شاب عربي نحيف الجسد يبحث عن فرصة لإثبات موهبته في فرنسا قبل أن يتعرض للفشل مرات عديدة ليضطر للعمل تارة في المطاعم وأخرى في أحد المصانع، إلا أن هذا الشاب الجزائري العنيد لم ييأس حيث كان يعلم أن الوقت المناسب لإبراز موهبته وأن يسمع العالم صوته لم يحن بعد، قبل أن يشكل فرقة في باريس سماها "carte de séjour" أو "بطاقة إقامة" تعزف الموسيقى في النوادي الصغيرة، قبل أن تنطلق رحلته منفردا في عالم الغناء مقدما "الروك العربي" بإيقاع موسيقى الراي، وكذلك مزج موسيقى الروك بالآلات الشرقية التي أضافت لأغانيه شخصية منفردة برزت بشكل واضح في أغاني مثل "أنت راحتي" أو "روك القصبة" و"اللي فات مات"، وغيرها من الأغاني المميزة التي قدمها على مدار مشواره الغنائي.
كانت هذه رحلة المطرب الجزائري العالمي رشيد طه الذي وافته المنية أمس عن عمر يناهز 59 عاما أثر أزمة قلبية، حيث نجح رشيد طه الذي يعد من الجيل الأول من المهاجرين الجزائريين الذين استقروا في فرنسا مع عائلته في ستينات القرن الماضي، أن يحلق بعيدا بأغانيه مقدما عدد من الألبومات التي لاقت نجاحا كبيرا على مستوى العالم مثل "أوليه أوليه"، و"ديوان"، "صنع في المدينة"، وتيكيتو" والتي قدم من خلالها أغنيته "انتم السابقين واحنا اللاحقين" والتي حققت نجاحا، حيث عكست هذه الألبومات التأثيرات الثقافية المختلفة على أعماله، بينما كانت آخر ألبوماته "زووم"، وكان يعمل رشيد على ألبوم جديد لم يتحدد مصيره حاليا بعد وفاته.
تحققت النقلة النوعية لرشيد طه لينتشر بشكل كبير في الوطن العربي من خلال عملين مهمين هما "عبد القادر" عام 1998 والتي غناها برفقة الشاب خالد والشاب فضيل وحققت نجاحا كبيرا ولا تزال، أما الأغنية الثانية فكانت "يا رايح" والتي أصدرها ضمن ألبوم "Carte Blanche"، وهي أغنية الموسيقار الجزائري دحمان الحراشي حيث وجهها في ذلك الوقت إلى صديقه الذي كان مصرا على الهجرة ظنا منه انه سيجد أحوال معيشية أفضل، وراقت الأغنية لرشيد طه الذي واجه مصاعب في الغربة وحققت انتشارا كبيرا لدرجة أن البعض تعامل معها على أنها أغنية الراحل رشيد طه.
طريق رشيد طه لم يكن مفروشا بالورود في باريس حيث واجه العديد من المصاعب هناك قبل انطلاق رحلته للعالمية حيث تركت هذه الصعاب أثرا كبيرا في نفسه ولعل أبرزها المعاملة العنصرية من قبل الفرنسيين وهو ما أكده في أغنيته Algerian tango أو التانجو الجزائري حيث قدم تجربته ورفض شركات الإنتاج الفرنسي التعامل مع العرب قائلا "مننساش العبوديين..مننساش العنصريين"، كما أن هذه الخلفية كانت حافزا لدى رشيد طه في إبراز العديد من القضايا الآنية التي تواجهها المجموعات المهاجرة مثل العنصرية والفقر والتهميش وغيرها من الأمور الأخرى التي أصبح يواجهها المواطن العربي.
و أعاد تقديم أغنية "المنفى" وهي أغنية جزائرية قديمة منذ أيام الثورة الجزائرية وتتحدث عن معاناة المعتقلين الجزائريين في سجون الاحتلال الفرنسي وغناها الكثير من المطربين الجزائريين، وتقول كلماتها "قولوا لامي ما تبكيش يا منفي ولدك ربي ما يخليش يا منفي".
لم ينس رشيد أصوله العربية وانتمائه لوطن عربي يحمل موسيقى شرقية تطرب لها آذان الغرب، وهو ما جعله يمزج الآلات الشرقية في أغلب أعماله، كما لم يغب عنه إعادة تقديم أغاني كبار المطربين مثل "غنيلي" للمطربة أم كلثوم، و"حبينا" للمطرب فريد الأطرش، من خلال ألبوم "ديوان 2" حيث غنى فيه أغاني عربية قديمة من ضمنهم أغنية "جانا الهوا"، ويعد هذا الألبوم تكرار لتجربة "ديوان" الذي أصدره في نهاية التسعينيات وتضمن أغاني قديمة لمطربين عرب.
كان ألبوم رشيد طه الأخير "زووم" والذي صدر عام 2013 بمثابة نقطة تحول له تعكس مشوار عشرون عاما مليئة بالموسيقى المميزة، ظهر المطرب الجزائري بـ"لوك" قد يبدو صادما للبعض ليعلن أنه لم يعد الشاب رشيد بعد أن بدا عجوزا لا يخجل من الشعر الأبيض، وقدم في الألبوم خليطا معبرا عن مشواره الغنائي لمن كانوا مصدر إلهام له وكذلك إعادة تقديم أغنية Now or Never ليقدم التحية لأغنية ألفيس بريسلي القديمة.
حاز رشيد طه على العديد من الجوائز المهمة في عالم الموسيقى أهمها جائزة شرفية من صنف موسيقى العالم عام 2015 تزامنا مع مناسبة الاحتفال بانتصارات الموسيقى بباريس.
ملحوظة: هذا المقال نقلا عن "الأهرام المسائي"
اقرأ أيضًا:
رشيد طه المطرب الجزائري الذي عبر عن آلام وهوية وتمرد جيله.. مشيت خليت القلب حزين
وفاة المغني الجزائري رشيد طه إثر أزمة قلبية