بعد غياب استمر نحو 7 سنوات لم تقدم فيها "جارة القمر" فيروز سوى بعض الأغانى المنفردة والترانيم الكنسية، تعود إلينا من جديد بألبوم غنائى جديد باسمه وكلماته ولكنه قديم بأفكاره وألحانه وتوزيعاته الموسيقية.
دعونا أولًا نذكِّر بأهم تفاصيل مشوار فيروز الفنى، خصوصًا أنها مشروعا غنائيا لبنانيا خالص بنسبة 100%، فهي فنانة تعتز بثقافتها وبهويتها الموسيقية وتعبر عن أفكارها بلغة ولهجة البلد الذي نشأت وولدت فيه دون أية محاولة لمغازلة قطاعات جماهيرية أوسع خارج نطاق حدود لبنان عن طريق لهجات أخرى كالمصرية مثلًا، ورغم ذلك استطاعت أن تحقق انتشارًا جماهيريًّا عربيًّا على مدى عشرات السنوات لدرجة جعلتها تحصل على المرتبة الثانية في قائمة أكثر المغنين مشاهدة بلبنان على موقع «يوتيوب» بمليار و200 مليون مشاهدة عام 2016، رغم أنها مبتعدة عن عالم الغناء منذ فترة طويلة.
وهناك موضوعات تحرص فيروز على الغناء لها أكثر من مرة، ونجد بها عبارات تتحدث عن برد الشتاء، وهبوط الثلج، وبعض الحكايات عن أهل مدينة بعينها توصف تفاصيلها بصوتها وكلماتها، ودائمًا تتحدث عن أضرار الحروب وضرورة البحث عن الحب والسلام، والغناء عن الأحلام غير المكتملة والبحث عن تحقيقها، بالإضافة إلى أنها دائمًا تعيد إحياء بعض الأغانى القديمة سواء أكانت هذه الأغانى عربية أم عالمية.
ولذلك عندما نقول إن ألبوم فيروز 2017 لم يأتِ بجديد، فإن ذلك يرجع إلى أننا نستمع إلى نفس تفاصيل المشروع الغنائى لأيقونة الغناء العربى، ولكن هذه المرة برونق موسيقى أقل بريقًا ولمعانًا عما كان يقدم فى الماضى.
هناك أزمة حقيقية فى طريقة إعادة إحياء الأغانى القديمة فى هذا الألبوم، فجميع الأغنيات التى قدمتها فيروز هى أقل من الأغانى الأصلية، وهى أزمة تواجه أى فنان عندما يحاول إعادة إحياء أغانٍ عالمية وجماهيرية ناجحة، وسبب ذلك أن المستمع دائمًا يعقد مقارنات بين النسخة الأصلية والنسخة الحديثة، ودائمًا ما تميل الكفة إلى الأغنية الأصلية التى حققت النجاحات الجماهيرية الساحقة.
أغنية "حكايات كتير" على سبيل المثال هى إعادة إحياء للأغنية العالمية my way ورغم أن هناك كثيرين أعادوا غنائها مثل فرانك سينترا وروبى ويليامز وألفيس بيرسلى، أو حتى الثلاثى الجزائرى (رشيد طه وشاب خالد وشاب فضيل) إذ عرَّبوها فى أغنية "هذه هى العادة"، فإن "حكايات كتير" لفيروز ليست واحدة من أفضل النسخ التى استمعنا إليها لهذه الأغنية.
أيضًا فى أغنية "وانا وياك" نجد نفس أزمة "حكايات كتير"، ورغم أن الأغنية الأصلية besame mucho قدمت من أصوات كثيرة فى مختلف بلدان العالم، فإن كل مَن قدموها كان لهم مفهوم ورؤية موسيقية خاصة، فداليدا مثلًا قدمتها على إيقاعات الديسكو وجعلت منها أغنية راقصة، بينما قدمها أندريا بوتشيلى على النمط الكلاسيكى الهادئ، وقدمها دين مارتن أيضًا بشكل موسيقى مشابه، ولكن فيروز قدمتها بكلمات عربية مغايرة لمفهوم الأغنية الأصلى، وكذلك التوزيع الموسيقى لم يكن موفقًا على الإطلاق، ويشبه التوزيعات الموسيقية التى يصنعها فنانو الفرق المستقلة.
أيضًا لم تكتفِ فيروز بغناء هاتين الأغنيتين فقط من ألحان عالمية، إذ قامت بغناء "يمكن" وهى إعادة إحياء لأغنية Imagine.
وكذلك أغنية “لمين” وهى إعادة إحياء لأغنية POUR QUI VEILLE L'ETOILE، وأغنية "بيت صغير" وهى إعادة إحياء لأغنيةLoulou Gasté .
فنحن لدينا 5 أغنيات فى ألبوم فيروز الجديد مأخوذة من ألحان غنائية عالمية، بالإضافة إلى أن كل كلمات الألبوم والمواضيع المطروحة لم تأتِ بجديد.
هذا الألبوم يعد تجسيد واضح لتساؤل هل شعبية الفنان كافية لضمان نجاح عمله الفني. فهل شعبية واسم فيروز كأيقونة غنائية تكفي لضمان نجاح عمل غنائى لها. وإن ما استمعنا إليه هو إعادة تدوير لنفس الأفكار القديمة التى قدمتها فيروز من قبل، وحتى الألحان الجديدة التى استمعنا إليها فى الألبوم الأخير تظل ألحانًا مألوفة وتقليدية ونمطية.
صحيح أن كل فنان يقدم أعماله الفنية وَفقًا لأساسيات مشروعه الغنائى، وأمر طبيعى أن يكون لكل مغنٍّ إطار محدد لا يخرج عنه كما يحدث مع كل مطربى العالم، ولكنَّ هناك فرقًا بين تقديم أغانٍ جديدة بروح مختلفة فى نفس الإطار الغنائى لمشروع فيروز الذى تحدثنا عنه فى الفقرات الأولى من المقال وإعادة تدوير الألحان القديمة وتقديمها إلى الجمهور على أنها جديدة.. فهذا ما وقعت فيه فيروز، والتي تعد أكبر مما حققه ألبومها الأخير.
اقرأ أيضا
الأغاني المشتركة لتامر حسني في الميزان- "ديوهات" كثيرة ولكن!
التحليل الموسيقي لـ"معدي الناس".. أشكال موسيقية صادمة ستأخذ وقتًا للاستيعاب