بعد 52 عاما على نكسة يونيو 67، بدأت السينما المصرية للمرة الأولى في التعرض لما حدث في هذه المعركة التي مثلت نقطة تحول في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، ولم تكن هزيمة لمصر وحدها، دائما ما كنا نتعامل مع حرب 67 بحساسية مفرطة تكاد تصل لمحاولات عدم التعرض لها من الأساس، والتركيز فقط على انتصار أكتوبر الذي أعاد الكرامة والعزة، وكسر هذه الحالة النفسية.
لا تدور فكرة الفيلم عن "النكسة" التي لم تكن سوى معركة خاطفة وليست حربا كاملة، تبدأ أحداث الفيلم بعد النكسة مباشرة، الفترة التي تعرف باسم "حرب الاستنزاف" التي تمثل البداية الحقيقية لحرب أكتوبر، وتدور أحداث الفيلم، التي تستمر لساعتين ونصف الساعة، حول مهمة ضرب معسكر للعدو في سيناء، يضم احتياطي كبير لسلاح العدو، ويتم تكليف الضابط "نور" أحمد عز بهذه المهمة، ولإضفاء المزيد من الصعوبة على العملية، نعرف أن هذا المعسكر يضم مجموعة من الأسرى المصريين.
الحقيقة التي يعرفها الجميع وتتردد على مدار سنوات عديدة عندما نتحدث عن إنتاج أفلام توثق انتصارات الجيش المصري في حرب أكتوبر أن هذه النوعية من الأفلام تحتاج إنتاجا ضخما وها نحن بعد هذه السنوات تحقق لنا ما كنا نظنه مستحيلا، 100 مليون جنيه ميزانية للفيلم كافية للعبور على أول مانع لتقديم الفيلم.
تمكن المخرج شريف عرفة الذي أخرج وكتب سيناريو الفيلم بالمشاركة مع الشاعر أمير طعيمة في أولى تجاربه في الكتابة للسينما، من خلال تركيبة الشخصيات التي قدم الفيلم من خلالها عدة رسائل سياسية/اجتماعية، فلأول مرة في الأفلام التي تناولت الحرب نجد تمثيلا لكل مكونات المجتمع المصري، من القاهري، للصعيدي، لذي الأصول الريفية، للنوبي وأخيرا البدوي، الذي كثيرا ما تعرض للظلم لدرجة وصمه في بعض الأحيان بالخيانة، كل مكونات المجتمع المصري التي اكتوت بنيران الهزيمة.
الخط الدرامي الصاعد للفيلم لم يشهد أية قطع أو ارتداد للماضي، باستثناء عدة مشاهد تسجيلية دعم بها المخرج محاولات إشعار المشاهد بمعايشته الأحداث في وقتها الحقيقي، وكما استعرض المخرج الحالة النفسية السيئة للمصريين بعد الهزيمة، أظهر كيف أن هذه الحالة لم تدم طويلا وتحولت إلى رغبة محمومة في الانتقام واستعادة الأرض، وهو ما شاهدناه في موقف محمد الشرنوبي الذي قرر ترك حبيبته لعدم معرفته متى وكيف ستنتهي الحرب، فالحقيقة أنه في مثل هذه الأوقات لا حب يعلو على حب الوطن.
ولم يكن مشهد الشرنوبي وخطيبته، أو مشهد "القائد نور" أحمد عز وزوجته هند صبري، آخر عهدنا بالرومانسية في الفيلم، لكن ظهرت الرومانسية بشكل آخر خلال المعركة والتحضير لها بين "هلال" الجندي القناص الصعيدي الذي يقوم به الفنان محمد فراج، وبين "فرحة" البدوية التي تقع في حبه وتقدمها أسماء أبو اليزيد.
أمسك شريف عرفة بخطوط السرد التي توزعت بين شخصيات الفيلم، وحركها بحرفية شديدة، وتنقل بين الخط الشخصي لكل منها وبين الخط العام ودوره في المعركة، انتقالا ناعما أدخل المشاهد في تفاصيل الشخصيات بشكل تدريجي أفاد الدراما، حتى لو كان الثمن طول مدة الفيلم.
تقديم فيلم حربي لا يعني أن نشاهد معارك وتفجيرات وقتلا وانتقاما فقط، فرغم أن هذه المشاهد تم تقديمها على مدار الفيلم بشكل جيد، فإن الأقوى منها في إيصال صعوبة الحرب وقسوتها على كل الأطراف، تقديم نفسيات الشخصيات التي عاشت هذه الحرب، حتى لو لم تكن شخصيات عسكرية مثل شخصية "المصور الصحفي" المصاحب للعملية الذي قدمها أحمد رزق، الذي شكل ثنائي كوميدي مع الجندي "إسماعيل عامر" الذي قدمه الفنان محمود حافظ.
أداء الفنان إياد نصار، ضابط الجيش الإسرائيلي كان رائعا، قدم الدور بشكل غير تقليدي، وشاهدنا شخصية الإسرائيلي بشكل مختلف عن الشكل النمطي الذي تتمسك به الأعمال الفنية العربية كلها، ودخل في مباراة تمثيلية قوية مع أحمد عز قادها شريف عرفة بحرفية عالية.
كما تفوق الفنان أحمد فلوكس في تقديم شخصية الأسير المصري الذي يدخل في جدل مع الجندي الإسرائيلي "إياد نصار"، والذي لم يفقد إيمانه بمعركته وقوته وقناعاته، وثقته في النصر واستعادة الأرض، رغم موقفه الذي لا يحسد عليه.
فيلم "الممر" بداية ... أتمنى ألا يكون نهاية، مهما حقق من نجاح، فهناك مشوار طويل على الفن أن يواصل المسير به، فإذا كان "الممر" قدم قصة من بطولات حرب الاستنزاف، فإن هذه الحرب الذي استمرت ست سنوات، شهدت آلافا من البطولات، ناهيك عن بطولات أكتوبر، التي تنتظر أن تشاهدها وتتعلم منها الأجيال الجديدة.
اقرأ أيضا:
كريم محمود عبد العزيز ... ابن "الساحر" الذي أصبح "حراق"
لماذا أفضل مشاهدة "سوبر ميرو" على "رامز في الشلال" ... 5 أسباب