انطلقت عروض مسرحية "الزعيم" بطولة الفنان عادل إمام في عام 1994، ليتحول هذا اللقب من مجرد اسم مسرحية إلى اللقب الرسمي لعادل إمام منذ ذلك الوقت، وحتى الآن.
لكن خلال ربع القرن هذا بالتأكيد لم يستمر مستوى الفنان الكبير بنفس القوة، ومر بكثير من التغيرات، ومر المشاهدين أيضًا بتغير في نوعية أفلامهم المفضلة وطبيعة مشاهداتهم، كما ظهر العديد من المنافسين له في منطقة الكوميديا تحديدًا، ملعبه المفضل.
فهل استمر الزعيم محافظًا على لقبه طوال هذه المدة؟
لماذا توج عادل إمام زعيمًا؟
قبل أن ندخل في المرحلة الأخيرة من أعمال عادل إمام، يجب أن نمر سريعًا عند المرحلة التي سبقت مباشرة حصوله على اللقب، فالأمر يتعدى اسم المسرحية بالتأكيد.
نجح عادل إمام في الخروج من مرحلة الثمانينيات بأفضل رصيد ممكن، وصنع مجموعة من الأفلام الجيدة والتي يصعب الخلاف عليها. لم يكن نجاحه مرتبطًا بالكوميديا فقط، بل ربما كان لانتقاله من وإلى الكوميديا دور في حصوله على شريحة أكبر من الجماهيرية.
انتقل خلال هذه العقد بسلاسة بين المأساة في "حب في الزنزانة" إلى الكوميديا الصرفة في ”واحدة بواحدة“ الشهير بفيلم الفنكوش، ومن الفيلم السياسي الكوميدي ”الأفوكاتو“ إلى الفيلم السياسي الجاد ”الغول“، ومن الرومانسي ”خلي بالك من عقلك“ إلى الأكشن ”النمر والأنثى“، وبالطبع لا يمكن أن نفوت هذه المرحلة دون ذكر أحد أهم أفلامه ”الحريف“، هذا الذي ربما لم يتمتع بالجماهيرية المعتادة لأفلام عادل إمام وقت عرضه لكنه لاحقًا أعيد له اعتباره ليعد واحدًا من أفضل أفلام عادل إمام.
كان يزداد نجومية ويوسع شريحة جمهوره بشكل يمكن أن نقول إنه نادر، نادر بالنظر إلى غزارة الأعمال، إذ عرض له 32 فيلمًا بين عامي 1981 وحتى 1990، ونادر لأن الكثير من هذه الأعمال كان جيدًا في الوقت الذي كانت فيه سينما المقاولات منتشرة.
هكذا دخل إلى التسعينيات ملكًا متوجًا لدى الجمهور، ليبدأ خلالها مرحلة من أنضج ما قدم بتعاونه مع وحيد حامد مؤلفًا وشريف عرفة مخرجًا، ليقدم معهما خمسة أفلام باقية حتى الآن في الذاكرة، إذ قدم هذا الثلاثي المعادلة الصعبة، وهي تقديم فيلم جماهيري ذو محتوى فني شديد التميز، وهو ما قدمه بالفعل بداية من ”اللعب مع الكبار“ عام 1991، وانتهاء بـ"النوم في العسل" عام 1996، أي بعد حصول عادل إمام على لقب الزعيم بعامين.
يمكن أن نقول إن هذه المرحلة هي قمة النضج الفني في اختيارات وأداء عادل إمام، قدم فيها خلاصة خبراته التمثيلية، وخلاصة دقته في الاختيار، وحصد فيها شريحة ضخمة من مبيعات التذاكر، ومن بعدها بدأت الأمور في التغير بسرعة.
الجمهور متقلب المزاج، وقد يعطي لهذا الممثل تاج الأفضل في هذا العام، ثم ينتزعه منه بسهولة في العام التالي مباشرة، والأمثلة كثيرة، فما الذي حدث بعد أن حصل عادل إمام على لقبه؟
محاولة التطور بالعودة إلى الماضي
كان النصف الثاني من التسعينيات شديد الضعف على مستوى السينما، قل عدد الأفلام المُنتجة سنويًا، وغاب عدد من المخرجين المميزين مثل محمد خان وداود عبد السيد، وتراجع مستوى الأفلام حتى عند النجوم الذين اعتادوا تقديم أعمال جيدة مثل أحمد زكي، لنجده يقدم أفلامًا تقليدية مثل "أبو الدهب" و"حسن اللول"، وبالتالي قل الإقبال الجماهيري على قاعات العرض، وبدا في الأفق أنه لا بد من ثورة فنية ما، وجاءت الثورة ممثلة في ”إسماعيلية رايح جاي“ عام 1997.
كان الفيلم مفاجأة حتى لأكثر المتفائلين، وحقق إيرادات وإقبال جماهيري استثنائي، لينطلق منه محمد هنيدي في العام التالي بطلًا مطلقًا في "صعيدي في الجامعة الأمريكية" وتبدأ الحقبة التي عرفت لاحقًا باسم "المضحكين الجدد".
اختل ميزان النجومية تمامًا، فمحمد هنيدي وعلاء ولي الدين، اللذان ظهرا في أدوار صغيرة جدًا في أفلام عادل إمام السابقة أصبحا نجمي المرحلة بينما تراجعت أفلامه هو. لكن المشكلة لم تكن فقط في تصدر هذا الجيل لشباك التذاكر، وكان ذكاء عادل إمام في الاختيار قد خانه في هذه المرحلة.
كانت سنة 1997 بمثابة راحة لإعادة ترتيب الأوراق لكن النتيجة كانت أن عاد عادل إمام لمغازلة جمهوره بأفكار قديمة لم تنجح على الإطلاق في الوقوف أمام جماهيرية الجيل الجديد.
البداية مع "رسالة إلى الوالي" الذي لا نبالغ إن قلنا إنه واحد من أسوأ أفلام عادل إمام في تاريخه، كان الفيلم مغازلة لجمهوره الذي أحبه في أدوار الأكشن والبطولية، لكن ذائقة الجمهور التي اختلفت تمامًا لم تتقبل فكرة الفيلم، لم يقنعهم عادل إمام في دور الفارس المغوار وهو يقترب من عامه الستين.
ثم عاد إلى الكوميديا السياسية بفيلم "الواد محروس بتاع الوزير"، وغازل جمهوره الذي أحب "الإرهاب والكباب" بإشراك الفنان كمال الشناوي ليلعب دور الوزير مرة أخرى، لكن تكفي مقارنة الكوميديا السياسية التي قدمها يوسف معاطي في أي من أفلامه بما قدمه وحيد حامد لمعرفة أسباب فشل هذا الفيلم أيضًا.
ثم جاء "هاللو أمريكا" الذي يعد الجزء الثالث من "بخيت وعديلة"، مرة أخرى يعود لمغازلة جمهوره القديم، ولكن لم تكن سلسلة بخيت وعديلة بالجماهيرية الكاسحة حتى ينتظر المشاهدون جزئها الثالث، ولم يشفع الإنتاج الكبير والتصوير في أمريكا لدى الجمهور، فكانت الرهانات الثلاثة خاطئة، وعلى مشاهد لم يعد هو نفسه، وبدا أن الجمهور سحب لقب الزعيم من عادل إمام، ولهذا كان عليه أن يعيد النظر في أعماله مرة أخرى.
يوسف معاطي الداء والدواء
كان على عادل إمام التغيير حتى يواكب الجمهور الجديد. وهكذا بدأ مع الألفية الجديدة في تقديم نفسه بشكل جديد ومواصفات مختلفة، إذ قرر الاعتماد بشكل أكبر على حضور الشباب داخل أفلامه، أكثر مما قدمه في الأفلام السابقة، كما تنازل للمرة الأولى ليقدم دور الأب الذي لديه أبناء كبار في السن، وهو ما لم يفعله إلا مرة واحدة في فيلم "النوم في العسل"، وهذا التصالح مع سنه وتقديم دراما تعتمد على شخصية الأب ونفسيته إنما نجح في إعادة الجمهور له مرة أخرى.
لكن هل عاد الجمهور إلى عادل إمام متوجًا إياه زعيمًا مرة أخرى؟ في كل أعوام الألفية الجديدة لم ينجح عادل إمام في تحقيق أعلى إيرادات في الموسم الذي تعرض فيه أفلامه، كانت الأفلام ناجحة وجماهيرية لكنه لم يعد الزعيم على مستوى الإيرادات على الأقل.
أغلب الأفلام التي قدمها عادل أفلام في هذه المرحلة كانت من تأليف يوسف معاطي، بواقع 6 أفلام من 9 بين عامي 2002 و2010، وبقدر ما نجح معاطي في وضع عادل إمام في صورة مختلفة أعادت الجمهور إليه، خاصة في فيلمي "التجربة الدنماركية" و"عريس من جهة أمنية"، بتقديمه في صورة الأب وصناعة كوميدية جيدة بالفعل، بقدر ما جعل مستوى الأفلام متوسطًا أو ضعيفًا فيما يخص السيناريو ومعالجة الأفكار التي يطرحها، وخاصة عندما تناول مواضيع شائكة كما في فيلم "حسن ومرقص".
لكن عادل إمام سعيد يفضل التعاون مع معاطي، ولم يجد غضاضة في تراجع مستوى أفلامه الأخيرة، لينتقل معه من السينما إلى التلفزيون بعد غياب 22 عاماً عن المسلسلات منذ تقديمه "دموع في عيون وقحة" عام 1980، ويقدم معه 6 مسلسلات من 2012 وحتى 2017.
كان لعودته إلى التلفزيون زخم كبير بالطبع بعد طول هذا الابتعاد، لكن مسلسلات عادل إمام كان تسير من سيء إلى أسوأ، بسبب تصوير الشخصية التي يقدمها في صورة ذكية بشكل مبالغ فيه، تؤثر في كل من حولها وتسخر منهم كلهم أيضًا. الاستثناء الوحيد كان "صاحب السعادة" الذي عاد فيه لفكرة الأسرة ودور الأب التي نجحت معه في السينما، لنشاهد الأحفاد أيضًا في هذا المسلسل، ويأتي ختام مرحلة يوسف معاطي مع عادل إمام بعمل شديد الضعف هو "عفاريت عدلي علام".
هكذا نجد أن المرحلة التي عمل فيها عادل إمام مع يوسف معاطي، ربما أعادته تدريجيًا إلى مكانة كان قد فقدها في نهاية التسعينيات، لكنها بالتأكيد لم تجعل منه الزعيم مرة أخرى، لا على المستوى الفني ولا على المستوى الجماهيري، ولكن بعيدًا عن الألقاب يبقى عادل إمام حالة فنية استثنائية تستحق التأمل دائمًا.