ماذا سيفعل يورجوس لانثيموس بحكايات التاريخ الإنجليزي؟ سؤال ورد على أذهان متابعي مسيرة المخرج اليوناني المعروف بميله إلى الأفكار العبثية الجامحة التي تعصف دوما بكل ما هو ثابت في حياتنا، معتمدة على ثنائية السلطة والحب. وعلى الرغم من أن فيلم The Favourite يعتبر تقليديا من حيث فكرته، فإنه يسير على خطى أفلام لانثيموس السابقة.
في الفيلم الجديد الذي لم يشارك في كتابته المخرج اليوناني، على غير العادة، نعود إلى الماضي وبالتحديد القرن الـ18، حيث ثلاثة سيدات يعشن في حرب داخل أروقة القصر، بينما هناك صراع في أوروبا على الخلافة الإسبانية. فالملكة آن (أوليفيا كولمان) غارقة في معاناة نفسية وجسدية، لا تجيد التصرف في أي شيء دون مساعدة صديقة طفولتها ومستشارتها ليدي سارة (رايتشل فايز)، التي تفرض سيطرتها على مقاليد الحكم مستغلة حب الملكة لها وعلاقتهما التي تصل حد الجماع في الفراش. يتبدل الحال، مع قدوم الخادمة أبيجل (إيما ستون)، التي تستخدم كل أسلحتها لتشغل مكان قريبتها سارة حتى تنجح في النهاية.
ثنائية السلطة والحب
تأثير السلطة على حياة البشر، قضية حاضرة في أفلام لانثيموس، يطرحها بأشكال مختلفة، ويربطها دوما بالحب. ففي Dogtooth يركز على مفهوم السلطة الأبوية التي تحرم الأبناء من حريتهم وتجعلهم في حالة عزلة عن العالم الخارجي، بدافع الحب. تتخذ السلطة شكلا آخر في فيلم The Lobster، حيث النظام يجبر المواطن على البحث عن حبيب/شريك للعيش معه، وإذا لم يتمكن من ذلك خلال 45 يومًا يتحول لحيوان يختاره بنفسه، وعلى الجانب الآخر جماعة تناهض النظام وتجرم الحب. وفي فيلم The Killing of a Sacred Deer، تتمثل السلطة في مراهق يتحكم في مصير أسرة بسبب خطأ الأب. ثم تنتقل من يده إلى يد الأب المجبر على اختيار فرد من أفراد أسرته لقتله، فيحاول الجميع إظهار حبهم له تجنبا للمصير المأسوي.
في The Favourite يتحول الأمر كله إلى صراع على السلطة والحب بين سارة وأبيجل. فالأولى تظهر واثقة في نفسها، تتحكم في تصرفات الملكة وتقسو عليها وتنتقدها في بعض الأحيان، إلى جانب أنها عقلانية لا تتساهل في التعبير عن مشاعرها. تستغل الثانية فكرة افتقاد الملكة للعطف، فتبالغ في إظهار محبتها وتمتدح هيئتها وتدللها، وبالتالي ترتفع أسهمها في المملكة. آن أيضًا ليست غبية، تعلم أن السيدتين تتنافسان على محبتها، فتتأرجح مشاعرها بينهما.
يفتتح الفيلم بمشهد تطلب فيه الملكة من سارة أن ترحب بأرانبها، التي تعتبرهم بمثابة أطفالها السبعة عشر الذين فقدتهم، لكن سارة ترفض قائلة: "الحب لديه حدود"، وترد الملكة "لا ينبغي أن يكون كذلك". يطرح الفيلم سؤالا حول ماهية الحب، فبالرغم من حدة سارة وتهديدها للملكة بفضح علاقتهما فإنها تحبها بصدق، أما أبيجل لا تكترث سوى بالوصول إلى السلطة والنفوذ والتحرر من تحكم الآخرين بها. لذلك، عندما تتبدل الأماكن، وتصبح أبيجل الأقرب، يكون الأمر أشبه بفكرة الأرانب والأطفال بالنسبة للملكة، فهي مجرد صورة تحل محل النسخة الأصلية، غير قادرة على تعويضها عما فقدته حقا.
عالم عبثي
كان أمام لانثيموس خيارين عند تقديم قصة حب البلاط الملكي، أولهما أن يصنع فيلما ينتمى إلى نوعية دراما الأزياء أو أفلام الحقب الزمنية التي تضفي هالة على حكايات التاريخ، أو يتمسك بأسلوبه اللاذع العبثي ليسخر ممن في أيديهم السلطة. وقد مال للاختيار الثاني، مقدما صورة تؤكد على عزلة القصر عما يحدث في العالم الحقيقي.
فقد استخدم الكثير من تفاصيل فن الباروك الذي ساد في هذه الحقبة الزمنية، على مستوى الديكورات والموسيقى. لكن اختار أن يجعل صورته تسخر من كل شيء في هذا القصر، وتشوه معالمه وتظهره على اعتبار أنه مكان موحش لا يمكن العيش بداخله. فجاءت حفلات النبلاء داخل القصر ومسابقاتهم الهزلية، معبرة عن سطحيتهم وخواء عقولهم في وقت الحرب.
مثلث التمثيل
عادة ما يلاحظ أن أداء الممثلين في أفلام لانثيموس يميل إلى التحفظ، ويخلو من تعبيرات الوجه المؤثرة. وقد ذكر في أكثر من حوار أنه يفضل التعامل مع ممثلين شاهدوا أفلامه من قبل، حتى تكون المهمة أسهل عليه. يغير المخرج هذه القاعدة في فيلمه الأخير، ويترك الممثلات الثلاث يعبرن بطرق تتماشي مع طبيعة الشخصيات. والنتيجة، منافسة على ثلاث جوائز أوسكار في فئات التمثيل، من بين عشرة ترشيحات نالها الفيلم.
قدمت أوليفيا كولمان، المرشحة لجائزة أفضل ممثلة، أداءً مميزا لملكة تعيسة ، فتراها تارة ضائعة تبحث عن حب يداوي جراح القلب والجسد، وتارة أخرى امرأة قوية تستخدم سلطاتها لتفعل ما يحلو لها. تتنقل بين الهدوء والغضب قادرة على ضبط انفعالاتها، دون أي مبالغة. الحال نفسه ينطبق على رايتشل فايس، التي تنافس إيما ستون على جائزة أفضل ممثلة مساعدة. فايس تجسد دور سيدة طموحة وقوية لم تسمح لجنسها أن يمنعها من العمل بالسياسة، فتستغل مكانتها عند الملكة لتصبح هي الحاكم الفعلي للبلاد. وتحاول بمكر استعادة أهميتها، وعندما تخفق في ذلك تأبى التذلل حفاظا على كرامتها. ستون أيضًا تقدم دورا جديدا عليها، تمزج فيه بين البراءة المزيفة والدهاء السام، فتتخطى كافة الحواجز حتى تصل لما تطمح إليه معتقدة أنها ستنال استقلالها.
تكمن القوة الحقيقية لفيلم The Favourite في قدرته على نيل إعجاب محبي أفلام لانثيموس، إلى جانب الوصول إلى قطاع أوسع من الجمهور لم يحب الأجواء الغرائبية في السابق. فقد صنع المخرج اليوناني فيلما ممتعا متحررا من ثقل الجانب التاريخي، ليجذبك إلى متابعته على مدار ساعتين دون ملل.
اقرأ أيضًا:
11 فيلما عن أحداث وشخصيات حقيقية في أوسكار 2019.. تعرف عليها
10 أرقام في أوسكار 2019.. تكلفة الحفل وسعر إطلالات النجوم