رغم انتعاش الساحة الغنائية في الفترة الأخيرة بطرح ألبومات متعددة ومتنوعة، إلا أن إقامة الحفلات في مصر لا زال يعاني من أزمات وعيوب تمنع تطوره وازدهاره، ويسيطر الفقر والعجز على جميع عناصر الحفل الناجح، بداية من المطرب نفسه إلى الجمهور، وما بينهما من عناصر أخرى غائبة عن سوق الحفلات.
منظم الحفلات
هو العنصر الأكثر تأثيراً في منظومة الحفلات، ويتحمل بمفرده معظم عيوب وفقر سوق الحفلات في مصر، بداية من غياب الجانب الفني لدى منظم الحفلات، الذي يتعامل معها كـ"سبوبة"، أو كيف يربح منها دون الاهتمام بأي ربح فني، وهو الأمر الذي جعل الحفلات الضخمة تقتصر فقط على مجموعة معينة من المطربين، الذين تتفق طلباتهم المادية مع أهداف المنظم، وأصبحت الاتفاقات المادية هي معيار إقامة الحفلة، ومع عدم وجود منظمين محترفين في ذلك المجال، أصبح هناك منظم واحد يحتكر المجال، ويتعاقد مع مجموعة محددة من المطربين دون غيرهم.
ينقسم السوق إلى جزأين، جزء يحتكره وليد منصور، المنظم الأشهر للحفلات في مصر، والذي يتولى تنظيم حفلات عمرو دياب وتامر حسني ومحمد حماقي ومجموعة أخرى من المطربين، وجزء آخر غير معروف الهوية، أو تتقاسمه مجموعة من الشركات والأفراد غير المتخصصة في المجال، وتتجه إلى تنظيم حفلات من حين لآخر دون أي هدف منها، ويدخل في ذلك الجزء شركات الإنتاج التي بدأت مؤخراُ اقتحام المجال، مثل شركة "روتانا" التي تتولى تنظيم حفلات نجوم شركتها فقط، أو بالأخص إليسا.
يعتقد البعض أن مهمة منظم الحفل هي تنظيم عملية دخول وخروج الجمهور فقط، ومؤخراً توسعت مهمته لتشمل عروض الألعاب النارية، ومع ذلك يفشل في المهمتين، فالفوضى وأعمال الشغب وصعوبة الحضور والجلوس والخروج حاضرة في كل الحفلات دون استثناء، والدليل حفلات محمد منير وعمرو دياب، التي انتقلت إلى خارج القاهرة لتجنب الفوضى، ولكنها لم تحدث تغييراً سوى نقل الفوضى خارج العاصمة.
جودة الصوت، برامج الحفلة، تسجيلها وتوثيقها ومدتها، هي آخر العناصر التي يهتم بها منظم الحفلات رغم أنها الأهم، فحتى الآن أجهزة ضبط الصوت والنغمات الحديثة لا تستخدم في الحفلات، وهي المسئولة عن الضوضاء والنشاز وتغير صوت المطرب والآلات الموسيقية أو نقائها، وهو ما يمنع فكرة تسجيل الحفلات أو الألبومات الحية وطرحها لاحقاً كما يحدث في الخارج، وتتضح أيضاً أهمية وظيفة مهندس الصوت في المقارنة بين مستوى الحفلات خارج مصر وداخلها.
بعض المطربين يمتلكون "ساوند سيستم" خاص بهم، وهو غير مكلف سواء في الامتلاك أو الإيجار، ولكن فكرة استقدام مهندسين محترفين من الخارج أصبحت أمراً مستحيلاً في ظل سيطرة نقابة الموسيقيين بإجراءاتها الروتينية على عمل الأجانب في مصر.
أديل تغني Hello على المسرح.. هل تختلف جودتها عن النسخة الأصلية؟
تشويش وضعف أجهزة الصوت في حفل محمد منير في أغنية "عطشان"
المسارح والإجراءات
تتواجد المراكز المستقلة وأماكن إقامة الحفلات في مصر بكثرة ولكن بدون استخدام، فبعض الأماكن غير مستغلة حتى الآن، مثل مسارح الأوبرا والأهرامات والصالات المغطاة وبعض المسارح الأخرى كمسرح قصر النيل وحديقة الأزهر والقلعة، وذلك لارتفاع تكلفة إيجارها واستخدامها وعدم تطويرها منذ فترة طويلة، حتى أصبحت غير جاهزة لاستقبال أعداد ضخمة بشكل منتظم ودوري من الجمهور، ولم تستطع المراكز المستقلة والمسارح الخاصة والصغيرة سد فراغها أو النهوض بسوق الحفلات، مثل "ساقية الصاوي"، التي تفرض إدارتها أيضاً قواعد معقدة لإقامة الحفلات، بداية من توزيع الربح وارتفاع إيجار مسارحها، إلى الضوابط الأخلاقية التي تضعها، وانغلاقها على أعضاءها وبعض المطربين مثل علي الحجار.
على العكس من منظمي الحفلات، تعاني المراكز المستقلة والرسمية من قصور في الجانب التجاري لأنشطتهم الفنية، فدار الأوبرا التي تكتفي بحفلات عمر خيرت فقط، لا زالت غارقة في الكلاسيكية التي تفرض نوعية محددة من المطربين والجمهور، وتتجاهل معظم الأجيال الجديدة من الفنانين، بحجة عدم ملائمة طبيعة المكان، ولا زالت تفرض على الجمهور ارتداء الملابس الرسمية في معظم أنشطتها، وتعاني أيضا من الانغلاق على نفسها، بدء من غموض عملية حجز التذاكر لحفلاتها، التي يبدو أنها مقتصرة على فئة واحدة، تحضر دائماً لحضور حفلات مكررة طوال العام، كحفلات مدحت صالح وعمر خيرت ويحيى خليل مثلاً.
الحل السهل والسريع في تنشيط تلك الأماكن، هو فتحها طوال الشهر أمام الحفلات المختلقة، فبدلاً من إقامة حفل واحد في الشهر بتكلفة عالية، وسعر تذكرة مرتفعة لتحقيق ربح، تنظم أكثر من حفل بأسعار منخفضة، لتحقق نفس الربح أو أكثر، والتي قد تثري سوق الحفلات، وتزيد من تنافسيته وتنوعه وجودته، سواء بالتنوع في المطربين والموسيقى، أو تنوع الأماكن والمراكز المتنافسة في برامجها وخدماتها للجمهور، فمثلاً هل سيشهد حفل لأنغام كل شهر نفس الفوضى والتدافع وبيع التذاكر في السوق السوداء في حفلها كل عام؟
هل ستفشل في حشد جمهور لحفلاتها كل شهر أو اثنين؟ بالطبع لا، ونفس الحال أيضاً لباقي المطربين الكبار، ولكن المؤسسات المسئولة عن المنظومة الفنية في مصر تقف حائلاً أمام تنفيذ أو تشجيع ذلك الانتشار والنشاط، لصعوبة استخراج تصاريح الحفلات، خاصة للمطربين الشباب غير المقيدين في جداول نقابة الموسيقيين، وتعدد الجهات المسئولة عن الأمر، مثل الملاهي الليلة والنقابة والجهات الأمنية ومسئولي تلك المسارح، وجميعهم لا يتعاونون لتسهيل مهمة المطرب في الوصول لجمهوره، خاصة إذا كان أجنبياً، والذي يدفع أضعاف ذلك من وقته وأمواله، مقابل ممارسه عمله كمطرب.
المطرب والجمهور
معظم المطربين الشباب لا يعرفون من الأساس ثقافة إقامة الحفلات ولقاءات الجمهور، والتي تعد مهمته الرئيسية وأساس وظيفته، لعدة أسباب أولها عدم تحقيقها ربح ضخم لهم، مقارنة بالأنشطة الأخرى كالبرامج التلفزيونية وبرامج المواهب، بجانب ضعف قدراتهم الفنية والصوتية في الحفلات الحية، إلى عدم وجود مناخ مشجع لإقامة حفلات للمطربين الشباب، لذلك فهو العنصر الأضعف في المنظومة رغم أنه الأول بها، حتى في حقه المادي هو أضعفها، عدا طبعا المطربين الكبار الذين يحصلون على حقوقهم بعد ضمان المنظم وإدارة المسرح ربحهم.
كما يتم حرمان المطرب الصاعد من الحق الفني في فرض شروطه وبرنامجه، كاستقدام أجهزة وتقنيات حديثة، أو تصميم استعراضات حية، أو حتى في إقامة بروفات كافية، وذلك لعدم وجود استدويوهات أو أماكن مخصصة لها، أو توفيراً للنفقات من أجل أجور العازفين.
والجمهور أيضاً لا يُلام على شيء سوى أنه شريك في فوضى الحفلات، كما هو الحال في حفلات منير التي تفسد بسبب تدافع الجمهور، بالإضافة لبعض التصرفات الأخرى كالتصفيق المبالغ به والتشويش على الفرقة والمطرب، خصوصا في الحفلات الموسيقية البحتة، كما في حفلات عمر خيرت مثلاً.
تداخل الجمهور مع مقطوعة لعمر خيرت
غياب المهرجانات
تنخفض أهمية مصر في عالم المهرجانات تدريجياً بسبب سياسة الانغلاق، فمهرجان الموسيقى العربية الأخير، بخلاف انحرافه عن هدفه الرئيسي في الحفاظ على كلاسيكيات الموسيقى العربية، وقع في فخ التكرار والتقليدية، فدوراته كل عام تقام بنفس برامجها، مقارنة بتفوق مهرجانات خارجية أخرى، تخلصت من قيود ذلك المجال، مثل مهرجان "موازين" في المغرب، "هلا فبراير" في الكويت، "جرش" بالأردن، و"قرطاج " في تونس، التي تجدد ضيوفها كل دورة بقياس معدلات الطلب والجماهيرية والأعمال الحديثة لكل ضيف مشارك، مع التركيز على غير المحليين لتجديد برامج الحفلات، بعكس الأوبرا المصرية التي لم تستطع الى الآن الاعتماد على غير مطربيها لإحياء حفلاتها.
استعراضات جينفر لوبيز في مهرجان "موازين" على أنغام أغنيتها On The Floor