من الألعاب التراثية في كازاخستان ومعاناة الفقراء في الهند إلى وحدة الإنسان في إسبانيا ومعاناته على الأرض في اليونان... هكذا تنقلت أفكار الأفلام الروائية القصيرة المشاركة في الدورة الـ21 لمهرجان الإسماعيلية السينمائي الدولي.
فقد عرضت 9 أفلام روائية قصيرة في اليوم الثاني للعروض بالمهرجان، وأقيمت عقبها مناقشات مع عدد من صناع الأفلام، نتناول أهم تفاصيلها في السطور التالية:
بدأت عروض المجموعة الأولى مع الفيلم الكازاخستاني The Heritage، الذي يركز على لعبة تراثية تسمى "كوك بورو" يقوم خلالها الفرسان بصيد الذئاب التي تلتهم الخراف. ربما كانت هذه هي الفكرة باختصار لكن ما شاهدناه على الشاشة لم يكن كافيا لفهم هذه اللعبة، حيث تم التركيز على طريقة الصيد دون توضيح أي شيء آخر، دون أي تنويه مسبق أو استيعاب سبب استمتاع بعض الرجال بتعذيب حيوان. لذا عندما أوضح المخرج إليجز سيرنيز تورسونبيكولو مقصده، فوجئ كثيرون بأن الأمر متعلق بعادة غريبة تتوارثها الأجيال.
ومن الفلبين، عرض فيلم A Country In Moving Pictures الذي صور كاملا بكاميرا هاتف محمول ليستعرض بأسلوب مباشر للغاية بعض المشاكل الخطيرة في البلد التي يأتي على رأسها تمتع رجال الشرطة بسلطة قتل أي شخص يشتبه في تعاطيه أو متاجرته في المخدرات دون أي محاكمة أو رقابة. يقرر المخرج أرنمار ريبيتا أن تتستر فكرة فيلمه الأساسية وراء مكالمة هاتفية بين شابة فلبينية فقيرة ورجل أجنبي تغويه حتى يرسل لها المزيد من الأموال، وتقنعه بزيارتها محاولة الترويج لجمال بلدها ومزاياها. يركز ريبيتا على التناقض بين ما تقوله الفتاة وما نراه على أرض الواقع في الحي الشعبي الذي يضطر ساكنوه إلى اقتراف أخطاء لتأمين قوت يومهم، مسلوبين من أبسط حقوقهم أمام أصحاب السلطة.
أزمة الفقر والقمع تستمر مع الفيلم الهندي Sohna, A Flying Kid لكنها تتخذ شكلا مختلفا مع التركيز على الفروق بين الطبقات، والنظرة الدونية التي يتم التعامل بها مع البسطاء. يتتبع المخرج كريشان كومار قصة طفل قروي فقير ينتمى إلى الطبقة الأقل دخلا في المجتمع، لكنه يطمح في الحصول على أبسط الأشياء؛ فقط حذاء يمكنه من التحرك بحرية بدلا من شبشبه البالي الممزق. هذه الأمنية تقف أمام تحقيقها عدة عقبات، لكن حتى حين تتحقق يحرم الطفل من الاستمتاع بها بفعل الطبقة الأعلى شأنا. يركز كومار على قسوة التقسيم الطبقي في الهند، الذي يقمع الفقراء ويحول بينهم وبين التقدم والتطوير. ربما تكون الفكرة نفسها تقليدية ومكررة شاهدنها في الكثير من الأفلام الهندية التي تحاول الكشف عن الوجه الحقيقي للمجتمع، لكن ما يميز الفيلم أداء الطفل الصغير المؤثر.
يؤكد المخرج أن نهاية فيلمه تحمل أملا في التحرر من سطوة النظام الطبقي، لكن بالرغم من هروب الطفل في النهاية من عائلته إلى أن مصيره في المدينة مجهول، وعادة ينتهي به الحال غير متعلم وفقير يعمل في مهن محددة، غير قادر على تحقيق أحلامه.
آخر أفلام المجموعة الأولى كان الفيلم اللبناني "بالبيك آب"، الذي كان مشروع تخرج المخرجة ليال عقيقي في الجامعة. تدور الأحداث في يوم واحد حول فتاة شابة تعمل في فريق الإنتاج لأحد الإعلانات، ويصبح عليها إنجاز مهام لصديقها المنشغل بعمل آخر، في الوقت الذي تستعد فيه لكتابة سيناريو لإحدى المسابقات المهمة. وسط كل هذه الضغوط تلتقي بسائق شاحنة "بيك آب" يساعدها على تقليل التوتر، ويقدم لها الدعم الذي تحتاج إليه. تتمكن المخرجة بأسلوب بسيط للغاية ومشوق من التأكيد على فكرة أن المساندة التي قد يحتاجها الإنسان قد لا تأتي سوى من الأشخاص الذين لا يعرفونه، الذين قد يقابلهم صدفة خلال حربه اليومية مع الحياة. تقول ليال عقيقي عن فيلمها: "أوقات الشخص الذي يساعدنا، هو الذي لا نتوقع أو ننتظر منه ذلك".
أما أول أفلام المجموعة الثانية، كان الفيلم الإيراني Slaughter للمخرجين أكو زاندكريمي وسامان حسينبور، الذي لا يبتعد كثيرا عن موضوع الفقر لكنه يقدمه بأسلوب أكثر شاعرية، حيث يتناول قصة عائلة تضطر لبيع بقرتها الوحيدة حتى تتمكن من النجاة من الشتاء القارس، لكن الابن غير راض عن الأمر، فيقرر أن يترك البقرة لتهرب.
ومن بولندا، يأني الفيلم البولندي المميز Reflection لإيمليا زيلونكا الذي يزيح الطبقات عن حكايته بروية، كاشفا عن علاقة معقدة ومربكة بين أم وابنتها. حيث يركز على رحلة تقرر فيها الأم اصطحاب الفتاة لزيارة أبيها أثناء عطلته، لكن خلال ذلك يتضح مدى تأزم علاقتهما بسبب مشكلة اضطراب الأكل التي تعاني منها الأم وينعكس تأثيرها على الابنة حتى تصبح مريضة هي الأخرى، ومن الضروري الفصل بينهما. كل هذا نعرفه دون حوار مقحم أو جملة شارحة لطبيعة المرض، وإنما بالاعتماد على الصورة التي تعبر عن حرمان من الطعام ومن الحياة الطبيعية أيضًا.
وقد كان الفيلم الإسباني Waiting zain للمخرج بيلو جوتيريز مفاجأة العروض، باعتماده على الكوميديا السوداء في توصيل حالة الانعزال والوحدة التي يشعر بها المرء. فبالرغم من الأبعاد الفلسفية للفكرة، فإنها قدمت بطريقة ساخرة عن طريق التركيز على مغن بائس يصعد على المسرح كل ليلة ليرفه عن مجموعة من العجائز، وحينما تأتي له الفرصة للغناء أمام جمهور عادي تكون الفقرة مضحكة وفقيرة المحتوى. وليزيد من بؤسه، يظل كل ليلة يسمع الفقرة التي غناها، إمعانا في التأكيد على الحزن واليأس من كل شيء.
ويأتي من مقدونيا فيلم Decision الذي يقدم فكرة متوقعة بعض الشيء تفتقد إلى الإثارة، حيث يخطط شاب لسرقة سيدة عجوز تقيم في نفس البناية التي يقيم فيها، ويقنع أحد اللصوص بسرقتها. يذهب الأخير للاستيلاء على الأشياء الثمينة في الشقة، لكن حينما تتعب العجوز وتسقط فاقدة للوعي، يقرر أن يطلب لها الإسعاف ويرفض السرقة. يبدو موضوع فيلم المخرج أجيم عبد الله مكررا لا يقدم معالجة جديدة بالرغم من تناوله في العديد من الأفلام القصيرة.
أخيرا، عرض فيلم Crisis للمخرجة اليونانية فيفيان باباجورجيو، المأخوذ عن الكوميديا الإلهية لدانتي. حيث يعتمد على أسلوب شاعري في عرض معاناة الأرواح على الأرض وفي الحياة الأخرى، من خلال التركيز على التماثيل اليونانية والإغريقية.
اقرأ أيضا
الإسماعيلية السينمائي 21- "تأتون من بعيد".. حكاية مسكوت عنها وهدية من ريم بنا
الإسماعيلية السينمائي الدولي يفتتح دورته الـ21 بنوستالجيا سمير صبري.. وعد لطلاب معهد سينما