الحمد لله لست من عشاق متابعة المسلسلات العربية ولا حتى الأجنبية، وعلى ما أذكر كان آخر مسلسل تابعته منذ سنوات طويلة، أيام كانت هناك إمكانية أن أتفرغ في وقت محدد كل يوم لمدة ثلاثين يوما أو ربما أكثر.
أحمد ربنا لأنني لو كنت من هواة متابعة المسلسلات وأحد أولئك الذين يجدونها أفضل فرصة لتضييع الوقت، أو مشاهدة "بلاوي الناس حتى تهون عليه بلوته"، كنت وقتها سأصاب حتما باكتئاب وإحباط شديد، والحمد لله هناك أشياء أخرى كثيرة كفيلة بالقيام بهذا الدور.
فبعد مرور نصف الشهر الكريم على خير، أستطيع أن أقول أن الرقم المهول الذي أذهلنا لمسلسلات هذا العام، لا ينطبق عليه سوى وصف: "العدد في اللمون"، كنت أفضل وأتمنى أن يكون هناك مسلسلان أو حتى مسلسل واحد فقط على مستوى يحترم عقلية المشاهد ويجعله يفكر فعلا في الجلوس أمام الشاشة وتحمل سخافة الإعلانات التي زادت عن حدها.
قديما كانت هناك مسلسلات يختفي المارة من الشوارع أثناء عرضها، ولا أنسى أن أحد معارفي –المبالغين في الارتباط بالمسلسلات- أخذ إجازة من عمله ليتمكن من متابعة مسلسل "عصفور النار"، السؤال هو: كم مسلسل من الأعداد الكبيرة التى تعرض حاليا يستاهل إجازة؟ ولأكون منصفا ولا أظلم "عصفور النار" دعونا نجعل السؤال: كم مسلسل من المعروضين حاليا يستاهل أصلا المشاهدة؟
المتابع لمسلسلات رمضان يمكنه أن يرى ذلك الارتباك في الأعمال الدرامية الذي انعكس في شكل مجموعة أخطاء ساذجة وتافة، لدرجة أن غير المتابع أصبح على علم بتلك الأخطاء عن طريق سخرية المتابعين على المسلسلات التي يهدرون وقتهم وأعصابهم أمامها.
فعندما يسقط مسلسل من المفروض أنه مصنف "مسلسل تاريخي" مثل مسلسل "علي مبارك" في خطأ تريخي لا يمر على تلميذ متوسط المستوى في المرحلة الإعدادية، ويطلق أبطاله على "عباس باشا" لقب "خديو"، في خلط مجخل بين عباس باشا الأول وعباس حلمي الثاني الذي حمل لقب خديو، ولا يلتفت لهذا الخطأ لا المؤلف ولا الممثلين الذين من المفترض أن بينهم من يدعون الثقافة، ويمر على المراجعة التاريخية التي تخضع لها الأعمال التاريخية، فهذا لا يعني سوى أننا أمام مجموعة تعمل بنظام "كبر دماغك ماحدش واخد باله".
دعنا من مسلسل "علي مبارك"، وتعال نتحدث عن مسلسل من أهم ما يعرض على الشاشة منذ رمضان الماضي، وهو "الدالي" الذي يقوم ببطولته الفنان الكبير نور الشريف ويعتمد على ميزانية ضخمة، ومن المفترض أنه ينافس على صدارة الأعمال الرمضانية، فكيف تمر على المخرج والمساعدين والممثلين والممنتجين أن أحدث المسلسل تقع في سبعينيات القرن الماضي، ولا يصح أن تظهر "عجلة الألفية الثانية" في المشاهد التي تم تصويرها في لندن.
فضلا عن تكرار بعض الفنانات لأنفسهن بطريقة مستفزة، خاصة يسرا التي كرست حياتها لمناقشة قضايا المجتمع بطريقة مباشرة تصلح في مقال أو خطبة أو خبر صحفي ولا تليق أبدا بعمل فني، بالإضافة إلى الإصرار على الظهور في سن الثلاثين رغم علمنا جميعا سنها الحقيقي.
أما مسلسل هيما الذي أتابعه فقط بسبب توقيت عرضه الذي يتزامن مع وجودي في البيت قبل الإفطار، فأشعر أنني أقرأ جريدة الدستور، التي كتب فيها مؤلف المسلسل بلال فضل عمودا يوميا لفترة طويلة بعنوان "قلمين"، النقد المباشر والأسلوب الساخر والكوميديديا السوداء تجعلك أمام مسلسل مختوم بختم "الدستور".
حتى مسلسل "قلب ميت" الذي حظى بنسبة مشاهدة عالية وتنبأ له الجميع في بدايات عرضه أن يكون أفضل مسلسل هذا العام، ما هى إلا حلقات قليلة حتى قلبت المسألة بنكد وبكاء وموت ولا أجدع فيلم هندي، وكل هذا لمجرد إعطاء البطل مبررا للانتقام، وهو ما جعل بعض المتابعين للمسلسل يقررون التوقف عن مشاهدته، "الناس مش ناقصة نكد".
هل أكمل وأتابع باقي السلبيات والأخطاء الساذجة التي تمتلئ بها المسلسلات، والمبالغات السخيفة وتقمص أدوار غي مناسبة لا للسن ولا للشخص، أم يكفي ما قلته باعتبار أننا في رمضان وكلامي عن المسلسلات يمكن أن يدخل في باب النميمة التي تفسد صومي؟
اللهم إني صائم...