يقول المثل الشعبي إن "البعيد عن العين بعيد عن القلب"، أما في الفن المصري فاخترع النجوم مثلا آخرا أو بدعة أخرى وهي أن "البعيد عن التليفزيون بعيد عن الجمهور"، وهو أمر غير صحيح بالمرة، لأن عددا كبيرا من الذين كانوا نجوما في الدراما صاروا في طي النسيان، لا يتذكر لهم الجمهور سوى الذكرى العطرة أو غير العطرة.
المبدعون المبتدعون لهذه البدعة أصبحوا ضيوفا دائمين على الدراما التليفزيونية كل عام تقريبا، وآمنوا بمبدأ التواجد الدائم المستمر، وإلا فلا نجاح ولا جمهور ولا شهرة ولا مال، بينما وقف آخرون ينتظرون ويحاولون التوازن بين تقديم أعمال سينمائية وتليفزيونية، لكنهم ظهروا وكأنهم راقصين على سلم الإبداع، لا جمهور الدراما شغوف بهم، ولا جمهور الفن السابع يحس بوجودهم، وهؤلاء ربما يكونوا في الدرك الأسفل من الإبداع، لأنهم نجوم لا يعرفون ماذا يريدون بالضبط.
السينما ولاشك عالم ساحر، بشرط أن يكون العمل متقن، يتوازى فيه الشرط الجماهيري والفني، فلا هو متعالٍ على دافعي التذاكر، ولا هو منغمس في خلطة الرقصة والخناقة والأغنية "المهرجان" والألفاظ المثيرة الخارجة.
نجوم كبار يبحثون عن عمل كهذا، لكنهم في خضم الأزمات لا يجدون مثل هذا الثوب المفصل، لأسباب عديدة، أولها ربما يكون ما سبق ذكره من تفضيلهم للظهور على جمهور البيوت يوميا لمدة 30 يوما ("والآن تضاعفت المدة لـ 60 و90 يوما)" في حلقات مسلسلة، دون النظر للمستوى المقدم.
أما السبب الثاني فهو ابتعاد جيل كبار المؤلفين والمخرجين عن الساحة لعوامل بعضها قدرية من وفاة البعض وعدم مقدرة البعض الآخر على العمل بسبب التقدم في السن، وعوامل غير قدرية أبرزها رغبة المنتجين في العمل مع أجيال جديدة من المبدعين بدعوى ظاهرها "تجديد شباب السينما"، وباطنها "الخضوع لرغبة النجوم من ذوي الشلل، والذين يفضلون العمل مع أبناء جيلهم، لأنهم لا يستطيعون العمل مع الكبار لأسباب واهية".
السبب الثالث هو الاستسلام لمقولات غير صحيحة أو غير منضبطة منطقيا، مثل "الجمهور عايز كده"، و"الدنيا اتغيرت"، و"مفيش ورق" وغيرها، فالورق موجود لكنه مختفي ويحتاج إلى منظومة لتأهيله، بينما الدنيا لم تتغير فالذوق العام وعلى الرغم من اهتزازه في بعض الأوقات، إلا أنه على استعداد دائم للتقويم بشرط أن يكون منهجا عاما لا محاولات فردية، وهو أمر يتطلب تدخل الدولة، لا بالمنع أو المصادرة بالتأكيد، ولكن بالعقل والإنتاج.
النجم الكبير محمود عبد العزيز هو أهم من تفتقده السينما المصرية حاليا، كما ولاشك هو نفسه يفتقدها بقوة، منذ سبع سنوات قدم الساحر دورا رائعا في فيلم "إبراهيم الأبيض"، إلا أن ظروف الفيلم نفسها والانتقادات التي نالها بسبب كمية العنف فيه، أضاعت مجهودا كبيرا بذله النجم الكبير في صنع شخصية عبقرية كانت لتكتب في تاريخ السينما المصرية.
قبلها بعام واحد، قدم عبد العزيز عملا لم يجد الاهتمام الكافي، لا أثناء صنعه ولا أثناء عرضه، وهو "ليلة البيبي دول"، حيث اكتفى صانعوه بالترويج على أنه آخر ما كتب السيناريست الراحل عبد الحي أديب، دون النظر في المكتوب نفسه، ولا حتى التدقيق في تحويله إلى شريط سينمائي.
المدهش أن النجم الكبير استمر بعيدا عن السينما قبل هذين العملين بنحو 8 سنوات، حيث كان آخر عمل يقدمه هو "الساحر" مع الراحل رضوان الكاشف.
محمود حميدة، هو الآخر يفتقد السينما، برغم أنه ليس بعيدا عنها، فهو قدم العام الماضي 3 أعمال، هي "قط وفار"، و"ريجاتا"، و"أهواك"، بينما يُعرض له حاليا "من ضهر راجل"، وننتظر له عرض "نوارة"، لكنه ولاشك يفتقد لأعمال كـ "بحب السيما"، و"ملك وكتابة"، و"عفاريت الأسفلت"، و"حرب الفراولة".
أيضا لقد آن الأوان أن يقوم النجم الكبير يحيى الفخراني بتقديم عمل سينمائي يليق به وبإمكاناته الكبيرة التي أظهرها في التليفزيون والمسرح خلال الفترة الأخيرة.
أما عن المخرجين، فبعيدا عن جيل الثمانينيات "داود عبد السيد ومحمد خان، وخيري بشارة"، الذي يعمل في ظروف خاصة جدا لا يستطيع أن ينحرف عنها، فإن شريف عرفة، هو المخرج الأبرز في جيل التسعينيات، لازال هو الآخر يبحث عن عمل مثل "سمع هس" و"يا مهلبية يا"، و"اللعب مع الكبار"، و"طيور الظلام".
محمد ياسين ومروان حامد ومحمد أمين وهاني خليفة وغيرهم ممن لهم تجارب مختلفة جيدة في السنوات العشر الماضية بحاجة للعمل المستمر بشرط ابتعادهم عن أمراض الصناعة المذكورة سابقا، في حين ينتظر الجيل الجديد من المخرجين في دورهم الطبيعي لـ"الغربلة" التي تفرز قريبا الغث من السمين.