أي مجنون ذلك الذي يجعلك تستمر أمام الشاشة لتشاهد فيلما ستراه مملا من منظورك خاصة وأننا في عام 2017، وهو فيلم يحكي عن قصة من الحرب العالمية الثانية قصة تاريخية، إننا نتحدث هنا عن فيلم Land of Mine الدانماركي – الألماني من إخراج مارتن زاندفليت الذي شارك في كتابته أيضا.
المشهد الافتتاحي للفيلم قد يحكي الكثير عنه، تلك الأنفاس المتلاحقة التي تجعلك تترقب ما التالي، هل هو شخص خائف أم نائم أم مرهق، لا تعلم ما التالي شاشة سوداء وشارة البدء بالأسماء، المخرج يحاول وضعك في حالة الفيلم منذ اللحظات الأولى بأخذك للدانمارك في 1945، لتجد أنه قائد كبير السن يتنفس.
الفيلم تدور أحداثه في نهاية الحرب العالمية الثانية في نهايات أبريل وبدايات مايو من عام 1945، قوات الحلفاء في تلك الفترة كانت تأخذ عددا كبيرا للغاية من السجناء من دول المحور، بعضهم أخذ إلى الغرب في أبريل 1945 بواسطة الحلفاء هناك وقدر العدد بمليون ونصف سجين.
شهر أبريل في تلك الفترة شهد أيضا احتجاز ما يقرب من 120 ألف مجندا ألمانيا بواسطة حلفاء الغرب في أخر حملات الحرب بإيطاليا، وبنهاية شهر أبريل كان قد استسلم ما يقرب من 800 ألف جنديا ألمانيا، في تلك الفترة أيضا كانت قوات الحلفاء قد بدأت في اكتشاف الهولوكوست، التقدم داخل ألمانيا جعلهم يكتشفون أهوال ما حدث في المعسكرات هناك.
فترة الفيلم التاريخية تأخذنا إلى الدانمارك في مايو من عام 1945 تاريخيا وبالتحديد في 2 مايو كانت معركة برلين الشهيرة قد انتهت، وفي 4 مايو القوات الألمانية في غرب البلاد والدانماركية والهولندية قد استسلمت، ما يقرب من مليون رجل، ثم استسلام قوات الألمان في إقليم بافاريا.
الفيلم يأخذنا ما بعد تلك الأيام من استسلام الألمان ومجموعة من المجندين الشباب الواقعين تحت الأسر بسبب الحرب وتم تسليمهم إلى السلطات الدانماركية ومن ثم تم إرسالهم إلى الساحل الغربي.
من اللحظات الأولى تدرك تلك المشاعر، نعم قد تتعاطف مع الجنود الألمان صغيري السن وما حدث، لكن من وجهة نظر أخرى ما حل بخراب في أوروبا والعالم بتلك الفترة بدأه الألمان أيضا، تلك المشاعر نقلت إلينا من لحظات الفيلم الأولى.
المخرج سيأخذنا بعد ذلك إلى الجنود الذين يبدون صغار السن للغاية خائفون جائعون وتائهون كليا، ربما جابوا أوروبا كغزاة لكنهم في النهاية مجرد أولاد هكذا صورهم المخرج لنا.
لم تكن فكرة جديدة من أي نوع، الأيام الأولى بعد نهاية الحرب، ثم التعبير عن التعاطف بطريقة أو بأخرى من وجهة نظر كل شخص، السينما عامرة بهذا النوع من الأفلام قصة أسير الحرب.
ما قدمه الفيلم وكان مختلفا أن يقدم الشرير على أنه شخص يجب التعاطف معه أو على الأقل صغار السن منهم، في المقابل تجد أنه من الصعب أن ترى أي من هؤلاء الأولاد الذين يجب أن تتعاطف معهم أثناء الحرب سوى عدو نازي سيحرق الأرض.
فيلمنا هنا يتبنى قصة عن أسير الحرب الألماني الذي عمل كمنقب عن الألغام واستخراجها من الأرض وتفكيكها، ونقابل شخصيتنا الرئيسية الرقيب الدانماركي كارل ليوبولد راسموسين.
مع مرور الوقت سنتعرف أيضا على شخصية أخرى هو الفتى الصغير سيباستيان شومان ذلك المجند الألماني الذي تشعر معه وعلى الرغم من صغر سنه إلا أنه قائد لمجموعته بالفطرة.
المخرج يجعلنا بدوره مع الوقت نعي حقيقة أن هيتلر قام بتجنيد هؤلاء الأطفال في الأيام الأخيرة من الحرب وبالتالي لا طائل لهم في جني ثمار الدمار بدلا من المجرم الحقيقي الذي تسبب بها.
وأيضا عدائية راسموسين تتحول إلى عقلانية تنتقل بدورها إلى المشاهد الذي سيدرس الأمر بعناية مع تطور الأحداث لندرك أننا أمام دراسة كاملة لوضع ما بعد الحرب من منظور مختلف، وجهتا نظر يتصارعان بدورهما وفي النهاية ستفوز الإنسانية لكن بعد عدد من المشاهد الحزينة التي سيتعاطف أيضا معها المشاهد.
من السهل أن ندرك لماذا يعد فيلم Land Of Mine واحدا من ضمن 5 أفلام أخرى تتنافس على أوسكار أفضل فيلم بلغة أجنبية، إنه فيلم رائع أخر عن الحرب العالمية الثانية مدفوع بمشاعر واضحة ويطالبك بأن تدرس وجهتي النظر، الفيلم قاسي بعض الشيء في عديد من الأشياء لكن تلك هي الحقيقة دائما إنه يقدم لنا درسا تاريخيا بطريقة مختلفة.
قد تشعر بالملل لكن تلك الحالة أيضا ضمن حالات الفيلم يجب أن تشعر بهؤلاء الذين اعتقدوا أنهم في دائرة لا تنتهي أبدا من الأعمال السيئة التي تؤدي لحتفهم دوما ومع عدد من مشاعر الإحباط والحزن يأتي ضوء الأمل في النهاية وإن كان ضئيلا.
في نهاية المطاف نصل للتصور الدائم المعروف عن أفلام الحروب وأسراها، الحرب جحيم سواء في الأفلام أو الحياة، ودائما النتيجة أن الإنسانية والعقلانية هما الأفضل في هذه المواقف مع بعض القتال من أجل الحياة، تلك النوعية من الأفلام تراهن دوما على الفوز بجائزة ما وبكل تأكيد لن أتفاجئ إن فاز بالأوسكار هذا العام.