العمل بينهم، بل إننا لا نعرف ما هي مهنة يحيى أو لماذا يلقب بفرعون تحديدًا، رغم أن زوجته ذكرت أكثر من مرة أنها هربت منه خوفًا على ابنها أن يكبر ويصبح مثله، لكننا لن نعلم أبدًا ما هو مثله هذا. بالطبع يمكن الاستنتاج أنه يعمل في مهنة أتاحت له هذه القدرات القتالية والسيولة المادية، لكن هل هو قاتل مأجور؟ جندي مرتزق؟ سفاح؟ لا أحد يعلم.
املأ الفراغات
يوجد كشف لبعض أحداث الفيلم في السطور التالية
ليست الشخصيات وحدها التي احتوت على نقاط ضعف في الكتابة، بل حبكة الفيلم منذ أول مشاهدها وحتى النهاية مليئة بالفراغات التي على كل مشاهد أن يملأها بمعرفته. تُخبر دليلة يحيى أنها هربت مع ابنهما لأكثر من دولة، لكننا لا نعلم أبدًا كيف وصلت إلى سوريا، هل من الممكن في ظل الظروف الصعبة التي مرت بها سوريا في الأعوام الماضية أن يسافر أي إنسان إلى هناك؟ بالتأكيد لا، لكنها تواجدت هناك مع طفلها لسبب لا نعلمه.
مع اقتراب نهاية الفيلم، نكتشف أن أحد سكان القرية القريبة من فرانكو، والذي كنا نشاهده في صورة شخص متأخر عقليًا، ما هو إلا ضابط مصري متنكر يخبرهم أنه يراقب المكان منذ سنة ونصف السنة، لأن ما حدث في سوريا من المخطط أن يُنفذ بحذافيره في مصر! لكن الضابط لن يخبرنا ما الذي كان ينتظره في خلال هذه الفترة، إذا كان ينقل فقط صورة ما يحدث للقيادات، أم ينتظر الوقت المناسب للهجوم على العصابة، هذه تفصيلة أخرى غير معلومة.
نأتي لشخصيتي فرانكو زعيم العصابة، وريك (مايك تايسون) المرتزق التائب. في المشهد الافتتاحي يقبض الأول على الثاني، ويخبره أن هناك مكافأة كبيرة على رأسه، لكنه يبقيه لديه حبيسًا ولا يسلمه للجهة التي ستمنحه المكافأة لسبب غير معلوم، ويتبادلان عدة حوارات مكررة وعبارات محفوظة، نشاهد فيها ريك يقرأ القرآن طوال الوقت، ويخبر فرانكو بأنه تغير وأن هناك من كانوا يستغلونه لقتل ناس بريئة، لكننا لا نعلم أيضًا ما سبب تغيره بهذه الصورة.
الآن يكفينا من عبارة ”لا نعلم“ لأننا يمكن أن نجد الكثير منها في هذا الفيلم، ولننتقل للمخرج رؤوف عبد العزيز.
الأكشن لم يكن حلًا
يقدم رؤوف عبد العزيز في الفيلم أولى تجاربه السينمائية بعد أن قدم عدم مسلسلات، ظهرت فيها مشاهد الأكشن. لكن الأكشن هو جزء من الفيلم وليس هو الفيلم، وحتى إذا كان المشاهد قادمًا من أجل المعارك والانفجارات فإنه لن يتنازل عن مشاهدة عناصر جيدة في بقية الفيلم تضم بداخلها هذا الأكشن.
لن نتحدث عن إدارة الممثلين، إذ سنجد أن كل ممثل يجود بما لديه، عمرو سعد على سبيل المثال يقدم أداءً جيدًا بالفعل، بينما حمدي الميرغني يقدم أداءً هزليًا لا يليق بالطبع مع المهمة التي هم بصددها ولا مع الوجود في مرمى النيران طوال الوقت، وكان يمكن أن يحافظ على طبيعة الشخصية الكوميدية مع بعض الجدية في الأداء. لكن عندما ننظر إلى من هم ليسوا ممثلين بالأساس سندرك أكثر عدم وجود توجيه حقيقي من المخرج، والحديث هنا عن تايسون وجوليوس وكرم جابر، فكل منهم يُسمّع حواره تقريبًا دون محاولة ملموسة للتمثيل، وجوليوس يكتفي بالتلويح بذراعيه علامة على الغضب.
سنعود للأكشن فربما هو الذي سينقذ الفيلم. يجب أن نشير أولًا إلى أن تتابعات النهاية استغرقت حوالي نصف الساعة، نعم نصف الساعة من الطلقات والانفجارات والمشاهد القتالية، التي كان أغلبها ضعيف التنفيذ كما سنذكر.
في مشهد شهير من فيلم ”Raiders of the Lost Ark“ (سارقوا التابوت المفقود)، يقف شخص يلوح بسيفه في حركات بهلوانية مهددًا البطل ومنتظرًا الاشتباك، فيخرج البطل مسدسه ويقتله فورًا.
هذا مشهد كوميدي، وكان موظفًا داخل أحداث الفيلم، لكن في حالات أخرى سيصبح المشهد منفرًا وغير منطقي، لكن مشاهدًا شبيهة وقعت في ”حملة فرعون“ ولم تكن بغرض الكوميديا.
في أحد المشاهد يشتبك اثنان من فريق فرعون مع أحد رجال فرانكو، اثنان أمام واحد ومن المفترض أن نشاهد معركة جيدة، لكن فجأة يأتي راضي ببندقيته ليقتل رجل فرانكو فينتهي القتال، في كسر واضح لأحد أعراف مشاهد الأكشن، وهي أن القتال يجب أن يصل لذورته قبل أن ينتهي، ويفضل أن يكون أحد المشاركين في القتال هو المنتصر وليس شخصًا من الخارج إلا لو كان لهذا تأثير ما، وهو ما لم يحدث هنا.
من الأمور الأخرى المهمة في إخراج الأفلام التي تعتمد على وجود عدة أبطال، أن يكون لكل منهم نهاية مميزة يذكرها المشاهد، جميعنا يذكر نهاية طفشان وسيد سبرتو من شمس الزناتي، لأن الإخراج أعطى تفاصيلًا مميزة لكل عملية قتل. في ”حملة فرعون“ سنجد أن فرانكو يقتل اثنين من الفريق في قتال يدوي وبنفس الطريقة تقريبًا بما لا يدع مجالًا لتذكر الاثنين، وكأن المخرج أراد أن يخفف من عدد الفريق.
أخيرًا، نأتي إلى مشهد النهاية، كيف تقتل الشخصية الشريرة؟ القاعدة السابقة الخاصة بتمييز عملية القتل تنطبق على الشخصية الشريرة بالطبع، إذا عدنا إلى أي فيلم أكشن جيد سنجد أن النهاية عادة تأتي فيها مواجهة يدوية أو بالأسلحة بين البطل والشرير، لكن هذا لم يحدث هنا، فجأة يركب فرانكو سيارته هاربًا فيطارده يحيى بسيارة أخرى، تصطدم السيارتان فتنفجر الخاصة بفرانكو ويخرج يحيى سليمًا بالطبع دون أي قتال بينهما.
هذا الفيلم ضم الكثير من مقومات النجاح التي أهدرها جميعها، فهو مبني على قصة جيدة عادة ما تنجح، يقدم الأكشن وهو النوع المطلوب حاليًا من الجمهور المصري، يضم فريق ممثلين جيد وأجانب يمكن استغلالهم في الدعاية، بالإضافة لإنتاج كبير لصناعة نتائج جيدة، لكننا شاهدنا انفجارات وطلقات فقط دون محتوى جيد.