لا أعرف إذا كنت بمفردي أم أن هناك آخرون استمعوا لخطبة الجمعة الماضية، حيث ركز خطيب المسجد القريب من منزلي، على استهلال خطبته " بالتهنئة بحلول شهررمضان المبارك، والذي تبدأ أولي أيامه فلكيا الإثنين المقبل"، وبعدها فتح الخطيب المفوه النار على النجوم والفنانين ومسلسلات رمضان، وكأن لسان حاله يقول للمصلين لا تقربوا المسلسلات في شهررمضان المبارك، وكأنها والعياذ بالله رجس من عمل الشيطان، وبدا لي أنه يصور الفنانين والنجوم على أنهم شياطين رمضان وإذا كانت الشياطين تسلسلل في رمضان فمن باب أولي أن نقاطع الفنانين متسائلا كيف يكون هؤلاء هم القدوة والعياذ بالله .
للحظات لم أصدق أذني، وجلست بعض من الوقت في محاولة لاستيعاب الأمر، خصوصا وأن تلك الخطبة تحمل جملا تحريضية، ولا أعرف إذا كان هذا الخطيب يجتهد اجتهادا شخصيا أم أن الأمر بات أكبر من ذلك؟
وأخذت بيني وبين نفسي أردد عبارة " احنا مش كدا، الشعب المصري عاشق للفن والفنون، منذ أن نحتها الفراعنة على جدران المعابد، وحتي الآن وفي أعتي موجات التطرف والإرهاب لم تتوقف فئات المجتمع عن الإستماع للموسيقي، والذهاب إلى المسارح ودور العرض، ولم يصمت الفنانون عما يحدث في المجتمع أو ينفصلوا عنه، بعضهم ساهم في تقديم الكثير من الأعمال التي تحرض على التفكير، وتعالج القضايا الحياتية، ومنهم من حمل راية التنوير بالكلمة أو بالصورة أو بالأداء المتميز والإخراج المحكم".
المصري هو من يسهر الخميس وسط أصدقائه وزملائه يغنون يرقصون في الأفراح أو حتى في مجالسهم وسهراتهم، ويستيقظون مبكرا في صباح الجمعة استعدادا للصلاة.
ورغم محاولتي التقليل من هذا الخطاب وتلك اللهجة المحرضة، ولكنني في نفس اللحظة شعرت بحزن عميق لما يحدث من حولنا، خصوصنا وإنني لا أفهم السر وراء محاولة التقليل من شأن الفن أو الفنانين بل أن الأمر يصل في بعض الأحيان إلى محاولة تحقيرهم بشتي الطرق، ولا أفهم لماذا يأخذ خطيب أي مسجد وقتا من خطبته ليخاطب المصلين في محاولة لإهانة فئة من فئات المجتمع، بشر يمارسون مهنتهم ويبحثون عن لقمة عيش، ويعملون على إسعادنا، ليس ذلك فقط فالفن هو تأريخ لمجتمعات وذاكرة حية، رواده هم من قادوا التنوير في مجتمعاتنا.
والمفارقة انه لا يوجد تناقض وطوال عمرنا في شهررمضان نصوم ونصلي ونتابع دراما رمضان، وغيرها من المواد الترفيهية المعروضة، من منا لم يكن يشاهد فوازير رمضان، أو المسلسلات التي كانت تنتج خصيصا لتعرض في هذاالشهر، وهي العادة التي لم تنقطع لسنوات طويلة.
هل يرغب البعض في أن يعود الزمن إلى الوراء عندما كان العمل بالفن محط إزدراء المجتمع، عندما كان الفنان غير مأخوذ بشهادته في المحاكم لا أعرف حقا ما الذي يريده مولانا ؟، وليكتفي مولانا في التحدث في أمور الدين وحث الناس على السلوك الإنسانى وليترك شئون الفن للفنانين، والمشاهدين هم فقط أصحاب الحق في التعاطي مع الأعمال الفنية من عدمه، بعيدا عن تحقير أو التقليل من شأن الفن والفنانين، ويكفي ما يمرون به من ظروف مربكة ورؤية ضبابية لحال الفن في مصر.
اقرأ أيضا
لعبة "في الفن" - أختر معركتك المفضلة في المسلسل الملحمي Game of Thrones