فيلم ثقافي 2000
-متآخذنيش، الواحد مش متصور إنه ممكن يوصل لسن حضرتك ويفضل يتفرج على "ثقافي"؟
= ممكن جدا
- ده أنا أموت نفسي!
= يبقي موت نفسك من دلوقتي أحسن
- مش فاهم!!
= السن اللي من حقك تبتدي فيه حياتك وتحقق ذاتك هو سن العشرينات، أنت ليه بقى مسامح في حق نفسك، ومأجل التمرد والزعل من الدنيا لسن الأربعين؟
(فيلم ثقافي | 2000)
مع بداية الألفية الجديدة، والكلام عن مبادرة الإنترنت المجاني والـ 0777، ومشروع كمبيوتر لكل بيت، بدأ ظهور معامل الحاسب الآلي في المدارس، والتي كان مدرس الحاسب الآلي في مدرسة صديقي يجبرهم أن يضعوا أكياس بلاستيكية فوق أحذيتهم قبل دخول "معمل" الكمبيوتر حتى لا تلوث جراثيم أحذيتهم التكنولوجية الحديثة الموجودة في أجهزة تعمل بنظام " الدوس".
تم عرض فيلم "فيلم ثقافي" في دور العرض السينمائي دون أن يحمل أفيشه أي نجم من نجوم شباك تلك المرحلة، ولكن كان وقع كلمة "فيلم ثقافي" مغريا لمن هو من جيل كانت كلمة "ثقافي " تعني بالنسبة له فيلم جنسي أو إباحي.
خاصة أن من عاش تلك المرحلة كان يدرك واقعية الفيلم الشديدة في مغامرة الأبطال الذين يحملون "شريط فيديو لونه أحمر" عليه فيلم إباحي يعتقدون في أن بطلته هي سلمى حايك ومزود بترجمة.
لا أعتقد أن الفيلم حقق إيرادات ضخمة في السينما، ولكن نجاحه وشعبيته زادت مع بدء انتقاله بين الشباب عن طريق الـ Hard Disks والتي كانت الوسيلة الأكثر سهولة لمشاهدة الأفلام قبل انتشار YouTube.
لكن مع ذلك منذ أول مرة شاهدت الفيلم فيها، ولدي شعور أن مخرج هذا الفيلم مخرج مختلف، لم يكن لدي أي وعي سينمائي، ولكنني كنت متعجبا من قدرته على أن يكتب سيناريو يحول قصة عادية ومكررة لشباب يريدون مشاهدة فيلما إباحيا، إلى رحلة مشوقة لهؤلاء الشباب دارت بين منازل مختلفة ومستشفى بل وحتى مسجد وكنيسة وإسطبل مواشي ومقهى وداخل سيارة دون أن تشعر أن الأمر ليس حقيقيا وطبيعيا، بل ومع شدة عبثيته شديد المنطقية.
وكان هناك مشهدا بديعا لإنعام سالوسة في الفيلم مرر فكرة الوحدة الوطنية بذكاء، دون افتعال مشاهد "كليشيه" مثل أن نرى شيخا يحضن قسا أو أن أحمد يتبرع بالدم لصديقه مينا.
حتى شخصية "برايز" التي أصبحت بعد ذلك أيقونة لم تكن غريبة عندما تقف في آخر مشهد لها لتقول " العيب في النظام ..العيب في النظام يا كوركات".
سيقول الناس لاحقا إن المخرج كانت لديه قدرة على استشراف المستقبل لأسباب مختلفة، لا أتفق مع ذلك، إلا لو كانوا يقصدون أن ظهور روبي في آخر الفيلم في دور ثانوي كطالبةـ كان توقع أنها مستقبل "الثقافة" لجيل الألفية الثانية.
ليلة سقوط بغداد 2005
- أنت عارف أنت بتطلب مني إيه؟ أنت بتطلب مني الحق ناس سابقانا بـ 100 سنة ضوئية، ولا مش واخد بالك؟ وبعدين أجيالكم كانت فين والفرق ده عمال يوسع؟ ولا سايبنا إحنا نضيقه بعد ما بقي في وسع المجرة الكونية. ولا أنتم مش مدركين أنكم مسلمينا الراية عاملة كده، عاوزينا نرفعها بقدرة قادر تبقي كده!
(ليلة سقوط بغداد | 2005)
عندما شاهدت فيلم "ليلة سقوط بغداد" أثناء عرضه في المهرجان القومي للسينما 2005 كانت المرة الثالثة التي أشاهد فيها الفيلم، إلا أن هذه المرة كانت هناك ندوة لمناقشة الفيلم بعد عرضه يحضرها المخرج، وبصرف النظر عن عبثية الندوات الفنية في المهرجانات المصرية، والأسئلة الكارتونية التي تسأل، كان لدي فضول أن أري محمد أمين، مخرج ومؤلف الفيلم، وهو يتحدث عنه، خاصة أن فيلمه الثاني لم ينجو من "الكلاشيه" الصحفي أنه مخرج "أبيح" يلجأ للجنس كإطار حتي في فيلمه الثاني.
الصدمة كانت بالنسبة لي في شخصية مخرج الفيلم الذي يوصف بأنه تعريف كلمة "مهذب"، يجيب علي الأسئلة الساذجة والسخيفة بكل هدوء وتحمل، ولكن بذكاء أيضا.
فهل هناك ذكاء أكثر من أن يجيب محمد أمين علي سؤال "لماذا اختار الإطار الجنسي في فيلم يتحدث عن الخوف من الاحتلال الأمريكي؟"، بقوله: "وهل هناك علاقة تعبر عن علاقة أمريكا بالعالم العربي أكثر من أنها علاقة جنسية".
فيما كانت إجابته عن سؤال "لماذا اختصر إنجازات مصر في آخر 30 سنة بهدف مجدي عبد الغني في كأس العالم 90؟"، بأن "تلك كانت آخر مرة واجهنا منافس غربي وحققنا انتصارا من بعد حرب أكتوبر 73".
وعندما حاول السائل أن يزايد عليه بوجود إنجازات أخرى، رد بهدوء: "الكباري والمترو والتعليم ليست إنجازات إنها أساسيات وحقوق وعدم فعلها تقصير وإهمال وليس تحقيقها بإنجاز".
كان من الواضح أن أمين في فيلمه الثاني يؤكد على عناصر مشروعه السينمائي الباحث عن العلم والمتسائل حول المستقبل الذي لا يشغل الناس منه إلا أكل العيش فقط.
لم يكن حضور الفيلم والندوة كبيرا، لأن الفيلم الأهم والأكثر جماهيرية في ذلك المهرجان كان فيلم "ويجا" الذي كان الجمهور ينتظر نجمته دوللي شاهين.
بنتين من مصر 2010
- إحنا في بلد تأكد تماما إنها خلاص ملهاش مستقبل، وكون بقى إن إحنا كويسين وأخلاقنا عالية، دا مش هينقذ الموقف، لأن البلد خلاص اتحطت عالمنحدر ونازلة نازلة.
(بنتين من مصر | 2010)
كان نزول فيلم جديد لمحمد أمين بعد خمس سنوات من آخر فيلم، مبررا قويا لإقناع أحد الأصدقاء بالذهاب لمشاهدته في السينما، وداخل قاعة السينما التي لم يكن يزيد عدد الحضور فيها عن 20 شخصا، كان هناك مجموعة من الشباب يبدو أنهم ضلوا طريقهم ودخلوا هذا الفيلم بتوقع أنه فيلم كوميدي أو علي الأقل فيلم "مناظر"، فكان النصف الأول من الفيلم عبارة عن ضحكات هستيرية و"إفيهات" متبادلة بينهم حول كل مشهد تتحدث فيه "زينة" أو أي ممثلة عن فكرة الزواج أو العنوسة حتى لو كان المشهد "الميلودراما"، الأمر كان مزعجا لأن "الإفيهات" والحوار بينهم يقطع عليك أي قدرة علي التركيز مع الفيلم، ولكن مع العودة من الاستراحة والبدء في التصاعد الدرامي للأحداث في الفيلم ودخول بطلتي الفيلم ومن معهم في صراع حقيقي، بدأ الصمت يخيم على الجميع قلً الكلام والسخرية، وسيطر الهدوء والتركيز علي القاعة ومع توالي الأحداث المأساوية في الفيلم وكأن الفيلم نجح في أن يفرض طرحه السوداوي على كل من في القاعة، وجعلهم يفكرون في مصير الأبطال السيء المشابه لمصائرهم، حتى إنه مع نهاية الفيلم، خرج الجميع من القاعة في صمت ودون أي تعليق، قلت لصديقي إن نهاية الفيلم تجعلك تشعر أنك ستخرج من السينما فتجد بركانا بدأ في الانفجار في وسط البلد.
كالعادة الفيلم واقعي بشدة بالرغم من أنه جمع كل مشاكل مصر في تلك الفترة سواء الدولة البوليسية والتعذيب والهجرة غير الشرعية والبطالة والسكن وغيرها في إطار قصة واحدة عن العنوسة، كل تلك المتنافرات في قصة واحدة ولكن نجح أمين في أن يجعلها منطقية.
شعرت كأن المخرج نفسه مكتئب بشدة وقرر أن يكون الفيلم الثالث له هو الفيلم الأخير، فقرر أن يتخلى عن الخط الكوميدي المميز في أفلامه والتركيز على الواقعية و"الميلودراما" السوداء.
فبراير الأسود 2013
- طب وهنعمل إيه دلوقتي؟
- مافيش جواز لحد المرحلة الانتقالية ما تخلص ونرسى على بر ونعرف، هل مصر هتحب نفسها وتمشي في طريق العلم، ولا هنفضل معفنين زي ما احنا!!
(فبراير الأسود | 2013)
كسر محمد أمين متتالية، لا أظنها مقصودة، وهي أن يقدم فيلما كل خمس سنوات وقدم فيلمه الرابع بعد 3 سنوات، ولكن في وقت تكسرت فيه الكثير من الأشياء فما المانع، يأتي الفيلم الجديد في أجواء ما بعد ثورة 25 يناير، ويعود أمين للخط الكوميدي في فيلم عن الأسرة التي تبحث عن الطريقة العلمية التي تضمن لهم حياة كريمة في مصر، لينتهي الفيلم بأن هناك شيء اسمه ثورة حدث وعليهم أن ينتظروا ما ستفرزه من معادلة جديدة للحياة الكريمة في مصر.
ويبدو أنه حتى هذه اللحظة لم تحسم هذه المعادلة بشكل واضح. إن كان السؤال المبدئي لم يزل مطروحا، هل ما حدث ثورة أم لا ؟!
عودة أمين كانت تحمل كل عناصر أفلامه الأربعة السابقة، ولكن الاختلاف أن قصة الفيلم كانت مثل وقت عرضه ضبابية وغير واضحة، فهي مجرد محاولات ومبادرات وأسئلة، فلم تكن هناك نهاية مؤكدة.
يسرا لم تمنح الأبطال شريط أحمر آخر كما في "فيلم ثقافي"، ولم ينجح سلاح الردع كما في "ليلة سقوط بغداد"، ولم يتأكد أن البطلتين ستظلان في المطار في تأكيد أن عنوستهما لن تنتهي، حتى أن مشهد النهاية كان برمزية كلاسيكية قد تشعر أنها مفتعلة بأن تجلس البطلة بفستان الفرح أمام الـ3 عرسان في انتظار من يكون زوجها.
وتمر الآن 3 سنوات على الفيلم ولا أنباء عن فيلم خامس للمخرج محمد أمين فهل يخرج بفيلم جديد بعد خمس سنوات كعادته، أم سيتطلب الأمر وقتا أكثر من ذلك؟ علينا أن ننتظر.
للتواصل مع الكاتب على "تويتر": @EiadSaleh
للتواصل مع الكاتب على "فسيبوك"