القصص التي تستحق المعالجات المستمرة هي التي يتغير ارتباطها بالواقع مع تغير العصر. والصعوبات التي تواجه الفنانين الصاعدين في مسيرتهم، والتسهيلات التي توسع الطريق لهم تختلف الآن عما كانت في الثلاثينيات، والخمسينيات، والسبعينيات، ويظل التشابه الوحيد هو أنها تستمر في الوجود.
تدور النسخة الرابعة من الفيلم الغنائي A Star Is Born حول مغني روك شهير يدعى "جاكسون ماين" (برادلي كوبر) يقابل بـ"آلي" (ليدي جاجا)، مغنية موهوبة ودون ثقة في موهبتها، ويقع في حبها ويساعدها على إيجاد النجاح والنجومية. وبينما تصعد هي بمسيرتها، تنحدر مسيرته بعد إدمانه للمخدرات.
يجد الثنائي تواصلًا فوريًا بينهما من أول مقابلة، حتى أن "آلي" تلاحظ الصعوبة في تعامل "جاك" مع الناس كفنان مشهور. وعن طريق الحوار البسيط الذي يدور بين الاثنين، نصل إلى أن بطلتنا حاولت الصعود كمغنية ولكن مظهرها الخارجي – وبالتحديد أنفها الكبيرة – وقف في طريق حلمها. وهذا جعل الموسيقى مجرد طريق لهروبها من الواقع، ولم تعد واثقة في موهبتها. ونستنتج أيضًا أن بطلنا، على عكس أبطال النسخ السابقة، لديه قصة خلفية. فهو أصيب بطنين الأذن من صغره، ولكن ذلك لم يوقفه عن الغناء، وهذه قصة يستخدمها ليقنع "آلي" أن كل ما يهم هو أن يكون لديها شيء لتقوله للعالم وطريقتها في التعبير عنه.
في أول عمل من إخراج كوبر، يعيد صنع قصة معتادة للمرة الرابعة بطريقة تظهرها وكأنها تصنع لأول مرة، حتى ولو لم يتغير الاسم الأخير للبطل. يطرح كوبر السؤال: هل النجومية تستحق التخلي عن الإبداع؟ أو بوضوح أكثر، هل يجب على الفنان أن يختار الفن الأكثر شعبية أم يجب أن يعتمد على ما بداخله من إبداع؟
إنه ليس عام 1937 أو 1954، أو 1976 بل هو 2018، وهذا يعني أن بطلتنا، مثل أي فنانة صاعدة، تصعد إلى النجومية بمساعدة فيديو متداول عبر الانترنت، تغني فيه مع حبيبها. ولكن على الرغم من غنائها معه عدة مرات أخرى، فلا بد من أن المقاطع المتداولة على الانترنت ستتضمن غنائها وحدها، وبالتحديد بعد تأديتها أول أغنية مفردة لها بالفيلم – Always Remember Us This Way التي تعبر فيها عن نواياها لحبه حتى إذ تخليا عن مهنتهما الموسيقية. ويتسبب هذا العرض في رغبة المنتج "ريز جافرون" (رافييل بيتشي) في التعاقد معها وتحويلها إلى نجمة بوب.
هل ترفض "آلي" فرصة كهذه؟ لا. فهذا هو ما تعيش من أجله. وعلى الرغم من أنها غير واثقة من نوع الأغاني التي تطلقها في البداية، إلا أنها تتكيف وتجد نفسها بداخله. فنجدها تتحول من تلك الحكاءة الساحرة إلى مغنية سطحية ومؤقتة، مثل أي نجم في 2018، تغني عن مؤخرة شخص ما، في أغنية Why Did You Do That? ذات الكلمات التكرارية التي ستلقبها أسوأ أغنية في الفيلم ومع ذلك تجد نفسك لا تغني غيرها.
لا شك أن أكثر شيء يتفوق فيه كوبر على مخرجي النسخ السابقة، هو طريقة رسمه لسقوط الفنان. فبدلًا مما فعله كل من ويليام ويلمان عام 1937، وجورج كوكر عام 1954، وفرانك بيرسون عام 1976، لا يعتمد برادلي على ما يقوله العامة ليوضح أن المغني لم يعد ذو قيمته. بل هو يجعلك كمشاهد تقرر بنفسك أن "جاكسون" غير مثير للاهتمام، وأن "آلي" أولى بانتباهك. وذلك لأنك ستجدها بصحبة أغنية جديدة في كل عرض غنائي، ومعها الكثير لتقدمه. أما زوجها فهو يغني نفس الأغنية، Maybe It's Time 3 مرات. وتلك الأغنية تتضمن الكلمات "ربما حان الوقت للتخلي عن الطرق القديمة"، ويا ليت صاحب الأغنية استمع إلى نصيحته.
فنجد أن رسم شخصية "جاك" أكثر واقعية من "نورمان" و"نورمان" و"جون" (أبطال النسخ السابقة). فإنه محاط بمشاكل نفسية نستنتجها من قصته الخلفية تتسبب في وقوعه. ماتت أمه أثناء ولادته، وتولى والده السكير تربيته وجعله يشاركه في شرب الخمر في طفولته. وبعد وفاة والده، تولى أخيه "بوبي" تربيته وتظهر بينهما علاقة مضطربة مليئة بالغيرة.
فسبب وقوع برادلي هو إدمانه وإهدار صحته النفسية ومحاولته لتخبئة آلامه ليظل مجسد لشخصية "نجم الروك" الخشن، وليس لمجرد ظهور فنانة أخرى. حتى في مشهد حفل جوائز الجرامي، لا يحاول "جاك" أن يقطع خطاب "آلي" لغيرته منها، ولكنه تحت تأثير شديد للمخدرات.
يعتبر "جاكسون ماين" هو أفضل أداء تمثيلي من بين كل نسخ A Star Is Born التي شاهدناها، وأحد أفضل ما قدمه برادلي على الإطلاق. وعدم تخليه عن نبرة صوته الخشنة الثملة، وصوته الرائع في الغناء، ولغة جسده يجعلونه النجم الذي يولد من جديد، وليس جاجا، وقد يندمك إذا اعتقدت أنه غير قادر على التغلب على أدائه في Silver Lining Playbook.
أما جاجا فإن نقطة القوة في أدائها نجدها في كل مشهد لها على المسرح، وخصوصًا إذا كنت على علم بأدائها على المسرح خارج الفيلم. فجاجا كما نعرفها دائمًا ما تتعامل مع المسرح وكأنه مملكتها، ولكن في أول مشهد تغني فيه "آلي" أمام الجمهور، تتمكن من الظهور في قمة البراءة والسزاجة مع الالتزام بصوتها القوي. لكن نقطة ضعفها فهي في الانفعالات وتعبيرات وجهها المتوسطة. فعندما نتذكر أدائها في American Horror Story،نتوقع شيء أقوى. ولكن لا شك أنه أداء جيد نسبة لأنه أول دور بطولي لها، وأكثر إقناعًا من أداء باربرا سترايسند في نسخة 1976، إلا أنه لا يستحق ترشيح أوسكار أفضل ممثلة في دور رئيسي. ربما احتاجت جاجا إلى دور أكثر تحديًا، ولكن ذهب ذلك النصيب لبرادلي.
يحرص كوبر على أن يكون المشهد ممتع بصريًا مهما كانت الأغنية التي تؤدى على المسرح وذلك بمساعدة تصوير ماثيو ليباتيك. فهو بارع في إدخال المشاهد في حالة الشخص المصور باستخدامه للكاميرا، وذلك ما بان من قدراته على إرسال الشعور المثير في مشاهد العروض الحية بطريقة تأخذنا لما فعله في Black Swan.كما أن تصويره لمشاهد الحفلات من فوق المسرح، وليس من وجهة نظر الجمهور، يعطي للمشاهد فرصلة للاستمتاع بالعرض ورد فعل الجمهور في الوقت ذاته.
بطريقة ما يساعد مونتاج جاي كاسادي على إعطاء جو عام مظلم للفيلم يساعده على جذب المشاعر بسهولة. وفي نفس الوقت يكون المونتاج نقطة ضعف الفيلم وبالتحديد في تسلسل الأحداث من بعد مصير "جاكسون" الكارثي، إذ نجد كمية هائلة من التقطيع المباشر التي تصعب البقاء علي أن تظل أسير للحزن.
ولكن بسهولة تعيدنا جاجا إلى حالة الكآبة بعد أدائها الممتاز والعاطفي لـI'll Never Love Again، الأغنية التي تمثل تحرر "آلي" من قيود النجومية وعودتها إلى فنها.
الفيلم منافس قوي في سباق أوسكار 2019 ومن السهل قول أنه الأكثر جدارة بأفضل ممثل رئيسي لكوبر، وأفضل مكساج صوتي، وأفضل أغنية أصلية عن Shallow.
يتمكن A Star Is Born المرشح لـ8 جوائز أوسكار، من إسقاط الضوء على مشكلة تعاطي المخدرات والأزمات النفسية التي تتعرض للتجاهل وخصوصًا من بين الفنانين الذين يُنظر إليهم وكأنهم بلا حاجة إلى مساعدة، بالإضافة إلى أنه الوقت الأنسب لمناقشة تلك القضية اعتبارًا أن مؤخرًا شهد العالم وقوع أفيتشي، وماك ميلر، وليل بيب ضحايا لها، وكادت ديمي لوفاتو أن تنضم لهم. فدون إجبار، يكون الفيلم أكثر النسخ تأثيرًا وتحريكًا للمشاعر.