للمرة الأولى منذ تتويجه بالأوسكار يخرج المخرج الإيراني أصغر فرهادي عن صمته. أستاذ السينما الإيرانية الذي توّج فيلمه "البائع" بجائزة الأكاديمية لأحسن فيلم أجنبي قبل قرابة الأسبوعين، وأثار الجدل بامتناعه عن الحضور لاستلام الجائزة اعتراضاً على قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإيقاف التأشيرات لمواطني سبع دول من بينهم إيران.
فرهادي أجرى جلسة صحفية على هامش ملتقى قُمرة للمشروعات في الدوحة، حضرها مجموعة محدودة من الصحفيين لا تتجاوز الثمانية أشخاص، ليس منهم عرباً سوى الناقد اللبناني هوفيك حبشيان وكاتب هذه السطور. الجلسة تم إجرائها إلكترونياً عبر برنامج Skype ، وذلك لوجود فرهادي في إسبانيا لتحضيرات فيلمه الجديد الذي سيلعب بطولته النجمان خافير بارديم وبينلوبي كروز.
حديث الأوسكار
الموضوع الأهم في الجلسة بالطبع كان تتويجه بالأوسكار، والتي أبدى فرهادي سعادته عن الحصول عليها للمرة الثانية، مؤكداً أن الأمر هذا العام يختلف عن تتويجه السابق عن "انفصال"، ففيلم "البائع" لديه موزع كبير هو شركة أمازون، ولاقي نجاحاً كبيراً منذ عرضه في مهرجان كان الصيف الماضي والجميع شاهدوه، وبالتالي لم يكن هناك داع أن يسافر للولايات المتحدة كي يقوم بالترويج له، مشيراً لأنه كان ينوي حضور الحفل بالطبع، حتى صدر قرار التأشيرات فاتخذ قرار عدم الحضور لإعلان موقفه.
ورداً على سؤال حول ما يُثار من كون الموقف السياسي تدخل لصالح الفيلم، وجعل بعض المصوّتين يفضلونه عن المرشحين الآخرين لأسباب بعيدة عن مستوى الفيلم الفني، أجاب فرهادي بأن الفيلم بدأ رحلة نجاحه قبل حدوث أي شيء، ووصل بالفعل لقائمة المرشحين قبل قرار ترامب، وكل ما حدث بعد ذلك ليس له سيطرة عليه ولم يضعه في حساباته. مؤكداً إنه تصرف بشكل عفوي وقرر بناء على ذلك، لأنه من الصعب والمعقد أن يفهم على أي أساس يقوم المصوّتين في الأكاديمية باتخاذ قرارهم.
عن سبب اختياره لرائدة الفضاء إيرانية الأصل أنوشيه أنصاري لاستلام الجائزة بدلاً منه أجاب بأنه اختارها (ومعها مهندس الفضاء فيروز نادري) لسببين، أولهما أنهما مهاجران إيرانيان حققا نجاحاً ضخماً في الولايات المتحدة، وثانيهما أن مهنتهما مثيرة للاهتمام، لأنك عندما تكون عالياً في الفضاء لا تعد ترى الحدود والتقسيمات التي نعيش داخلها على الأرض.
أما عن انطباع الإيرانيين حول فوزه قال فرهادي أن الغالبية عبرت له عن سعادتها بالجائزة، وإن كانت هناك أقلية تأخذ كل شيء من زاوية سياسية فسروا الأمر بشكل سيئ، مؤكداً أن انطباعهم لا يشغله كثيراً.
الفيلم الإسباني
أصغر فرهادي المتواجد في إسبانيا من أجل الفيلم الجديد قال إنه لا يشعر بغرابة كبيرة في التجربة فقد صوّر فيلم "الماضي" من قبل في فرنسا، وكان من المفترض أن يصنع بعده الفيلم الإسباني لكنه شعر برغبة في العودة لإيران وتصوير "البائع" قبل ذلك. مشيراً لأنه متحمس للمشروع الجديد الذي يكتب السيناريو الخاص به الآن ويشارك في بطولته نجوم بحجم بارديم وكروز، مؤكداً أنهما ودودان ومتحمسان للعمل معه، وهي نقطة ممتازة لينطلق منها الفيلم.
رفض فرهادي منح أي تفاصيل عن قصة الفيلم، فقط أشار مازحاً لأنه سيكون فيلم عن الأسرة، وهو أمر طبيعي في ظل كون كل أفلامه تقريباً عن الموضوع نفسه. لكنه أوضح أن الفيلم لن يكون له علاقة بالثقافة الإيرانية مثل "الماضي" الذي دار في باريس لكنه ضم شخصيات إيرانية، مؤكداً أن الفيلم الجديد سيكون إسبانياً بالكامل سواء على مستوى القصة أو الشخصيات أو اللغة، وإنه سيبدأ التصوير في الصيف وسيكون الفيلم جاهزاً للعرض خلال العام المقبل.
موقفه مما يحدث
أما عن تفاعله كصانع أفلام مما يجري في العام حالياً من احتقان متصاعد أشار فرهادي أن هناك أمرين فقط هو متأكد أنه لن يفعلهما طيلة حياته. الأول هو أن يصنع فيلماً سياسياً لأنه لا يحب أن يرى العالم من وجهة النظر الضيقة للسياسة، بل يحب أن يتعامل في أفلامه مع المجتمع والناس من خلال حكايات عن مجموعات صغيرة من البشر. أما الأمر الثاني الذي لن يفعله أبداً فهو تقديم رسائل من خلال السينما لأن هذا شكل لم يعد صالحاً للأفلام. الأفلام الآن يجب أن تطرح أسئلة لا أن تمنح المشاهد إجابات ورسائل.
وعندما طُرح عليه سؤال حول كوّن كل أفلامه عن أشخاص يتعرضون لضغوط كبيرة، وهل من الممكن أن يقدماً عملاً كوميدياً، أجاب فرهادي أن أحب أمنياته الكبرى هو صناعة فيلم يتعامل مع الواقع الإنساني من خلال الكوميديا، وإنه يأمل في أن يقدم عملاً كهذا عندما يعود إلى إيران؛ لأنه من الصعب جداً أن يقدم مخرجاً كوميديا داخل ثقافة لا يعرفها.