من بين خمسة أفلام مصرية تتنافس على جوائز مسابقة المهر الطويل في الدورة الثالثة عشر لمهرجان دبي السينمائي الدولي (7-14 ديسمبر)، يمكن اعتبار "مولانا" لمجدي أحمد علي هو الفيلم الأكبر والأكثر جذباً للإعلام؛ فهو الفيلم الوحيد لمخرج متمرس صاحب تجربة بينما ثلاثة من المخرجين الآخرين صنعوا فيلمهم الطويل الأول وأخرى تقدم فيلمها الثاني، وهو الفيلم الذي يمتلك أكبر عدد من النجوم بمشاركة عمرو سعد ودرة زروق وريهام حجاج وأحمد مجدي بخلاف ضيوف الشرف، بالإضافة لكونه مأخوذاً عن رواية ابراهيم عيسى الأكثر مبيعاً والمرشحة لجائزة البوكر.
قيمة المشروع جعله الفيلم الوحيد من أفلام المسابقة الذي نظم له المهرجان مؤتمراً صحفياً موسعاً بخلاف اللقاءات الصحفية المعتادة لباقي الأفلام. مؤتمر كانت الكلمة العليا فيه لمضمون الفيلم/ الرواية من قضايا شائكة ترتبط بحياة الشيخ حاتم (عمرو سعد في أفضل أدواره على شاشة السينما)، الداعية الذكي والمفوّه الذي تصعد شعبيته سريعاً ويغدو نجماً تلفزيونياً، ليجد نفسه فجأة متورطاً في عدد من قضايا الدولة السياسية ذات البعد الديني.
التطرف الديني، تسليع الفضائيات للدعوة، فساد شيوخ المؤسسة الرسمية، الرقيق الأبيض وملك اليمين، دعاوى المد الشيعي والتضييق على الصوفية، التنصير وتغيير الأديان، وبالطبع علاقة أمن الدولة بالدعاة. كلها قضايا يمر بها الشيخ حاتم في مسار حكايته، بتعمق أحياناً وتسطيح أحياناً أخرى، مع الاحتفاظ بخفة ظل واضحة في الحوار الذي كتبه ابراهيم عيسى والمستلهم بالأساس من حوار الشخصية في الرواية.
بين البناء واليوميات
فيما سبق تكمن أولى مشكلات فيلم "مولانا" والمتمثلة في الإخلاص للنص الأدبي ومحاولة تقديم أكبر قدر ممكن من أحداث الرواية على الشاشة. لا جدال أن الموضوعات المذكورة كلها بالغ الأهمية يستحق أن يطرح للنقاش على شاشة السينما وصفحات الروايات، غير أن ما تسمح به مساحة رواية تمتد لأكثر من ستمائة صفحة يختلف كثيراً عما يجب أن يحتويه فيلم زمنه ساعتين.
كلمة السر عندما يتعلق الأمر بالسينما ستكون هي البناء، الاحتفاظ بما يخدم البناء الدرامي لتطوير الخط الرئيسي وشخصية البطل، والاستغناء عن كل ما يخرج عن هذا المسار مهما بلغت طرافته أو أهمية موضوعه بشكل مجرد. هذا التوازن يصعب أن نقول أن الفيلم قد نجح في تحقيقه لاسيما في نصفه الأول، الذي يبدأ برحلة صعود درامي سريعة جداً لا نكاد نعلم فيها شيئاً عن خلفية هذا الداعية الشاب (بخلاف لهجته الريفية وملابسه الأزهرية)، قبل أن يتوقف مسار الدراما لفترة يمكن وصفها بأنها يوميات الشيخ حاتم قبل بدء المغامرة الحقيقية باستدعاء ابن الرئيس له.
تقديم خلفية الشخصية ليس إلزامياً؛ فللمبدع الحرية في حجب ما يريد من المعلومات حسب رغبته في شكل تلقي المشاهد لعمله، لكن المشكلة تكمن في أن السيناريو يقفز على المعلومات الرئيسية قفزاً بينما يضيع الكثير من الوقت فيما يقل قيمة على المستوى الدرامي. وبمقارنة بسيطة سنجد أن المشهد الذي صوره المخرج في لقطة واحدة لحضور الشيخ حفل زفاف لفتاة أشهرت إسلامها يكاد زمنه يتجاوز الزمن الذي تم خلاله تأسيس علاقة الشيخ بزوجته (درة زروق) وابنه الوحيد.
على المستوى الخطابي تبدو قضية الإغراء لتغيير الديانة أكثر سخونة وجاذبية بالطبع، لكن بحسابات الدراما هذا تتابع يمكن أن يُحذف بالكامل دون أن يختل بناء الفيلم ولو قليلاً، بينما أزمة البطل العائلية أمر مؤثر في فهمنا لدوافع هذا الرجل والأسس التي يأخذ عليها قراراته خاصة فيما يتعلق بأي شيء قد يشعره بالذنب. وقرار الاحتفاظ بمشهد الزفاف مقابل تقديم أزمة حاتم بشكل مبتور هو صورة لما نشير له من مشكلات.
لاحظ أن البتر لا يساوي دائماً الحذف، وإنما يعني أحياناً نقص الإشباع، وهو عيب يمكن أن نسحبه على أغلب العلاقات الإنسانية للبطل طوال الفيلم، فبعض الأحداث والعلاقات موجودة لكن الفيلم يعبر عليها من باب ذكرها، دون أن يتوقف عندها لحظات ليشعر المشاهد بوطأة الحدث وتأثيره على تكوين البطل النفسي. ومجدداً المشاهد الموجودة من علاقة حاتم بزوجته تجعلني أجزم أن المخرج مجدي أحمد علي يمتلك من المواد المصورة ما يمكنه أن يضاعف من تأثير الفيلم عبر الإشباع، حتى لو أدى ذلك لزيادة زمن العرض لعدة دقائق إضافية.
عوامل قوة ونهاية أقل بريقاً
الملاحظة السابقة لا تعني أننا نتحدث عن فيلم سيئ، بل عن عمل كان من الممكن أن يكون أفضل بكثير مما هو عليه. عمل ينطلق من حكاية مثيرة ومهمة ومناسبة تماماً للحظة، يحتوي على شخصية درامية جذابة وصلت إلى ممثل قادر على تجسيدها بشكل ممتاز، حوله عدد من الممثلين الموظفين بعناية فلا نكاد نجد ممثلاً خارج السياق رغم كثرة الشخصيات، يديره مخرج نجح بنسبة كبيرة في تجاوز مشكلة سينمائية رئيسية هي أنها حكاية رجل صنعته ومهارته هي الكلام، والكلام أحد ألد أعداء السينما بالطبع.
مجدي أحمد علي تجاوز هذا المأزق عبر حيلتين، الأولى هي إثراء المشاهد بصرياً وخلق حركة دائمة سواء للكاميرا أو الكادر أو للعناصر داخل الكادر (شكل حركة البطل خلال برنامجه التلفزيوني نموذجاً)، والثانية شارك فيها ابراهيم عيسى بجعل حوار كل مشاهد المواجهات جذاب في حد ذاته، يمكن الاستمتاع به بغض النظر عن موقعه في الفيلم، بل إن قيمة بعض المشاهدة كوحدة زادت عن قيمتها داخل البناء الدرامي الكلي للفيلم.
يتبقى أمر أخير لابد من ذكره حول "مولانا" الذي سنعود إليه في الأغلب عندما يُعرض تجارياً بمقال أكثر تفصيلاً عن فيلم يحتمل الكثير من القول في السينما والأدب والسياسة والدين. الأمر هو أن الحبكة التي حركت الفصل الختامي للفيلم (صراع الدولة والسنة والشيعة والصوفية الذي لن نحرق أحداثه) جاءت أقل بكثير من المطلوب. ففي فيلم يحاول رسم خريطة لتلاعب الدولة بالكروت الدينية من غير المقبول أن يكون سبب الصراع شخصياً قائماً على الصدفة. لكن لهذا وقت آخر لطرحه بالمزيد من التحليل عندما يجد الفيلم طريقه للصالات المصرية، فهو بالفعل عمل يستحق أن يُشاهد ويطرح للنقاش والتأويل.
اقرأ أيضا
خاص- رسالة دبي السينمائي (1): "الآنسة سلون".. افتتاح يغازل الأوسكار مجدداً
خاص- رسالة دبي السينمائي (2): بدايات السينما ومحاضرة صانع "Amy" أبرز ما في اليوم الثاني
بالصور.. تكريم صامويل جاكسون بمهرجان دبي السينمائي