هل تحدد الأدوار التي قدمها الفنان مصيره؟ أم هي مجرد مصادفات قدرية تبعث على الدهشة لا أكثر، هل يمكن أن يكون دور قدمه الفنان في حياته هو تنبؤ بمصيره الفني والإنساني؟ كل هذه الأسئلة أثارها قرار إعتزال الفنان يوسف فوزي بسبب إصابته بالشلل الرعاش.
صدفة
يوسف فوزي قدم خلال مسلسل "أوبرا عايدة" (٢٠٠٠) للمخرج أحمد صقر ومن تأليف أسامة غازي، وجسد فوزي شخصية دكتور جلال عوني الجراح الفذ القاسي الذي يتقاعد عن الطب لإصابته بالشلل الرعاش ويعتزل العالم، وهو ما حدث له في الحقيقة بعد ١٦ عاما.
يوسف فوزي ولد في ٨ فبراير عام ١٩٤٥ لأب مصري كان يعمل في قسم الصوت باستديو مصر و أم بريطانية، وتخرج من كلية التجارة جامعة القاهرة ثم سافر واستكمل تعليمه الجامعي في الخارج، وكان أحد دوافع والده للسفر للخارج هو رفضه لفكرة أن يعمل ابنه بالتمثيل في هذه السن، بعدما طلب صديق دراسته المخرج أحمد يحيى منه أن يؤدي دور في احد الأفلام.
خمس سنوات قضاها يوسف في بريطانيا ليعود بعدها إلى مصر والسينما، ليظهر أول مرة على الشاشة بدور في فيلم "اللعبة القذرة" عام ١٩٨١ للمخرج أحمد يحيى، أما دوره الثاني فكان في فيلم "رجال في سجن النساء" عام ١٩٨٢ للمخرج حسن الصيفي ليبدء تكثيف وجوده في السينما عام ١٩٨٣ بثلاثة أفلام وهم "وحوش الميناء" و"عنتر شايل سيفه" و"الغول".
أما عام ١٩٨٤ فكان هو عام الحسم والإنتشار ليوسف فوزي، في هذا العام وحده عرض ليوسف فوزي ١٠ أفلام دفعة واحدة، من بينها "شوارع من نار" و"أنا اللي قتلت الحنش" و"بيت القاصرات" و"فتوة الناس الغلابة" و"المشاغبون في الجيش" و"الطائرة المفقودة" وغيرها.
ولكن ربما أكثر أدواره صعوبة في ذلك العام كان دوره في فيلم "النمر الأسود" إخراج عاطف سالم، والذي قدم به دور رجل ألماني متعصب يضطهد بطل الفيلم محمد حسن لكونه أسود البشرة ولكونه عربي ويحاول مضايقته في كل مكان.
وقبل الخوض في فكرة لماذا هذا الدور هو الأصعب في بدايات يوسف فوزي لابد من الإشارة لما تميز به أداؤه في بداياته، فوزي دخل السينما من منطقة الإرستقراطي الصارم صاحب النبرة القاطعة والملامح الحادة الحازمة، فكان منطقي أن يقع في دائرة أدوار الضابط أو الشاب الارستقراطي.
وربما لهذا اختاره عاطف سالم للدور الذي قدمه في "النمر الأسود"، وصعوبته تكمن أن على يوسف فوزي أن يؤدي أغلب مشاهده بملامحة فقط لا بالحوار، ففوزي لم يتحدث طيلة الفيلم سوى كلمات معدودة وكان عليه أن يبرز الشخصية ودوافعها في معاداة بطل الفيلم من خلال نظرات عينيه وتعبيرات وجه فقط، وهو الأمر الذي يحتاج ممثلا موهوبا، وهذا ما أثبته فوزي في هذا الدور .
البريطاني
السينما المصرية كانت تملك في جعبتها العديد من الأسماء لأداء شخصية الخواجة سواء الخواجة الإنجليزي أو الخواجة اليوناني أو حتى الخواجة الإسرائيلي في المسلسلات والأفلام التي تناول الصراع العربي الإسرائيلي، وهي أسماء محفوظة مثل جميل راتب وحسين فهمي وفؤاد راتب "الخواجة بيجو" وألان زغبي وحمدي السخاوي ويوسف العسال وغيرهم ممن سبقوهم أو لحقوا بهم، ولكن وجود يوسف فوزي على الساحة أفرد له مساحة خاصة به.
في أغلب الأعمال الدارمية التي رصدت فترة الإحتلال الإنجليزي على مصر تجد يوسف فوزي حاضرا فيها كممثل لشخصية إما المندوب السامي البريطاني أو قائد بريطاني، وكان سمير سيف أول مخرج قدمه في هذا الدور في فيلم "شوارع من نار" (١٩٨٤) حينما قدم شخصية قائد بالجيش البريطاني في أحداث الفيلم.
ولكن قمة نضوج يوسف في هذا النمط من الأدوار جاء مع مسلسل "فارس بلا جواد" (٢٠٠٠) من إخراج أحمد بدر الدين، حينما قدم شخصية دكتور إدوارد هذه الشخصية المقنعة التي تدعى التحضر والقيم والنبل وفي نفس الوقت تستغل خبرتها الطبية لإغتصاب وصيفة زوجته.
كما تألق فوزي أيضا في دور المندوب السامي البريطاني في مسلسل "الملك فاروق (٢٠٠٧) للمخرج حاتم على، وربما يعود سر تألق فوزي في هذا النمط من الأدوار بالطبع والدته البريطانية ونشأته و تعليمه في بريطانيا.
الكوميدي
كان غريب أن يتحول ممثل بملامح يوسف فوزي ونبرته إلى الأدوار الكوميدية ولكنه للحقيقة أثبت مقدره عالية على أداء تلك الادوار خاصة مع تقدمه في العمر ودخوله في مرحلة أدوار الأب.
فوزي الذي لم يحتال علينا يوما لينتزع ضحكة، كان كل ما يفعله هو أن يحضر جيدا للمشهد ويحفظ حواره جيدا ويذهب للأستديو لكي يجعلنا نضحك على ما تقدمه شخصيته وليس على شخصه، والفرق شاسع بينهما.
دخل يوسف بتلك الأدوار في منافسة قوية مع حسن حسني ولطفي لبيب، ربما مالت الكفة تجاه يوسف فوزي في الآونة الأخيرة خاصة بعد الأدوار التي قدمها مع أحمد حلمي ومحمد سعد ورامز جلال في أفلامهم.
وفي قمة التألق الذي وصل له ربما متأخرا، يصيبه مرض الشلل الرعاش ليقرر يوسف فوزي الإعتزال بعد رحلة فنية بدأت عام ١٩٨١ واستمرت ٣٥ عاما قدم خلالها ١٥٥ عملا فنيا.