هناك أفلام منذ لحظة الإعلان عن تحضيرها ينتابك الحماس والشغف لرؤيتها، وفيلم "الماء والخضرة والوجه الحسن" يعد واحدًا من هذه الأفلام، فنحن أمام فيلم يشارك فيه نجوم الصف الأول مثل ليلى علوي ومنة شلبي وباسم سمرة وبجانبهم ممثلين تميزوا على مدار السنوات الأخيرة في أعمالهم التليفزيونية كصابرين، وأحمد داود ومحمد فراج ومحمد الشرنوبي، إلى جانب أن الفيلم يحمل توقيع واحد من أهم المخرجين على الساحة السينمائية حاليًا المخرج يسري نصر الله.
التوقعات العالية عادة ما تكون السبب في خيبة الأمل، فالفيلم امتلك جميع مقومات النجاح لكن جاءت المشكلة في القصة والسيناريو، الفيلم فكرة باسم سمرة، والسيناريو والحوار كتبه يسري نصر الله بالتعاون مع أحمد عبد الله. نبدأ بالفكرة التي تدور حول حياة مجتمع لم تقترب منه السينما المصرية لهذا الحد، الفيلم يدور حول "يحيى الطباخ" وأولاده "رفعت وجلال" الذين يعملون مع والدهم في إعداد وتوريد الأطعمة للمناسبات، وهم عائلة ذائعة الصيت في مدينة بلقاس بمحافظة الدقهلية، حتى أن الشارع الذي يقيمون فيه يحمل اسم العائلة "شارع الطباخ" وبيتهم يسمي " لوكاندة الطباخ"، ولكن يرغب "فريد أبو رية" رجل الأعمال وزوجته "أم رقية" شراء الأرض كي يهد اللوكاندة ويبني عليها مشروع غذائي كبير.
هناك العديد من الأفلام العالمية دارت أحداثها حول الطباخين ومجتمعهم وشغفهم بمهنة الطبخ، لكن في السينما المصرية الأفلام التي تعرضت للفكرة لم تقدمها بهذا العمق وكانت أحداثها تدور حول أفكار مختلفة مثل فيلم "طباخ الرئيس"، وفيلم "فول الصين العظيم". وهذا يحسب للفيلم، لكن جاءت المشكلة في الإيقاع والحبكة الدرامية؛ فالجزء الأول من الفيلم لا يحمل الكثير من الأحداث فقط تقديم للشخصيات. فالطباخون يستعدون لتجهيز الطعام الخاص بفرح في القرية، فنرى منة شلبي أو "كريمة" المخطوبة لابن عمها "رفعت" باسم سمرة لكنهما لا يحبان بعضهما فالخطوبة تمت بسبب رغبة الآباء، ونتعرف على "جلال" أحمد داود، الابن الأصغر "لـ يحيي"، الهارب من التجنيد الذي يحاول أن يسافر خارج البلد ولكن تعلقه بكريمة يمنعه. وتظهر "شادية" ليلى علوي، العائدة لتوها من الإمارات العربية المتحدة، والتي يقع في حبها "رفعت" من النظرة الأولى.
صحيح أن يسري نصر الله نجح في خلق حالة عامة من البهجة خلال الجزء الأول؛ فالألوان الطبيعية ولقطات افتراش الطباخين والطباخات الأرض وهم يعدون الأطعمة المختلفة كانت ممتعة بصريًا، وأيضًا مشاهد الاحتفال والرقص في الفرح التي أدتها ليلى علوى ومنة شلبي بمشاركة الفتيات كانت مميزة، لكن كان يمر الوقت دون حدث قوى يجذب الانتباه، على عكس الجزء الثاني الذي تتضح فيه خطوط القصة والصراع بعد وفاة الأب.
التمثيل الجيد أهم ما يميز هذا الفيلم، فهو يشهد عودة حميدة للممثلة ليلي علوي إلى السينما بعد فترة غياب امتدت لأكثر من 8 سنوات منذ أخر أعمالها "ليلة البيبي دول"، فجاءت شخصية شادية قريبة إلى القلب وهي ترقص أو وهي تحاول إخفاء حبها لـ"رفعت" بسبب خوفها من تجربتها السابقة وأيضًا اختلاف المستوى التعليمي والثقافي بينهما. وظهرت منة شلبي في دور "كريمة" الفتاة المرحة التي تضحك دائمًا وتتابع الجميع من بعيد وتراقب الأحداث فتعرف أنك رأيتها من قبل وأن هذه الفتاة متواجدة في كل مكان.
يعد الفيلم التعاون السابع بين المخرج يسري نصر الله والممثل باسم سمرة، ولكن جاء دور "رفعت" مختلفًا عن ما قدمه باسم سمرة في أعماله السابقة، فـ"رفعت" رجل حنون يظهر ذلك في جميع تصرفاته فهو عندما ينظر إلى "شادية" بإعجاب، أو يعد لها طعامها المفضل تشعر بأنك تسمع دقات قلبه. كما تميز "شرنوبي" في تقديم شخصية المغني الهاوي "عاشور"، ويعد الدور فرصة له لإظهار قدراته الغنائية إلى جانب التمثيلية.
الأزياء التي صممتها غادة وفيق كانت ملفتة للانتباه، فكل شخصية ارتدت ما يتناسب مع طبيعتها وواقعها الريفي، عدا شخصية "أم رقية" التي قدمتها صابرين، فجاءت الملابس مبالغ فيها بعض الشيء وأقرب لطبيعة الملابس الهندية.
"الماء والخضرة والوجه الحسن" من إنتاج أحمد السبكي، الذي ينتابك القلق عندما ترى اسمه، في بعض الأحيان، خوفًا من أن يكون الفيلم تجاري فقط، ثم تتذكر أنه من أنتج أفلام "الفرح" و"كباريه" و"من ضهر راجل"، فتأمل أن يكون الفيلم الجديد على نفس المستوى بل أفضل خاصة مع وجود الأسماء المذكورة، والحقيقة أنك لن تشعر بوجوده المعتاد في الفيلم سوى المشهد الذي تظهر فيه الراقصة وبصحبتها المغني محمود الليثي، صاحب الظهور الدائم في أفلام السبكي، ويقدمان معًا أغنية تستمر حوالي 5 دقائق، تجعلك تشعر أن الفيلم حائر بين سينما يسري نصر الله وأحمد السبكي.
في النهاية، الفيلم واحد من الأفلام المميزة في هذا الموسم الصيفي، ينقل طبيعة الريف والحياة الاجتماعية لفئة من المجتمع بصدق وواقعية، إلى جانب أنه غني بالمشاهد البصرية حيث خضرة الحقول والعديد من الوجوه الحسنة.