هذا المقال يحتوي على كشف لبعض أحداث فيلم بما في ذلك النهاية.
في مايو عام 2008 ذهب الجمهور لمشاهدة روبرت داوني جونيور الممثل الذي يظهر ويختفي بسبب مشاكل الإدمان، ذهبوا ليشاهدوه في فيلم جديد لأحد الأبطال الخارقين الذين كانت أفلامهم تظهر الواحد تلو الآخر منذ بداية الألفية الجديدة، ولديها معجبيها بالفعل، والآن هم على موعد لمشاهدة شخصية جديدة للمرة الأولى على الشاشة، شخصية "Iron Man" في الفيلم الذي يحمل نفس الاسم، والذي يعرفه بعض الجمهور من سلاسل القصص المصورة التي حملت اسمه.
هناك طموح لمشاهدة فيلم جيد، وإن لن تكون هناك مشكلة كبيرة إن كان الفيلم مخيبًا للآمال، فهذه الأفلام لم تكن ثابتة المستوى منذ ظهورها. لكن الفيلم كان جيدًا بالفعل وحصد الملايين حول العالم،على الأرجح لم يكن أغلب من شاهدوا الفيلم أن إعجابهم به هو بمثابة إشارة لبدء عالم سينمائي كامل سيستمر معهم عدة سنوات، وهو عالم مارفل السينمائي.
لكن لكل شيء نهاية، وكما انطلق هذا العالم وتوسع من خلال الأفلام التي وصل عددها الآن إلى 22 فيلمًا، فإنه يجب أن يغلق عدة أقواس ويفتح أخرى جديدة حتى يرضي مزاج المشاهدين الذين يتعطشون إلى جديد دائمًا.
وكيف تكون هذه النهاية؟ الإجابة كانت في فيلم Avengers: Endgame (المنتقمون: نهاية اللعبة) من إخراج الأخوين أنتوني وجو روسو.
قدموا القرابين للآلهة
يبدأ النوع السينمائي (Genre) بأفلام قليلة على فترات ليست بعيدة جدًا، فيستقبل الجمهور النوع بشكل جيد ويطلب المزيد، في هذه المرحلة تتحول شركات الإنتاج إلى آلهة يقدم لها الجمهور قرابينه (التذاكر) لتقدم الشركات الأفلام. لكن الجمهور ملول جدًا، بعد حين يبدأ في العزوف عن هذه الأفلام لتنقلب الآية، فيصبح الجمهور هو الإله وتحاول شركات الإنتاج أن ترضيه بقرابينٍ تزداد صعوبة في كل مرة.
بعد أكثر من عشرة أعوام و21 فيلمًا تقرر مارفل أن تقدم قربانًا ضخمًا إرضاءً لجمهورها المخلص، وهنا تكمن المفارقة.
يستطيع أي مشاهد يتحلى بقدر من الموضوعية أن يجد العديد من الثغرات في بناء الفيلم، والتي سنتوقف عندها لاحقًا، لكن بالنسبة للمشاهد/الإله المخلص لمارفل، فالفيلم قربانٌ مقبول يرضي طموحاته وما تاق إليه من هذه السلسلة بعد كل هذه الأعوام.
حتى نغلق الدائرة
كما هي العادة، يضم فيلم الآفنجرز جميع شخصيات مارفل التي ظهرت منفردة في الأفلام سابقًا، بالإضافة لشخصيات أخرى، هذه المرة نحن نتابع النصف الثاني من رحلة النهاية التي بدأت في العام الماضي في فيلم "Avengers: Infinity War" (المنتقمون: حرب الأبدية)، لكن الفيلم الأحدث يختلف عن سابقه في عدة نقاط.
اعتمد "حرب الأبدية" على الكثير من المواجهات مع شخصية ثانوس منذ أول مشاهد الفيلم وحتى نهايتها، بينما يحاول الأبطال الخارقون منع ثانوس من الوصول إلى الأحجار الستة التي ستمكنه من القضاء على نصف الحياة في الكون. هكذا امتلأ الفيلم بالكثير من مشاهد الأكشن التي كان أغلبها ذو طابع مميز، ويختلف الواحد عن الآخر حتى وصلنا إلى المعركة الضخمة في نهاية الفيلم والتي أسفرت عن خسارة الآفنجرز وتمكن ثانوس من تنفيذ مخططه.
في "نهاية اللعبة" يحاول من تبقى من فريق الآفنجرز البحث عن طريقة لإصلاح ما فعله ثانوس، وتكون الطريقة هي السفر إلى الماضي من خلال نظرية الكم، وذلك من أجل الحصول على الأحجار من الماضي واستخدامها في الحاضر لعكس ما فعله ثانوس وإعادة كل من ماتوا للحياة مرة أخرى.
حتى تُغلَق دائرة الأفلام والشخصيات التي بدأت عام 2008، يختار كاتبا الفيلم كريستوفر ماركس وستيفن مكفيلي أن تكون مشاهد العودة إلى الماضي بمثابة إعادة زيارة لمشاهد ومواقف مهمة في تاريخ الشخصيات بطريقة وداعية، مثل العودة لمعركة نيويورك الشهيرة التي كانت في فيلم الآفنجرز الأول.
كانت النتيجة الأولى لهذا هي التضحية بمشاهد الأكشن الثرية التي ميزت الجزء السابق، والاعتماد على عدة مشاهد مغامرة وتشويق، إذ تحاول كل مجموعة من الشخصيات استعادة حجر أو أكثر في مكان وزمان محددين، وهنا أول مظاهر التوديع لهذه المرحلة من سلسلة الآفنجرز.
هذا الابتعاد عن مشاهد القتال، أعطى مساحة جيدة للنظر إلى الشخصيات نفسها بهدوء أكبر، ومتابعة حواراتها ونظرتها هي نفسها لماضيها ومستقبلها. كان التمهيد الأهم هو ما قدمه كتاب السيناريو من خلال التخلص من نصف الشخصيات تقريبًا في نهاية الفيلم السابق حتى يتاح إفراد مساحة أكبر للشخصيات الأقدم في "نهاية اللعبة" لتوديعها.
هكذا لم يكن غريبًا أن يكون توني ستارك (روبرت داوني جونيور) هو الشخصية صاحبة المساحة الأكبر داخل الفيلم، ليس فقط لأنه الظهور الأخير للشخصية، ولكن لأن توني هو من بدأ كل شيء، ولهذا يجب أن ينتهي عنده كل شيء أيضًا بناء على الرحلة التي وضعها كتاب السيناريو وصناع الأفلام.
من المعروف أن عالم مارفل السينمائي تتداخل أفلامه تدريجيًا، وخاصة في سلسلة آفنجرز، ولهذا يحتاج المتابع لهذه السلسلة تحديدًا مراجعة عدة أفلام قبل مشاهدة الفيلم الجديد، قد يبدو هذا معقدًا ومُرهِقًا لكن الكثير من متابعي عالم مارفل أعادوا مشاهدة هذه الأفلام مرارًا وتكرارًا بالفعل، بينما هناك البعض اكتفوا بمشاهدة الفيديوهات المنتشرة عبر يوتيوب والتي تجمع أهم التفاصيل التي يحتاجها المشاهد للفيلم الجديد.
هؤلاء المتابعون المخلصون، الذين صُنع من أجلهم هذا الفيلم كما ذكرنا في البداية، سيجدون العديد من العبارات والإشارات للأفلام السابقة التي شاهدوها، وهنا نلتفت إلى أمرين.
فبعض هذه العبارات ليست في صميم الحبكة، هي موجودة فقط إرضاءً للمخلصين، مثل مشهد بقابلة توني ستارك وأبيه، والذي يدرك مشاهدو الأجزاء السابقة علاقتهما المتوترة. على الجانب الآخر بعض التفاصيل لم يدركها سوى من شاهدوا الأفلام السابقة بتركيز أكبر، مثل تمكن كابتن أمريكا من استخدام مطرقة ثور، وهو ما ظهرت له بوادر -وإن كانت طفيفة- في أفلام سابقة.
لكن هذه التفصيلة الخاصة بالمطرقة مع تفاصيل أخرى كانت بمثابة علامات استفهام وربما عدم رضا عن هذا الفيلم.
التضحيات المقبولة
من أجل ختام مهيب يليق بالسلسلة، أو تحديدًا بهذه المرحلة من السلسلة، كان يجب أن تكون هناك تضحية بشرية، مشاهد موت الشخصيات الرئيسية تبقى طويلًا في الذاكرة وتترك علامة في نفس المشاهد، وإن كانت لا تكفي لينجح الفيلم بالتأكيد، ولنا أسوة في موت ماري جين في فيلم The Amazing Spider-Man 2.
هكذا ضحى الفيلم أولًا ببلاك ويدو (سكارليت جوهانسن) في مشهد مميز إخراجيًا وأثار التوتر والارتباك حتى نهايته، ثم الحزن بعد نهايته.
لكن تضحية واحدة لا تكفي هذه المرة، لا بد من واحدة أخرى، أكبر أهم، وتأتي مع لحظات النهاية لجعلها مهيبة أكثر.
هكذا، واستكمالًا لفكرة الدائرة التي يجب أن تنغلق، كانت التضحية يجب أن تتم بتوني ستارك، ويجب أن يحصل على لحظة وداع تليق بالشخصية المتأصلة في نفوس عشاق الأفلام، وقد كانت المعركة الختامية من اللحظات المشحونة والتي جمعت مشاهد الأكشن التي غابت عن الفيلم منذ نهايته، وجمعت في الآن ذاته كل الأبطال ليودعوا آيرون مان.
هذه تضحية تليق بالجمهور، هذا ختام يليق بتوني ستارك.
التضحيات غير المقبولة
كان الفيلم السابق مُحكمًا في تفاصيله إلى حد كبير، رغم كثرة الخطوط التي نتابعها، لكن عملية البحث عن الأحجار ولحظات التصاعد الدرامي كانت مكتوبة بشكل انسيابي ودقيق، فلا يشعر المشاهد في لحظة ما بوجود مشكلة في الانتقال بين الخطوط، أو في تلاقيها عند النهاية.
لم يكن الأمر بنفس الدقة في هذا الفيلم، تحديدًا في فكرة العودة بالزمن التي أربكت الكثيرين ولم يُمهد لها بشكل جيد بل من خلال حوار سريع بين الشخصيات رغم وجود مدة كبيرة من الفيلم قبلها كان يمكن استغلالها بشكل أفضل في هذه التفصيلة المحورية للفيلم.
على كلٍ وضع الفيلم قاعدته الخاصة الأهم، وهي أن ما سيحدث في الماضي لا يؤثر على الحاضر، وأن ما سيحتاجونه من الماضي هو جلب الأحجار لإعادة استخدامها في الحاضر، وهذا الشكل من السفر عبر الزمن يختلف تمامًا عما عهدناه في الأفلام الأخرى، وإن كان مقبولًا لحين ظهور مشاهد النهاية.
لكن، ومن أجل إنهاء شخصية كابتن أمريكا أيضًا، كانت فكرة العودة بالزمن مرة أخيرة لإعادة الأحجار والتي كانت مربكة جدًا وطرحت الكثير من الأسئلة التي ليس لها إجابة، أبسطها كيف سيتمكن كابتن أمريكا وحده من إعادة كل هذه الأحجار والتي يتخذ كل منها شكلًا وطبيعة تختلف عن الآخر.
من التضحيات الأخرى غير مقبولة، هي محاولة صناع الفيلم مغازلة الصوابية السياسية (Political Correctness) في عدة مشاهد، أكثرها مباشرة هو مشهد اجتماع الشخصيات النسائية معًا في لقطة واحدة لم يكن لها أي داعٍ أو تأثير، فالأفلام بها الكثير من البطلات بالفعل، وقد قدمت إحداهن مشهدًا مهمًا في منتصف الفيلم، وبالتالي لم تكن هناك فائدة من هذا المشهد.
ويمكن أن نستمر في إيجاد المزيد من التضحيات التي جاءت في غير محلها، لكن كيف كانت المحصلة في النهاية؟ رغم بعض نقاط الضعف التي ذكرناها يبقى الفيلم بمثابة وداع مميز لهذه المرحلة من أفلام الأبطال الخارقين، وأفلام عالم مارفل السينمائي تحديدًا.
لكن إلى أي حين سيرضى الجمهور بهذا القربان؟ ومتى يطلبون قربانًا جديدًا؟ لا أحد يعلم.
اقرأ أيضًا:
افتتاحية تاريخية لـAvengers: Endgame تكسر حاجز المليار.. يدفع "كابتن مارفل" إلى الأمام