لم يتغير شىء، ولن تتغير في ظنى، تفاصيل المشهد تظل كما هي، كل منا سيمضي في طريقة، يكافح أو يناطح بعض الشىء، وهناك من يداهن أو يتلون ويخادع ويتحايل ليعيش ويكسب ويتكسب.. هي الحياة بعيدا عن المزايدات أو الحديث عن حجم الوجع وألم الفراق تفاصيل نعيشها بعد أن نتجاوز صدمة الرحيل المفاجئ والمباغت.
كل من عرف أو إقترب من المخرج أسامة فوزي( ٥٨) عاما والذي رحل عن عالمنا هذا الأسبوع، يعيش حالة من الصدمة الحقيقية، خصوصا وأن رحيل أسامة وضعنا أمام أنفسنا، جعلنا ننظر إلى المرآة بشكل أكثر تأملا بعد أن صار الكثيرون منا يخشون النظر في المرآة بل عادة ما بتنا نشيح بأنظارنا حتى لا نرى كم التحولات التي آكلت أرواحنا من كثرة ما تفعله بنا تناقضات الحياة، لا أنكر أن هناك من يحب حياته كما هي وما وصل اليه هو سقف أحلامه، التي ظل يناطح ويسعي لأجلها، وأن هناك من إضطر للإنحناء أو الإنبطاح التام.. هي أيضا خيارات.
ولكن موهبة أسامة والتي ظلت تضغط عليه وتحاصره جعلته لا يشبه الكثيرون، فالعمر يمضي والحصار المادي والنفسي ينهش الروح ويخرج لسانه للموهبة والتي حاولت بكل الطرق أن تتحصن وتحمي نفسها إلى أن انهارت تماما.
من اقترب من عالم أسامة فوزي الحقيقي، يعرف أنه كان عالما بسيطا لم يرغب في الملايين والقصور أو أن تطارده الكاميرات لأنه الأشهر والأهم، فقط كانت قهوته الاسبرسو المميزة وسيجارته، وقليل من الطعام في مقابل أحلام كبيرة بمشروعات سينمائية لم تتحقق، ومع كل موجة وانكسار كان يلتزم الصمت لفترة، إلى أن يعاود المقاومة من جديد مع حلم آخر ومشروع سينمائى جديد، يعافر لتحقيقه.
10 سنوات كاملة بعد آخر فيلم قدمه "بالألوان الطبيعية" 2009، وهو يجلس في منزله يحاول فهناك أحلام ومشروعات، إلا أنه لم يستطع تحقيقها لأسباب مختلفة منها مثلا التصنيفات بمعنى أن البعض يضعه في فئة مخرجين المهرجانات، ذلك التصنيف الذي اخترعه كل من يعادي السينما المختلفة)، وهو التصنيف الذي تم من خلاله قتل العديد من المواهب الحقيقة، وكأنها تُرجم بسبب اختلافها، أو لأن البعض قرر أن يصفه بالمخرج المتعالي، لم تعد الأسباب تهم لقد رحل صاحب "عفاريت الأسفلت"، و"جنة الشياطين"، و"بحب السينما"، فجأة ليضع منظومة كاملة أمام نفسها وضميرها، إذا كان ولا يزال هناك شيئا منهما وفي ظنى لن يتغير شىء كل سيمضي إلى غايته.
واذا كان رحيل أسامة الصادم والمفجع قد ترك الكثير من التساؤلات إلا أن ما يزيد ألمى الشخصي "عفاف" الشقيقة الصغري والمنتجة التي أُجهضت الكثير من أحلامها أيضا، عفاف وحدها التي كانت تراقب عن كثب تآكل روح شقيقها، التي لم تكف يوما عن دعمه وتقويته، عفاف التي لا تعرف سوى العطاء والإيمان بشقيقيها، كم مرة شاهدت انهياره، كم مرة راقبته وهو يشعر بأن الحلم بات قريبا، وكيف كانت تدعمه عندما يتكسر الحلم أمام طلاسم واقع صار يتجاوز العبث.
قد تكون روح أسامة قد تحررت بالخروج من هذا العالم، وحدها عفاف تعانى الكثير، ويكفيه كل تلك اللحظات المؤلمة، والمشاعر المتناقضة، والتي يقف أي كلام تعزية عاجزا أمامها، هي وكل أحباب مواهب حقيقة صادقة راحوا ضحية الإهمال والتجاهل والإقصاء المتعمد.
اقرأ أيضا
وشوش وحكايات- طارق لطفي .. المحترف
7 ملاحظات على ترشيحات بافتا 2019- احتفاء بـCold War وتجاهل إيميلي بلانت وريجينا كينج!