"الخطأ هو طريقة أخرى لفعل الأشياء".. هذه المقولة تعد أحد أبرز مقولات الناشرة كاثرين جراهام، التي كانت تملك صحيفة "واشنطن بوست" في السبعينيات من القرن الماضي، وينطبق هذا القول على فيلم The Post الذي يسرد الموقف البطولي للصحيفة في الدفاع عن حرية الرأي العام في معرقة أخطاء وسلبيات الحكومة.
الفيلم الذي ينافس على جائزتي أفضل فيلم وأفضل ممثلة ضمن جوائز أوسكار 2018، ليس أفضل أفلام صانعيه على الإطلاق، فهو يحمل أسماء نجوم بارزين في السينما، من ضمنهم ميريل ستريب التي تجسد دور كاثرين جراهام، وتوم هانكس الذي يجسد دور الصحفي بن برادلي، ومن إخراج ستيفين سبيلبرج.
تاريخ كل نجم من الثلاثة المذكورين مليء بالأعمال الفنية الرائعة، لذا فعندما نضع The Post ضمن قائمة أعمالهم، نراه يندرج تحت الأضعف والأقل فنيا، فهو ليس في مستوى Saving Private Ryan أو Munich لسبيلبرج، كما ليس في مستوى أفلام ميريل ستريب The iron lady و Sophie's choice، ونفس الحال بالنسبة لتوم هانكس صاحب روائع Forrest Gump و Cast Away
وغيرها من الأعمال.
ويعد السيناريو أضعف عناصر الفيلم، إذ اعتمد على المباشرة الشديدة، من أجل التأكيد على النقاط التي حلق الفيلم في الأساس من أجلها، وهي مواجهة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فلا نحتاج هنا إلى أسانيد للتأكيد على الوقت والظروف الراهنة التي تمر الولايات المتحدة الأمريكية تحت قيادة ترامب، ومحاولته لقمع الحريات، التي تعتبرها أمريكا من أهم مكتسباتها وتتباهي بها بين شعوب العالم، لذا فإن الفيلم يعد صوتا قويا لتذكير الناس بما حدث في الماضي ليكون عظة للوقت الراهن، وأيضا بمثابة رسالة قوية لترامب وكأنه يتوعده بفضيحة مثل فضيحة حرب فيتنام وتورط الرئيس الأمريكي الراحل ريتشارد نيكسون بها.
فيلم The Post ينطلق من قضية تورط الحكومة الأمريكية في حرب فيتنام، وخداع الشعب الأمريكي بالإدعاء أن القوات الأمريكية في فيتنام لا تتكبد خسائر فادحة، إذ حصلت صحيفة نيويورك تايمز على مستندات ووثائق تكشف أكاذيب حكومة نيكسون، وبعد نشرها أول سلسلة من هذه الوثائق صدر قرارا بمنعها من النشر، لتلتقط "واشنطن بوست" طرف الخيط وتحصل على الوثائق التي عرفت وقتها بـ "أوراق البنتاجون"، وتأخذ قرارا بنشرها رغم المخاطر المحيطة، خصوصا تلك التي كانت من نصيب كاثرين جراهام ووبن برادلي، الذين كانا مهددان بالحبس في حال نشر هذه المستندات.
الفيلم أيضا يركز على دور المرأة في المجتمع، في رسالة أيضا داعمة ومتوافقة مع الحركات النسوية في هوليوود التي تدافع عن المرأة، وترفض استغلالها جنسيا في الأفلام، وأبرزها حركة Time’s up، لنرى في العمل تفاصيل صغيرة متتابعة لتؤكد على أهمية المرأة في المجتمع، وأنها تستطيع أن تتحمل الصعاب والمسؤولية، ونرى ذلك في مشهد ابنة برادلي التي تبيع مشروب البرتقال أمام المنزل، لتعتمد على نفسها في جمع المال، وحرص المخرج على التأكيد على ذلك بمشاهد متعاقبة للطفلة وهي تنتهي من مشروعها الصغير وتضع أدواتها جانبا.
الاهتمام بهذه الموضوعات والقضايا، أفقد الفيلم متعة المشاهدة السينمائية، إلا في مشاهد قليلة أبرزها المشاهد المتتابعة لمراحل طباعة الصحفية وصوت ماكينات الطباعة في اشارة إلى قوة الصحافة وتأثيرها ودورها في كشف الحقائق، وأيضا إشارة إلى الصخب الدائر في أروقة الصحيفة ما بين رافضين لنشر الوثائق خوفا من العواقب، وبين المدافعين عن حرية الرأي.
قوة الصحافة وتأثيرها في الرأي العام يظهر أيضا في نهاية الفيلم مع الإشارة إلى سقوط نيكسون بعد فضيحة "ووترجيت" الشهيرة، ويبدو أن في هذا المشهد أيضا رسالة إلى ترامب وتوقع سقوطه بفضيحة مماثلة.
الفيلم يكتسب أهميته من الواقع الأمريكي المعاصر وليس أي شئ أخر، ويبدو أن الغضب من الأوضاع في الإدارة الأمريكية كان مسيطرا على صناع العمل، وفي مقدمتهم سبيلبيرج وهو أمر لا ينكره المخرج في لقاءاته الإعلامية بل يؤكد أنه كان سببا لصنع الفيلم، ليظهر العمل وكأنه محاكمة لترامب في هيئة نيكسون، وقد يكون ذلك السبب الرئيسي الوحيد لدخوله ضمن ترشيحات جوائز الأوسكار، وأيضا وجود ميريل ستريب ضمن النجمات المرشحات لجائزة أفضل ممثلة، رغم أن أدائها لم يكن مبهرا، وإن حاولت أن تظهر تفاصيل وملامح شخصية كاثرين جراهام الضعيفة والتي تخاف من تحمل المسؤولية، وتحول هذه الشخصية إلى القوية والمسيطرة في اتخاذ قرار النشر.
اقرأ أيضا
أوسكار 2018- فيلم The Shape of Water.. درجات كثيرة بين الأخضر والأحمر
أوسكار 2018 - Call Me By Your Name ليس فيلمًا عن المثلية الجنسية