جارة القمر، قيثارة الشرق، أرزة لبنان، ألقاب كثير وملايين من العشاق يلبون نداء صوتها كل صباح ومساء. إنها فيروز، أو نهاد وديع حداد والتي تمثل ركنا من أركان أي قصة حب في العالم العربي بأغانيها وفنها، وسر من أسرار عشق العرب جميعاً للهجة اللبنانية والأغاني الشعبية اللبنانية الشهيرة.
ليست فيروز امرأة أو فنانة مثيرة للجدل، بقدر ما هي في الظل دوماً، متخفية وراء مشروعها الفني الجبار، والذي يضم أكثر من ٨٠٠ أغنية، يحفظها مريدوها ويرددونها على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي كعنوان لمواقف حياتهم وقصص حبهم بتصاعدها وانكسارها. فيروز التي في الخفاء، هي نفسها فيروز ذات الوردة البيضاء التي تزين بها شعرها بينما تشدو بأغاني تمس القلب والروح. وفيروز التي ترتدي وشاحاً أبيضاً تغطي به شعرها بينما ترنم لمريم البكر ووليدها.
يقال إن فيروز هي الصوت المسيحي للعالم العربي، بينما تمثل أم كلثوم صوتا إسلاميا عربيا. لكن صوت أم كلثوم الرنان (وللدقة العلمية، كونرالتو وميتسو سوبرانو) لا يستمد قوته من حلاوته، ولا حتى من أم كلثوم كامرأة أسطورية صنعت لنفسها حياة غير حياتها الخاصة، فكسبت حب الملايين وحجهم إلى صوتها وما يثيره فيهم من النفوس، لكنه مشروع كامل قائم بذاته، صنعته هي واستعانت بكبار الملحنين والشعراء لضمان نجاحه، بينما جارة القمر اللبنانية الهادئة صنعت من صمتها وانعزالها لغزا عززته حنجرتها الذهبية ونوعية الأغاني التي اختارتها، وعدم انحيازها للحكام والرؤساء على حساب الغناء للقضية والمدينة والروحانية بمعناها الرحب. على رقة صوت فيروز مقارنة بصوت أم كلثوم العميق، يبدو صوت فيروز غير مجنسن، يستمع إليه المرء فيحلق في آفاق الحب الرحبة والرومانسية والخيال، بينما صوت أم كلثوم مجنسن للنخاع، وليس بمستغرباً آهات النشوة التي كان يطلقها الجماهير بينما هي تتأوه وتغني قصيدة "الأطلال"، بينما فيروز تقف على المسرح جامدة وتغني دون اعتمادها على لغة الجسد.
عالمية صوت فيروز تأتي كونه صوت اهتم بما فوق المادة، سما بالروح ووضع مستمعيها في حالة من التحليق. ربما لهذا قال البابا تواضروس الثاني، بابا الكنيسة القبطية الأرثوذكسية الـ١١٨، إنه يحب الاستماع إلى فيروز كون صوتها "روحاني ووطني وصلاة وكل أغانيها رصينة".
فيروز هي صلاة الفن، وصوت خالد على مر العصور. هي مشروع الأخوين رحباني الذي شكل وجدان الشعوب العربية ومازال يساعد على بناء أهواءهم على اختلافها. في هذا المقال، نحاول استعراض سبب عالمية وفردانية صوت فيروز، وسر قدرته على البقاء مهما تغير الزمن.