صار من الواضح أن في العام الماضي أن الجمهور الآن يفضل أفلام الأكشن، فيلما "هروب اضطراري" و"الخلية" حققا مجتمعين قرابة نصف إيرادات الأفلام المصرية مجتمعة في العام الماضي، وبالتالي ليس غريبًا أن يتجه المنتجون إلى صناعة المزيد من أفلام الأكشن.
محمد السبكي كواحد من أشطر المنتجين في مصر استغل هذا الأمر، وبعد فيلم "هروب اضطراري" أنتج "حرب كرموز" الذي كتب له القصة أيضًا، بينما كتب السيناريو والحوار وتولى الإخراج بيتر ميمي.
منذ الإعلانات الأولى عن الفيلم وهناك محاولة لتصديره على أنه يمثل طفرة في صناعة السينما، ليس فقط على مستوى الإنتاج، بل على المستوى التقني أيضًا، أو كما يردد بعضهم ”فيلم عالمي“، لكن من قال أن الإنتاج الضخم ووجود فنان أجنبي داخل الفيلم يكفيان لصناعة فيلم قوي؟ ربما كانت النتيجة النهائية عبارة عن فرصة مهدرة من صناع الفيلم.
كل عوامل النجاح، ولكن..
تبدأ الأحداث بمشاهد لفتاة شابة على أحد المراسي في منطقة كرموز في الإسكندرية، يغتصبها اثنان من الضباط الإنجليز وينجح في اللحاق بهما ثلاثة شباب، يموت أحد الضباط وأحد الشباب، وينجح الآخران في القبض على الضابط الآخر.
من هنا يبدأ الصراع، فالضابط الإنجليزي قريب للجنرال قائد المنطقة، وبالتالي يسعى الجنرال لإطلاق سراحه، بينما يقرر البكباشي يوسف المصري (أمير كرارة) القائم على قسم كرموز عدم إطلاق سراحه، بل تقديمه للقضاء ليُحكم عليه.
هذه الفكرة تسمح بالفعل بصناعة فيلم جيد جدًا، لدينا قصة يمكن أن تخرج منها دراما جيدة، وشخصية بطل شجاع ووطني، وعدو قوي في الوقت نفسه، هذا على مستوى السيناريو، ولدينا أيضًا إنتاج ضخم، وممثلون متنوعون من أجيال مختلفة، أغلبهم لا يقل مستواه عن الجيد، فما الذي ينقص هذا الفيلم ليكون فيلمًا مميزًا بالفعل؟ دعنا نبدأ مع السيناريو.
الشخصيات التي لن نقابلها
ذكرنا أن بيتر ميمي هو من كتب السيناريو والحوار للفيلم، نستـنــتج من الملابس والديكورات، وبعض الأحداث لاحقًا، أن الفيلم يدور في فترة الاحتلال البريطاني لمصر وغالبًا في أواخرها، لكن الفيلم لا يهتم بتوضيح ذلك على الشاشة بأي شكل خلال الأحداث بل يترك الأمر لخيال المشاهد.
يزخر الفيلم بعدد كبير من الشخصيات، لكنك تستطيع أن تسنتج منذ أول مشهد لكل شخصية كيف ستكون نهاية كل منها، هذا سيُقتل بطريقة درامية وهو ينقذ شخصًا ما، وذاك سيقوم بعمل بطولي عكس طبيعته، وهكذا. المشكلة كانت في حشد عدد كبير من هذه الشخصيات النمطية معًا داخل العمل، والبداية مع البطل يوسف المصري.
تحتوي شخصيته بالطبع على الكثير من الخصائص التي تميز البطل، من قوة وحزم وعضلات بالطبع، لكن المشكلة كانت أنه جاء مثاليًا أكثر من اللازم، فهو لا يقف فقط ضد الإنجليز، بل حتى ضد القانون عندما لا يتوافق مع مثاليته، هكذا نراه لا يريد أن يختم رخصة ممارسة الدعارة للعاهرة حتى لا يلوث نفسه بهذا الأمر (الدعارة كانت مُقننة في مصر حتى نهاية الأربعينيات)، بل احتوت الشخصية على الكثير من المبالغات التي لا يمكن هضمها، والمكتوبة فقط لإضفاء المزيد من الهالة البطولية عليه، كأن يُخاطب الجنرال الإنجليزي مطالبًا إياه أن يتحدث العربية لأنه على أرض مصر، نحن نتحدث عن ضابط مصري يخاطب جنرالًا إنجليزيًا في فترة احتلال، وحتى لو كان بطلًا فلن يصل به الأمر إلى هذه المبالغة، ولكن ليست هذه المثالية فقط هي مشكلة الشخصية الرئيسية.
نحن أمام بطل ليس لديه نقطة ضعف تقريبًا، وهذه واحدة من المشكلات التي يدركها أي كاتب سيناريو لدى كتابة بطله، فعندما لا يكون لدى البطل ما يخسره، كيف يمكن أن يقع تحت يد الشخصية الشريرة؟
المشاهد لأفلام مثل ”Die Hard“ (الموت بصعوبة)، يدرك أن وجود زوجة البطل في يد رئيس العصابة في النهاية يمثل نقطة ذروة مهمة في الأحداث.
كان الحل في إيجاد نقطة ضعف متمثلة في شقيقتيه، وحتى نهاية الفيلم لم نجد مبررًا واحدًا لكونهما اثنتين، في حين كان يمكن أن تكون لديه شقيقة واحدة دون أن تحدث أزمة، بل أكثر من هذا، كان يمكن حذف الخط الخاص بأختيه من الأساس. يُدرك البكباشي يوسف أن أختيه ستُستخدما كورقة ضغط عليه فيرسل لهما رسالة للابتعاد عن المنزل، وهو ما يحدث بسهولة فينتهي دور الأختين تمامًا بهذه الصورة منذ منتصف الفيلم تقريبًا، وهكذا نجد أن تأثيرهما شبه غائب.
الشخصية الوحيدة التي كانت بها بعض ملامح الاختلاف وكانت تسمح بصناعة شخصية مختلفة هي عزت الوحش (محمود حميدة) الضابط السابق المسجون حاليًا لتشكليه لحركة مقاومة ضد الإنجليز، فهو شخص وطني لكنه مؤمن بالعنف كحل، بالإضافة لكونه عدوانيًا يسخر من كل شيء وأي أحد، لكن المساحة الممنوحة لهذه الشخصية تساوت مع تلك المعطاة لشخصيات نمطية مثل العاهرة التي تقرر أن تتوب فجأة -لا أن تقف في صف الضابط أو تتعاطف مع الفتاة المغتصبة، بل أن تتوب- وهناك اللص الوطني، وبالتالي لم تُعط شخصية عزت الوحش المساحة المناسبة لها.
الحوار الذي لن نسمعه
في بعض الأحيان يلجأ صناع الأفلام لاستخدام لغة معاصرة أو فصيحة، للأفلام التي تدور في حقبة زمنية قديمة لا يمكن الوصول إلى اللغة فيها بشكل دقيق، مثل استخدام الفصحى في ”المومياء“ لكن من الصعب أن نجد مبررًا لاستخدام لغة معاصرة في فيلم تدور أحداثه في الأربعينيات، التي يمكن بسهولة الوصول إلى طريقة الكلام والمفردات المستخدمة حينها، ولدينا في مسلسل ”ليالي أوجيني“ أسوة.
الحوار جاء أقرب للغة المعاصرة، ولسبب غير مفهوم أيضًا، لم يكن هناك من يتكلم باللهجة السكندرية، باستثناء دياب الذي ظهر في مشهدين صغيرين، وبعض المفردات القليلة من محمد عز في البداية.
منذ أول مشاهد أمير كرارة وهو يصفع أخته ويقول لها ”يا بت“ كما هو معتاد أن يفعل في مسلسلاته الأخيرة، والأمر لم يتوقف عند حوار المصريين فقط، بل حتى الحوار القليل باللغة الإنجليزية امتلأ بكلمة ”F*ck“ بشكل لن نجده موجودًا إذا رجعنا للأفلام الإنجليزية في ذلك العصر، فهذا الكلمة لم يبدأ استخدامها بهذا الشكل المكثف في الحوارات إلا في الثلث الأخيرة من الألفية الثانية.
وإذا تغاضينا عن هذا الحوار غير المنطقي، فمن الصعب أن نتغاضى عن جمل الحوار المستخدمة مرارًا وتكرارًا في أفلام سابقة، مثل مخاطبة يوسف المصري للجنود معه في القسم بأن يخرج هذا لوالده وذاك لولده ويتركوه هو وحده ليأتي ردهم ”معاك يا فندم“، أو كل حوارات شخصية الضابط المجنون (سكوت آدكنز) التي يقول فيها أنه سيخرج للمصريين ولن يرحم أحدًا، وصولًا إلى عبارة يوسف المصري التي حاولت أن تبدو كاقتباس جيد ولكنها جاءت مفتعلة: ”لو حياتي وجعتكم، فموتي هيوجعكم أكتر بكتير، والميت مبيتوجعش“.
لكن كل هذا يمكن أن يهون أمام مشاهد أكشن قوية يخرج بها المشاهد في النهاية، فكيف جاءت هذه المشاهد؟
الإخراج الذي لم نشاهده
الإنتاج الضخم الواضح في الفيلم لا يسمح بأي أعذار من نوع ”هذه هي الإمكانيات المتاحة“، خاصة في ما يخص مشاهد الأكشن.
منذ بداية الفيلم نجد حشدًا من الدبابات والجنود الإنجليز يتحركون لمحاصرة قسم كرموز، بشكل أيضًا كان به الكثير من المبالغة، فالقوة التي خرجت تكفي لحصار مدينة صغيرة وليس مجرد قسم، ولكن هذه القوة الضخمة رفعت من حالة الترقب لمشاهد الأكشن.
تكتلت هذه المشاهد في ثلث الساعة الأخيرة من الفيلم، أي أننا لم نتلقِ سوى بمشاهد إطلاق نار بسيطة خلال مدة الفيلم كلها، ورغم وجود الكثير من الإنفجارات التي تحمس المشاهد في بداية تتابعات الأكشن الأخيرة، وتمنيه بوجود مشاهد مختلفة باستخدام أسلحة ذلك العصر، إلا أن دخول سكوت آدكنز أفسد هذه المتعة.
فبمجرد دخول الممثل الإنجليزي تحول الأمر من ”حرب“ كما يحاول الفيلم تصويرها منذ البداية، إلى ”عركة“ واشتباكات يدوية، ومرة أخرى ينقلنا الأداء هذه المرة إلى الزمن المعاصر، فالطريقة التي يقاتل بها آدكنز يصعب أن تكون موجودة بهذا الشكل في الأربعينيات من القرن الماضي، ولو افترضنا أنها موجودة في هذا الضابط الإنجليزي، فما هي المصادفة التي تجعل الضابط المصري أيضًا يجيد نفس الرياضة القتالية؟
الأمر لا يتوقف عند ثنائية مشاهد القتال، أو حداثتها بالنسبة لزمن الأحداث، ولكن أيضًا هناك عناصر أخرى، غابت عنها أبرزها المونتاج لباهر رشيد الذي جاء أبطأ من اللازم في بعض المشاهد، أو زوايا التصوير في مشهد مطاردة السيارات الأخيرة، إذ شاهدنا خلال مطاردة طويلة نفس زاوية التصوير القريبة لمحمود حميدة. وهناك أيضًا زاوية التصوير في مشهد انقلاب سيارتين لتضعهما في مواجهة ضوء الشمس فلا نرى إلا كتلة سوداء غير محددة المعالم.
لم يكن المونتاج ضعيفًا فقط في مشاهد المطاردات، بل في أغلب مشاهد الفيلم، فلا نجد مبررًا واضحًا لاستخدام الإظلام (Fade to blcak) للانتقال بين مشاهد بعينها دون غيرها، فلا هو يعبر عن مرور وقت إذ نجد نفسنا في نفس الوقت تقريبًا، ولا هو يستخدم عند لحظة ذروة معينة.
ألا يكفي أن يكون محليًا؟
بعد كل ذكرناه عن الفيلم، نعود إلى ما كتبناه في المقدمة، هل الفيلم مستواه ”عالمي“ بالفعل؟ في الحقيقة الفيلم مليء بالثغرات التي يصعب معها اعتباره فيلمًا عالميًا، وبالمناسبة لفظ عالمي يُطلق على الأفلام أو صناع السينما المعروفين على مستوى العالم، ويشاركون في مهرجانات دولية بأفلامهم، ولهذا فسكوت آدكنز ليس عالميًا بالتأكيد، فهو ممثل يشارك في أفلام الأكشن الأمريكية منخفضة التكلفة، ولا يمكن إطلاق عليه لقب ”نجم“ من الأساس بالمقاييس التجارية المعروفة.
لكن رغم كل ما ذكرناه عن الفيلم يبقى محاولة جيدة في السينما المصرية لصناعة فيلم مختلف، وذو تكلفة مرتفعة، مع المراهنة على الإقبال الجماهيري، حتى الآن تخطت إيرادات الفيلم 20 مليونًا، وبينما تظل تكلفته الفعلية مجهولة، لكنها في الأغلب تتخطى 35 مليون جنيه مصري -التي كانت تكلفة ”هروب اضطراري“ـ فعلى الفيلم أن ينجح في جمع أكثر من 70 مليونًا حتى يبدأ في تحقيق الأرباح، وهو ما يمكن أن يحققه بالتوزيع الخارجي.
يبقى الفيلم في النهاية فيلمًا، يمكن محاسبته وأخذ الكثير جدًا من الملاحظات عليه، ولكن يصعب في الآن ذاته أن يوصف بأنه جريمة أو سقطة، بل نفضل وصف الفرصة المهدرة، كان أمام صناع الفيلم بالفعل فرصة لصناعة فيلم مختلف، لكنهم أهدروها بجمع الكثير جدًا من المشاهد المكررة أو ”الكليشيه“ ليخرج الفيلم ذو مذاق قديم.
الجانب المشرق هو أن نجاح هذا الفيلم ربما ”ربما“ يشجع بعض شركات الإنتاج الأخرى على الإقدام على مغامرات إنتاجية أخرى قد يكون لها تأثير جيد على المشهد السينمائي، وربما أسفر الأمر أيضًا عن حروب كرموز أخرى بلا أي قيمة تضيفها.
اقرأ أيضا
تعرف على إيرادات فيلم "حرب كرموز" ليوم الجمعة 22 يونيو
القائمة الكاملة لإيرادات أفلام العيد يوم الجمعة 22 يونيو.. "حرب كرموز" الأول ورقم ضعيف لهذا الفيلم