منذ عام 2012 وهناك تصاعد وتطور في مستوى الدراما التليفزيونية، أسماء وموضوعات جديدة بدأت تدخل إلى الساحة، هكذا شاهدنا بداية من هذا العام مسلسلات مثل: "الخواجة عبد القادر" الذي تعرفنا من خلاله على شادي الفخراني مخرجًا، و"بنت اسمها ذات" لنشاهد نيللي كريم بطلة للمرة الأولى، بالإضافة لمسلسلات تناقش بجرأة شديدة مشكلات المجتمع المصري المعاصر مثل ”موجة حارة“، وغيرها من الأعمال التي يسهل تذكرها، وبعضها لا يزال يُعاد حتى الآن.
حتى العام الماضي 2017، لم يكن من الصعب الخروج بعملين على الأقل شديدي التميز، بالإضافة لعدة أعمال أخرى مستواها جيد أيضًا، فكيف كانت النتيجة في العام الحالي؟
عُرض خلال شهر رمضان 30 مسلسلًا مصريًا تقريبًا، بعضها لمممثلين كبار وبعضها لممثلين يخطون أولى خطواتهم في عالم البطولة، هناك بالفعل مسلسل أو اثنين يتنافسان على الصدارة، تنحصر الآراء تقريبًا بين "أبو عمر المصري" و"ليالي أوجيني" و"اختفاء" على لقب الأفضل، لكن الحقيقة أن أيًا منهم سيكون الأفضل في موسم ضعيف من الأساس، وإذا قارنا أيًا من هذه المسلسلات، الجيدة بالفعل، مع المسلسلات الأفضل في رمضان الماضي أو قبل الماضي فلن تصمد على الإطلاق.
يوجد الكثير من الأسباب التي جعلت الموسم الدرامي الحالي هو الأضعف منذ سنوات.
تراجع عدد المسلسلات
قبل أن نحلل أسباب التراجع يجب أن نلتفت إلى تراجع عدد المسلسلات مقارنة بالسنوات السابقة.
كان عدد المسلسلات المنتجة سنويًا يزداد بشكل ملحوظ، عدد من القنوات الجديدة ظهرت وبالتالي ستبحث عن المنافسة بعرض مسلسلات حصرية على شاشتها، بينما تجاهد القنوات الأقدم الحفاظ على نسب مشاهدتها فتطلب هي الأخرى المزيد من الأعمال، والنتيجة عدد كبير من المسلسلات، أحيانًا لا يشعر المشاهد بالكثير منها.
بداية من العام الماضي ظهر تخبط في إدارة القنوات وإنتاج المسلسلات، قبل رمضان بأيام انسحب مسلسل "بين عالمين"، وفي العام الحالي لم يعرض مسلسلي "بركة" و"أهو ده اللي صار"، وأيضًا اتُخذ القرار قبل أيام قليلة من بدء العروض. يمكن أن تكون هناك الكثير من التفسيرات لهذا التراجع في اللحظات الأخيرة، منها تأخر البدء في تنفيذ المسلسلات، وإن كانت معظم المسلسلات تقريبًا ينتهي تصويرها في الأسبوع الأخير من رمضان بالفعل.
وربما هي رغبة شركات الإنتاج في صناعة محتوى مميز ذو تكلفة ضخمة قد دفع إلى تقليل إنتاج المسلسلات متوسطة أو قليلة التكلفة، التي لا تصمد في المقارنة مع المسلسلات، خاصة مع اتجاه المخرجين إلى الاهتمام الشديد بالشكل، وإضفاء طابع سينمائي على أعمالهم، بشكل يلاحظه المشاهد بالتأكيد، ويبحث عنه، وعلى الأرجح يضعه في ذهنه عندما يختار الأعمال التي سيختار متابعتها.
مع هذا التراجع في عدد الأعمال، كان المُتوقّع هو اهتمامٌ أكبر بالمضمون، لكن هذا لم يحدث، والنقطة الأولى التي سنقف عندها ربما هي نفس النقطة التي يرى بعض صناع المسلسلات أنها إضافة إلى أعمالهم.
الصورة لا تأتي أولًا
أصبح هناك اهتمام كبير بـ"شكل" المسلسل، أن تبدو الكادرات غنية بالألوان ومُشبعة بصريًا، أو أن تُستخدم الملابس مع الديكورات في تكوين كادرات مليئة بالتفاصيل، وفي الكثير من الأحيان تكون النتيجة جميلة بالفعل، لكن ما هو المطلوب من هذا الجمال؟
إذا كان المطلوب هو أن يأخذ المشاهدين لقطات المسلسل ويعلقوا على جمالها فقط، فقد نجح صناع الأعمال التليفزيونية في ذلك، أما إذا كان المقصود هو تقديم صورة تليق بالمضمون فأغلبهم لم يصب هدفه.
لنعد إلى واحد من أهم المسلسلات في السنوات الخمسة الأخيرة، "موجة حارة" للمخرج محمد ياسين، ونلاحظ الاختلاف في تكوين اللقطات بين هذا المسلسل والمسلسل التالي لنفس المخرج "أفراح القبة"، طبيعة الموضوع والتناول في المسلسل الأخير كانت تسمح بتكوينات فنية، وباستخدام جمالي للإضاءة، ليتماشى مع المسلسل الذي نشاهده من وجهة نظر شخصيات يمتزج واقعها بخيالها ومكانها هو المسرح، مع يحمله هذا المكان من مساحة للخيال.
على العكس نجد "موجة حارة" أقرب للواقعية ويدور في زمن معاصر، لم يكن المُخرج يستغرق في استخدام تكوينات جميلة بلا هدف، لأن طبيعة الموضوع مختلفة، الأبطال مشوهون كذلك لكنهم مختلفون، وجزء من أهداف المسلسل هو نقل واقع الحياة داخل المدينة في ذلك الوقت، وليس توصيلها بشكل مُجمّل وغير واقعي، هل معنى هذا أن المسلسل لم يكن جميلًا بصريًا؟ على العكس، لكن الجمال هنا كانت له مواصفات أخرى.
ما فعله محمد ياسين في مسلسليه للأسف يغيب عن الكثير من صناع الدراما التليفزيونية، فنتابع اللقطات التي تبدو مبهرة ولكن عندما نشاهد المسلسل لا نجد هذه الجمال يُفضي إلى شيء داخل العمل نفسه، ”ليالي أوجيني“ لهاني خليفة، وهو واحد من أفضل مسلسلات رمضان الحالي، شاهدنا فيه اهتمامًا كبيرًا بمفردات الصورة، ولكن السيناريو نفسه كان شديد البطء في عرض أحداثه، بشكل جعل كل هذه الجماليات خالية من المعنى في النهاية.
نحن نحب ما يحبه الجمهور
العنوان السابق رفعته الكثير من شركات الإنتاج، بطبيعة الحال كل منتج يبحث عن رضا الجمهور حتى يضمن نجاح مسلسله جماهيريًا، لكن في العام الماضي نجد أن بوصلة المنتجين انساقت وراء تفضيلات الجمهور بشكل مبالغ فيه، فأغلب المسلسلات كانت من نوع التشويق أو الأكشن، والكوميديا مكانها محفوظ بالطبع، هذا الانسياق عادة يضر بالنوع ويخفض من المستوى الفني للأعمال التي تذهب وراء محاولات استغلال النجاح دون أن يكون لديها جديدًا لتقدمه بالفعل.
قبل عام 2011 ازدهرت مسلسلات الست كوم، وانتشرت على الشاشة بشكل كبير، بعد نجاح "راجل و6 ستات" و"تامر وشوقية"، لكن أيًا من هذه المسلسلات التالية لهما لم يصمد، حتى الجيد منها، إذ مل الجمهور هذا النوع، الأمر يتكرر مع التشويق الآن.
منذ عدة أعوام كان لدينا عدد قليل جدًا من المسلسلات التي تعتمد على هذا القالب، وعندما كانت تُكتب وتنفذ بشكل جيد كانت تلفت الأنظار بالفعل، هذا ما حدث "نيران صديقة" مثلًا، لكن عندما يصبح الأمر هو مجرد "موضة" دون اهتمام بالمحتوى فالنتيجة ستكون ما شاهدناه في العام الحالي، الكثير جدًا من المسلسلات، حتى التي تعتمد على أفكار جيدة، لم تنجُ من فخ البطء وتكرار الأحداث بشكل يتنافى مع أبسط قواعد التشويق، مثل "اختفاء" و"الرحلة" اللذين بُنيا على أفكار جيدة بالفعل، لكن حلقات طويلة خلت من أي تطور حقيقي.
هذا التكرار للسائد أيضًا يقتل محاولات التغيير، فالسِت كوم عندما بدأ كان مغامرة، والتشويق بمسلسلاته القليلة في البداية كان مغامرة أيضًا، وإذا استمرت محاولات اللعب على المضمون سنفقتر إلى أي مغامرة تكون نقطة انطلاق لأعمال أخرى مهمة.
هذا هو سقف الإبداع
تابعنا قبل أيام من بدء رمضان المعايير التي وضعتها لجنة الدراما بالمجلس الأعلى للإعلام، والتي تنص بطريقة ما على أن تكون الموضوعات المطروحة، والشخصيات خالية من الشتائم والقتل، وتبتعد عن الشخصيات الإجرامية التي تنجح في الصعود بطرق غير مشروعة، وتفضل الأعمال التي ”تشيع البهجة“.
رأينا محاولات استبقاية للكثير من الأعمال للالتزام بهذه الشروط بالفعل، فشاهدنا معظم الأعمال أبطالها ملائكة لا يخطئون، ويحاولون تقويم كل من حولهم، دون أن نرى منهم وجهًا قبيحًا ولو من باب المنطق، باستثناء الشخصيات الشريرة بشكل مطلق كشخصية حربي في "طايع".
لكن هذا لم يرض اللجنة كذلك، بل تابعنا وجود ملاحظات كثيرة لهم على كل المسلسلات أيضًا، وبالذات على المسلسلات التي تعرضت لرجال الشرطة، رغم أننا لو توقفنا عند "نسر الصعيد" أو "كلبش 2" سنجد أننا نتابع شخصية شبه مثالية.
تتناسى هذه المعايير أن المشاهد أصبح رقيبًا أشد حدة من أي جهاز رقابة، وعندما رأى بعض مشاهدي "سابع جار" أن المحتوى لا يتماشى مع ذوقهم توقفوا عن متابعته بالفعل، دون أن تتدخل أي جهة رقابية، ولو طُبقت هذه المعايير بالفعل على مسلسلات العام القادم، فربما لن يجد صناع الدراما التليفزيونية أي مساحة للإبداع.
في هذه الحالة ربما سنترحم على مسلسلات العام الحالي، التي ستكون قد فازت بمساحة أكبر للإبداع، ولكنها لم تُحسن استغلالها.
اقرأ أيضًا:
برلين 68- فيلم "الجمعية".. بعد أن تغرب الشمس
فيلم Unsane التجربة أهم من الفيلم