مشروع غنائي متكامل هذا هو التوصيف الأدق للحالة التي اتبعها المطرب محمود العسيلي خلال عام 2018، فبعد تقديمه لـ4 ألبومات طُرحت على فترات متباعدة أدرك الفنان الشاب أن شكل سوق الأغنية يتغير بشكل كبير وأنه لا مستقبل للـ cd في سوق الكاسيت، الذي بات يعتمد أغلب مطربيه على الأغاني المنفردة أو "السينجل"، وبخطوات ثابتة بدأ العسيلي في تنفيذ مشروعه الذي في رأيي يحتاج إلى قدر كبير من الجرأة والمغامرة، خاصة أن الأمر لم يكن سهلا في البداية، إذ طرح عددا من الأغاني السينجل على مدار عامين أغلبها لاقى قبولا واسعا لدى جمهور الشباب.
مع نهاية 2017، وبداية عام 2018 كان الجمهور على موعد لتجربة العسيلي الجديدة والتي بدأها بـ"خاينة" مع محمود الليثي بشكل خفيف ومرح بعيدا عن الميلودراما رغم ما تحمله الأغنية من كلمات تساعد بشكل كبير على تنفيذها في هذا الاتجاه، إلا أن اللحن الذي وضعه العسيلي أعطى للعمل شكل آخر بجانب روحه التي تواءمت إلى حد كبير مع محمود الليثي.
في فبراير 2018 طرح العسيلي أغنية تختلف تماما عن تلك التي قدمها في رأس السنة، فكانت "هي" التي تميل للشكل الرومانسي وتحمل كلماتها التي كتبها بمشاركة شيكو، دفئا يلاءم برودة الجو في ذلك التوقيت، إلى جانب اللحن الذي جاء مميزا، وتعتبر هذه الأغنية الأولى من بين 3 رومانسية أطلقها العسيلي هذا العام، ثم جاءت الأغنية التالية "في حتة تانية" وبالفعل كانت الأغنية "في حتة تانية" حيث حملت شكلا مختلفا على مستوى اللحن الذي قدمه العسيلي والتوزيع المميز لعلي فتح الله، إلى جانب كلمات الشاعر أمير طعيمة، ونجحت الأغنية في أن تحقق في وقت قصير ما يقرب من 14 مليون مشاهدة.
الأغنية الأخيرة في "الثلاثية الرومانسية" والرابعة في مشروع العسيلي لعام 2018، كانت "حلم بعيد" والتي قدمها نفس فريق الأغنية السابقة كلمات أمير طعيمة، ولحن العسيلي، وتوزيع المميز علي فتح الله، ولا يؤخذ على العسيلي في هذه الأغنية سوى تأكيد وتكرار جملة أن حبيبته "جايه من السما" ففي أغنية "هي" قال العسيلي "هي هديه من السما"، بينما تساءل في "حلم بعيد" قائلا "أنت جايه من الأرض ولا جايه من السما".
ويبدو أن العسيلي بعد الـ3 أغاني الرومانسية اكتسب خبرة كبيرة في عالم النساء فقرر أن ينقل بخفة ظل تجربته للجمهور في "سهلة وبسيطة" والتي جاءت مميزة إلى حد كبير على مستوى الكلمات واللحن والتوزيع الذين شاركوا صوت العسيلي في البهجة التي أضفيت على الأغنية، لكنها للأسف لم تأخذ حقها من الانتشار.
"يا ولاد الذين" رغم ما يبدو أن هذه الأغنية لم تكن ضمن خطة العسيلي خاصة أنها تتبع حملة تسويقية لإحدى خدمات استئجار المركبات، إلا أنها جاءت خارج الصندوق تماما ونجحت في أن تفصل الجمهور قليلا عن فكرة الأغاني الرومانسية، وأظن أن جزءا كبيرا من نجاحها يتمثل في نقلها لطبيعة الشارع المصري والمرور بشكل دقيق نجحت الشاعرة منة عدلي القيعي في توصيفه، وكذلك اختيار المطرب الشعبي عبد الباسط حمودة ليغني أمام العسيلي كان ذكيا إلى درجة كبيرة رغم عدم تشابههما إلا أن هذا التناقض خلق حالة مميزة.
ومن بين الأغاني التي قدمها العسيلي لمنتجات أيضا كان "طلع الحلو وبس" بمشاركة أمير عيد عضو فريق كايروكي، كلمات منة عدلي القيعي، ألحان إيهاب عبد الواحد، وتوزيع أمير هداية.
واتسمت الأغنية بتوزيع مميز، وكلمات معبرة تدعو للتفاؤل والنظر للحياة بشكل مختلف.
وييدو أن القائمين على الحملات الإعلانية التفتوا لصوت العسيلي وتأثيره فكان اختياره لأغنية "أنت تقدر" التي قام بغنائها بمشاركة المطرب محمد عدوية ليحلقا الاثنان في أغنية جاءت مميزة ولفتت الأنظار بشكل كبير لما تحمله من تحفيز على النجاح وتخطي الصعب، لتحقيق النجاح.
وبعيدا عن فكرة العاشق الولهان أو المجروح، قدم العسيلي "بيت جدتي" ليستعيد ذكريات الطفولة والأيام الجميلة عازفا على فكرة "النوستالجيا" أو الحنين الموجود في أعماق كل شخص يريد الهروب من ضغوط الحياة إلى بيت جدته حيث الطفولة واللا مسؤوليات، وهي حالة أشبه بما قدمها المطرب الكبير محمد فؤاد في "ساعات بشتاق" وحققت نجاحا كبيرا ولا تزال، لكن العسيلي حاول من خلال أغنيته أن التركيز على بيت العائلة الذي يعيش فيه الجد والجدة وإصرار أفراد الأسرة على التواجد في هذا البيت كل أسبوع حتى وإن كان أصحابه قد رحلوا عن دنيانا وهو ما أكده العسيلي.
كبار وصغيرين حبينه تاخدنا الدنيا ومش ناسينه
واللي سابونا مش سايبينه طيفهم بينا مالي الأركان
ولم يكتفي العسيلي بذلك بل رصد كل ما مر به هذا المنزل من أحداث مدونة على جدرانه بدءا من "السبوع" احتفالا بمولده مرورا بفترة الأعياد وذكريات كحك العيد انتهاء بأبنائه الذي حرص على أن يربطهم بهذا المكان مثلما ارتبط به، وهو أمر مر به كل فرد من خلال ارتباطه ببيت العائلة وذكرياته معه.
وفي رأيي أن العمل رسالة صدق وحنين للماضي بشكل ملفت بداية من كلمات يمنى العسيلي، ولحن العسيلي، وإحساسه بكل كلمة في الأغنية وتحديدا في مقطع "حب كبير فرحة وخير وإحساس بالأمان"، انتهاء بالرسالة التي كتبها العسيلي في نهاية الكليب، ليكشف عن رغبة في العودة إلى هذه الذكريات الجميلة.
نجحت مخرجة الكليب سارة رافع في إضفاء مزيد من المصداقية إلى العمل من خلال الاستعانة بلقطات أرشيفية لطفولة العسيلي وعائلته في منزل جدته الحقيقي وهو ما زاد من بريق العمل وقيمته الرفيعة.
أغنية بيت جدتي
اختتم العسيلي عام 2018 بأغنية تحمل جرعة كبيرة من النكد حسب ما وصفها بنفسه، وهي "وجع الهوى" والتي جاءت مسك الختام لمشوار استغرق 12 شهرا من العمل الجاد، وتتمثل جودة الأغنية في الحالة التي فرضها والكلمات التي جاءت مباشرة في عدة مقاطع.
حبيتيني وماحبتكيش وحاولت الاقي مفيش
مكان في قلبي ليه يا قلبي ليه مادخلتيش
كنتي الدوا لمرض مش عندي
وكنتي حلم لغيري كبير
وريتيني الجنة وحلاوتها
وشوفت في عينيكي روحي وغلاوتها
وأنا آسف والله ما استهلك
ده أنا قلبي ملك لواحدة أنا حبيتها
وفي رأيي أن المباشرة الصريحة في كلمات الأغنية كانت سببا في نجاح الأغنية وتحقيقها أكثر من مليون ونصف حتى كتابة هذه السطور، وكذلك صدق إحساس العسيلي وكأنه يعيش التجربة وينقلها بصوته.
ما طرحه العسيلي خلال عام 2018 يعد ألبوم غنائي متكامل يضم 9 أغاني قدم من خلاله أشكال موسيقية متنوعة وحالات متباينة، وكان من السهل أن يتخذ العسيلي الطريق المضمون مثل آخرون ويكتفي بطرح ألبوم كامل في توقيت واحد على قناته باليوتيوب أو على cd، إلا أنه اختار الشكل الذي يضمن له التواجد على مدار عام كامل ليطرح جديدا لجمهوره كل شهر تقريبا لتأخذ الأغنية حقها سواء في صناعتها أو تصويرها أو انتشارها مع الجمهور.
ويبقى فقط التساؤل هل سيصمد العسيلي على طرح أغاني بشكل دوري كل شهر أو شهرين على الأكثر؟ أم سيحتاج إلى فترة راحة ليعيد ترتيب أوراقه ويقدم خطة جديدة مثلما فاجئنا في 2018؟ إجابة هذا السؤال ستكشفها لنا الأيام المقبلة.
اقرأ أيضا
2019 عام Disney بإمتياز.. 3 كلاسيكيات يعاد انتاجها بالتصوير الحي في طريقها إليك
استعد لارتفاع الأدرينالين في 2019.. عودة أجزاء جديدة لأشهر سلاسل الرعب