عندما يقرر أي زوجين من المشاهير صناعة فيلم يقومان فيه بدور زوجين، يخلق هذا تلقائيا لدى المتفرج درجة من الاستعداد والتأهب، للربط بين ثنائي الحياة الحقيقية، وثنائي الشخصيات التي يراها في الفيلم.
وعندما يقرر أشهر وأغنى زوجين في هوليوود، يتوقع لهما الملايين محطة طلاق في يوم ما، بناء على سجل زواج المشاهير، صناعة فيلم يقومان فيه بدور زوجين ثريين، في علاقة مضطربة، يصبح هذا الربط إجباريا في وعي المتفرج، وغالبا -إن لم يكن مؤكدا- ربط متعمد من صناع الفيلم.
"بجوار البحر" أو By The Sea فيلم عن زواج مضطرب، من بطولة أنجلينا جولي وبراد بيت، وهو ما يجعله جدير بمقطع (غالبا) المذكور في آخر فقرة، اذا أضفنا للمعادلة حقيقة أن الفيلم من تأليف وإخراج أنجلينا، يصبح هذا الربط متعمد بشكل مؤكد.
كيف يمكن اذا توظيف أشهر زواج في العالم، في فيلم عن الإحباط والمشاكل الزوجية؟
شاهد- الإعلان التشويقي الثاني لفيلم By The Sea
على العكس مما قد يتوقع البعض، لا تحاول هنا أنجلينا سرد قصة عن ثنائي عادي من العامة، أو تقديم عمل بإسقاط (نحن في النهاية نعيش مثلكم تماما مهما تخيلتم العكس)، وهى نقطة جيدة لأن تأثير حياة النجمين على وعى المتفرج، لن يسمح بهذا، نقطة قررت أنجلينا نفيها عن قصتها مبكرا خلال اللقطات الافتتاحية والعناوين.
الزوجان الأنيقان في سيارة مكشوفة تعكس ثراءهما، مع أغنية فرنسية شهيرة عذبة، عناصر ازداد رونقها بفضل لقطات تعكس جمال الطبيعة في الطريق، في بداية تحمل ملامح واضحة من السينما الفرنسية، وهو ما سيتأكد أكثر وأكثر باقي الفيلم.
الأحداث في السبعينات، الزوجان الأمريكيان في إجازة هادئة لفرنسا، ويقيمان في فندق داخل بلدة صغيرة بجوار البحر. الإطار العام بهذه الطريقة يجعل معدل الخصوصية في أعلى درجة، لا وجود للموبايل والإنترنت بعد من حيث الزمان، ولا احتمالات عالية للاختلاط بمئات البشر من حيث المكان، إطار مثالي لفيلم حميمي عن شخصيتين بالأساس.
سنعرف بعد ذلك أن الزوج كاتب حقق نجاحات سابقا، لكن لم ينجز شىء منذ مدة، وأن الزوجة راقصة سابقة معتزلة. والأهم من كل ما سبق أن الزواج نفسه يمر بمرحلة من الفتور.
هذا الفتور يتحول لتوتر عندما يختلط الإثنان بزوجين فرنسيين (ميلاني لوران وميلفيل بوبو)، يقضيان شهر عسل ساخن، ويقيمان في الغرفة المجاورة. ليصبح أشهر ثنائي مشاهير في العالم، يميل العامة لمعرفة تفاصيل حياته السرية بدرجة من الحسد، خصوصا على المستوى الجنسي، هو نفسه الثنائي المهووس بمتابعة تفاصيل حياة الزوجين المجاورين، بأعلى درجات الحسد، خصوصا في جزئية ممارسة الجنس.
الفكرة تبدو واعدة نسبيا هنا دراميا من حيث الوصف. ماذا لو كان زوجان بهذا الجمال والثراء والشهرة، مجرد ثنائي أخر يمر بنفس الفتور الزوجي؟.. ماذا لو كانت احباطات الزواج والروتين قاعدة ثابتة؟.. ماذا لو كانت متعة الجنس معادلة غير قابلة للاستمرار؟.. لكن للأسف لا ترقى المعالجة لنفس درجة اثارة الفكرة.
اصرار أنجلينا على خلق شخصية الزوجة كامرأة لا تعرف تحديدا ما هى مشكلتها، عنصر جيد. ويعكس درجة صراحة وواقعية، يندر أن تعترف بها السيدات!.. لكن تكرار السرد عشرات المرات لهذة المعلومة، بتكرار مشاهد تتضمن الزوجة الملولة في غرفة الفندق أو شوارع البلدة، والزوج المحبَط الجالس للتدخين بشراهة، أو تكرار الحوارات التي لا تضيف جديد، خلق درجة من الملل لدى المتفرج نفسه.
فارق كبير بين سينما تدشن حالة الملل لدى الشخصيات في ذهن المتفرج، وسينما تدشن حالة ملل للمتفرج نفسه. ويبدو أن أنجلينا أصيبت بهذة العدوى، من السينما التي تحاول هنا ملاحقتها (الفرنسية). السينما المختصة بالكثير والكثير من الحوار والمشاهد الجنسية، والقليل والقليل من الفاعلية والإيجاز في السرد.
اجمالا تتعثر القصة في خلق درجة التعاطف المطلوبة من المتفرج ناحية الأبطال. وتأتي النهاية بتغيير مفاجىء ومؤثر في الأحداث، لكن غير كفيل وحده بانتشال الفيلم ككل.
التعاسة والحزن كتأثير عناصر لا يمكن تدشينها بمجرد تنفيذ مشاهد متكررة لوجة حزين وعيون دامعة. والجنس لا يكفي بالضرورة وحده، لقبول المتفرج بالتكرار دون جدوى أو هدف. ورغم تركيز القصة على شخصية البطلة، لم يصل الفيلم نهائيا بها الى مرحلة المركز المؤثر.
في المقابل تفهم أنجلينا جيدا كمخرجة الطريقة التي يرغب بها المتفرج عادة في مشاهدتها، وتظهر أغلب الوقت في لقطات مقربة أو متوسطة، تعكس جمالها وفتنتها. وهو ما يزداد تأثيره بفضل اختيار السبعينات. الفترة الثرية جدا من حيث الملابس النسائية والألوان والتصميمات والماكياج.
نفس الشيء يمكن قوله عن صورة الفيلم ككل، ومشاهد الطبيعة والبحر وخلافه. هنا في تجربتها الاخراجية الثالثة تتعامل أنجلينا من جديد، مع مدير تصوير يعرف عمله. النمساوي كريستيان بيرجر صاحب التاريخ الطويل في السينما الأوروبية. بعد أن تعاملت سابقا مع الهوليوودي روجر ديكنز في فيلمها الأخير "غير قابل للكسر" (Unbroken). وفي المرتين لا تكفل الصورة رغم جمالها، بتأثير أو معانى مهمة.
وبالطبع امتد مقص الرقابة المصرية لحذف المشاهد الجنسية، التي لن تشاهدها إلا في نسخ الإنترنت. وهو ما يجعل التجربة التي يطرحها الفيلم، تجربة مشوهة ومنقوصة ومعدومة المغزى أكثر وأكثر في القاعات.
"بجوار البحر" عمل طموح، ومن الظلم تصنيفه كعمل رخيص يحاول صُناعه استثمار زواج مشاهير، بنفس الطريقة التي يمكن بها تصنيف أفلام مثل Gigli (٢٠٠٣) بطولة بن أفليك وجينيفر لوبيز أو Shanghai Surprise (١٩٨٦) بطولة شين بين ومادونا. لكن في النهاية لا الطموح ولا النوايا الجيدة، تصنع وحدها فيلم جيد.
باختصار:
التجربة الاخراجية الثالثة لأنجلينا ضمن احباطات العام. داخل الفيلم الممل الفرنسي الطابع الذي تبلغ مدته ١٢٠ دقيقة، فيلم أخر جيد جدا عن ثنائي في زواج مضطرب، لن تزيد مدته عن ٣٠ إلى ٤٠ دقيقة على الأكثر.