هي ابنة عائلة فنية، فوالدتها هي الفنانة القديرة آمال زايد، وخالتها هي الفنانة جمالات زايد، كما أن السيناريست الراحل محسن زايد ينتمي لنفس العائلة، والدها كان بعيدا عن الفن ولكنها قررت - حينما احترفت التمثيل - أن تلحق اسمها باسم عائلة والدتها، وهكذا تحولت معالي عبد الله المنياوي - الحاصلة على بكالوريوس التربية الفنية ثم بكالوريوس المعهد العالي للفنون المسرحية - إلى صاحبة المعالي "معالي زايد"، والتي رحلت عن عالمنا في مثل هذا اليوم 10 نوفمبر 2014.
وجاءت بداية معالي تلفزيونية، عندما قدمها المخرج نور الدمرداش للمرة الأولى في مسلسل "الليلة الموعودة" في 1978، لتبدأ رحلة فنية ممتعة تنوعت بين المسرح والسينما والتلفزيون، أجادت وأبدعت فيها معالي زايد، فأصبحت خلال سنوات قليلة واحدة من نجمات الشاشتين الكبيرة والصغيرة.
* الوجة الأول: "كريمة"
في سنة 1985 قدم المخرج عمر عبدالعزيز من تأليف فراج إسماعيل "فيلم الشقة من حق الزوجة"، من بطولة محمود عبدالعزيز، ومعالي زايد، وعبد الله فرغلي، وجورج سيدهم، ونعيمة الصغير، والذي جاء في إطار اجتماعي كوميدي ليناقش قضية اجتماعية بسيطة ومعادة، حول الزوجين المحبين اللذان تقهرهما ضغوط الحياة اليومية، ليجدا أنفسهما أمام حب على وشك الموت، إضافة إلى الأهل الذين يصبح لهم دورا سلبيا في تفاقم الأمور.
وكان عمر عبد العزيز في حاجة أولا إلى "ثنائي" يقنع المشاهد بهما أنهما يشبه هؤلاء المارين في الشوارع كـ "ثنائي شديد المصرية"، ولذا كانت النجمة الجديدة وقتها معالي زايد هي الاختيار الأمثل ، والتي تفضح ملامحها السمراء مصرية لا غبار عليها، أما النجم محمود عبدالعزيز، والذي كان من فتيان الشاشة منذ نهاية السبعينيات وأوائل الثمانينيات، فكان يمتلك تلك الروح التي تؤهله وتقنعنا بأنه ذلك الشخص الذي يمكن أن يتعرّض لما يتعرّض له السائرون في الشوارع.
بهذه التركيبة والكيمياء التي ظهرت بين "الثنائي" معالي وعبد العزيز، خرج التعاون الأول بينهما خفيفا لطيفا، وعلى الرغم من أن مساحات الأداء التمثيلي لم تكن كبيرة في فيلم يعتبر في الأساس فيلما خفيف الظل، فلا هناك مجال لتقلبات شخصية قوية أو عنيفة أو حادة، إلا أن تلك الخفة كانت ترجمتها على الشاشة أصعب بكثير من ترجمة التقلبات العنيفة التي قد تعاني منها الشخصية في أعمال أخرى، لتخرج من الفيلم بقناعتين هامتين: الأولى أن معالي زايد بالفعل ممثلة خفيفة الروح إلى أقصى درجة، والثانية أنه لابد من عمل آخر يجمع محمود عبدالعزيز بمعالي زايد.
* الوجة الثاني: "سلوى"
في الأول من يونيو 1986 يقدم لنا المخرج والسيناريست الكبير رأفت الميهي واحدة من أجمل "درر" السينما المصرية، فيلما اعتبره الكثيرون واحدا من أهم وأعذب أفلام السينما المصرية في تاريخها، وهو فيلم "للحب قصة أخيرة"، من بطولة يحيى الفخراني، ومعالي زايد، وأحمد راتب، وعبلة كامل، وعبد العزيز مخيون، وتحية كاريوكا.
في هذا الفيلم، والذي قدم مرثية غنائية للحب والموت معا، تقدم معالي زايد شهادة ميلادها الفنية الحقيقية، إذ تجسد "سلوى" ذلك الدور الرقيق والمشحون بكل معاني الحب والخوف من مصير مجهول، إما الانفصال إذا أصاب قلب زوجها رفعت "يحيى الفخراني" ضعف واستجاب لرغبة والدته "تحية كاريوكا" وانفصل عنها، أو استسلم هو لضعف قلبه فمات بسبب المرض الذي أصابه.
وبين الضعفين نجد سلوى تخشى على رفعت حتى من حبها، حتى يضطر رفعت للاتفاق مع صديقه الطبيب على الادعاء بأن التشخيص كان خاطئ، وأن رفعت سليم معافى ليتم رفعت وسلوى قصة حبهما، والتي تكون الأخيرة، ليتبقى الموت فقط، وقدمت معالي في هذا الفيلم شخصية سلوى مثلما أرادها الميهي وأكثر، بل يمكن القول إن معالي زايد أمام كاميرا الميهي تحديدا كانت تتماهى تماما مع الشخصية التي تلعبها، وكانت سلوى هي أول الغيث وأعذبه.
* الوجة الثالث: "فوزية وفوزي"
كان لابد أن يقدم "الثنائي" محمود عبدالعزيز ومعالي زايد عملا فنيا آخر بعد "الشقة من حق الزوجة"، لتأتي هذه المرة بتجربة تحمل بصمات رأفت الميهي، عندما قدم فيلمه الجريء جدا "السادة الرجال" في 6 يوليو 1987، من بطولة معالي زايد، ومحمود عبد العزيز، وهالة فؤاد، ويوسف داوود، وإبراهيم يسري.
في هذا الفيلم أعلنت معالي زايد بثقة عن وصولها لقمة النضج الفني، ففي نصف الفيلم تؤدي شخصية "فوزية" السيدة الجميلة "أم رجلين حلوة" كما كان يقال في الفيلم، والتي تعاني من سيطرة الرجال على كل شيء وصلاحيات الرجال المطلقة في مجتمع ذكوري، بداية من منزلها وزوجها إلى الشارع وصولا إلى عملها، لتقرر أن تقدم خطوة جريئة للغاية وهي التحول لذكر كي تحصل على كل امتيازات الذكور.
تقدم معالي زايد دورا غاية في التعقيد والتركيب، والذي يزداد تعقيده وتركيبه عندما تتحول من "فوزية" لـ "فوزي" في سخرية قوية وصدمة سينمائية صنعها وقدمها لنا الميهي، ليتحدانا جميعا أن يخفي أنوثة كأنوثة معالي زايد تحت ملابس رجالي وشعر قصير، ولكن الأزمة الحقيقية هي أن إخفاء أنوثة فوزية لتخرج ذكورية فوزي المشوهة والمبتسرة. دور أجادت فيه معالي زايد كما لم تجيد من قبل.
* الوجة الرابع : "أدارة"
يقدم "الثلاثي" رأفت الميهي ومحمود عبد العزيز ومعالي زايد لنا مرة أخرى فيلما جديدا في 21 نوفمبر 1988، وهو "سمك لبن تمر هندي"، وهو من بطولة يوسف داوود، ومخلص البحيري، وعائشة الكيلاني، وكمال سليمان، وأعتقد أنه ربما بسبب هذا الفيلم التصقت بسينما الميهي ذلك الوصف المجحف غير الموضوعي والمسمى " الفانتازيا".
وبنظرة سيريالية أو بمعنى أكثر دقه فوق واقعية، يقدم الميهي فيلمه الجديد مع معالي زايد ومحمود عبدالعزيز، والذي يتناول فيه ما سمي بعد ذلك بـ "العولمة" وسيطرة الأجهزة الامنية على مجريات الأمور في دول العالم، وأيضا لم يفوت الميهي تقديم لمحات شديدة الذكاء، كمشهد محمود عبد العزيز وهو يبشّر بالحرية بين الناس، لنكتشف أن جميع من يسانده ويستمع له من رجال المباحث، وهي إسقاطة شديدة الذكاء.
تقدم معالي زايد دور "أدارة" زوجة "أحمد"، والتي تجد نفسها مع زوجها ضحية لجهاز أمني دولي يعد عليها أنفاسها، لتبدأ رحلة من المراوغة والهرب في إطار سيريالي كوميدي، لتقدم معالي زايد دورا يمزج بين الخفة والقدرة على التنقل بين الحالات التي تعيش فيها الشخصية بسهولة، لتبرهن أنها ممثل واسعة الحيلة أيضا إضافة إلى موهبتها.
* الوجة الخامس : "درية"
مرة أخرى مع "الثلاثي" رأفت الميهي ومحمود عبد العزيز ومعالي زايد، وهذه المرة في فيلم "سيداتي آنساتي"، والذي عُرض في 2 يوليو عام 1989، ويشارك في بطولته عبلة كامل، وصفاء السبع، وعائشة الكيلاني، وأشرف عبد الباقي، ويوسف داوود، ومخلص البحيري، في تشريح اجتماعي شديد القوة والجرأة كما اعتدنا من الميهي، عن طريق أربعة آنسات يقررن الزواج من رجل واحد في صرخة في وجة نظام اجتماعي.
المميز في الفيلم بعد الفكرة والسيناريو والإخراج والحوار أنه يشهد معركة تمثيل حامية الوطيس بين أبطاله، فكانت عبلة كامل ومعالي زايد وصفاء السبع وعائشة الكيلاني إضافة إلى محمود عبد العزيز وأشرف عبدالباقي في مباراة تمثيل، وربما تكمن صعوبة شخصية درية في أنها شخصية "فعل ورد فعل" في الوقت نفسه، فهي القائدة والمفكرة بين صديقتها، وفي نفس الوقت رد فعل لأفكارهن، فكيف تستطيع السيطرة عليهم دون الوقوع في فخ افتعال أو تعالي، إضافة إلى السيطرة على مشاعر واحتياجات درية نفسها، فكان الدور بالفعل يتطلب موهبة كبيرة، إضافة إلى حرفية عالية لتحقيق توازن مطلوب بين الشخصية، فلا تستطيع أن ينتهي الفيلم لتخرج رافضا الشخصية، أو غير متعاطف معها، وكل شخصيات الفيلم كتبت بشكل أساسي كي يتعاطف معها الجمهور، فالشخصيات جميعا ضحايا بشكل أو بآخر لنظام اجتماعي مشوه.
* الوجه السادس: "نعيمة سيد الغريب"
في سنة 1989 تعود معالي زايد للعمل مع نور الشريف، ولكن هذه المرة أمام كاميرا المخرج عاطف الطيب لفيلم من تأليف أسامة أنور عكاشة، ضمن مساهماته السينمائية القليلة، وهو من بطولة ممدوح عبدالعليم، و شوقي شامخ، وعبد الله مشرف، وأحمد خليل، وعلا رامي.
وتقدم معالي زايد هذه المرة دور "نعيمة الغريب" ابنة "سيد الغريب" زعيم المقاومة الشعبية في السويس إبان حرب أكتوبر 1973، والذي يُقتل على يد الصهاينة، ويظن الجميع أن من وشى به هو مندوب البنك "حسن عز الرجال"، والذي يتم الحكم عليه بالسجن المؤبد، ليخرج من بعدها ليجد أن الجميع في انتظاره، فالشرطة تتبعه كي يُخرج الأموال التي من المفترض أنه اختلسها، ونعيمة التي تسعى للثأر منه لمقتل أبيها وشقيقها بسبب وشايته، إضافة إلى سارقي الأموال الحقيقيين للاطمئنان أن هذا الملف أغلق للأبد.
في الفيلم تقدم معالي تحولات الشخصية بسلاسة ويسر من رغبتها الصادقة في الثأر من غريمها حسن عز الرجال، لرغبتها في معرفة الحقيقة، ثم التحالف والتعاطف، وربما الحب أيضا لحسن عز الرجال، انتقالات ربما إذا أدتها فنانة أخرى كانت وقعت بسهولة في فخ المبالغة أو الادعاء، إلا أن معالي زايد استطاعت بحرفية عالية أن تتنقل بين مراحل الدور بسلاسة تُحسد عليها.
* الوجة السابع: "غصون"
يواصل "الثنائي" محمود أبو زيد وعلي عبد الخالق سلسلة أفلامهما، ولكن هذه المرة مع أحمد زكي ومعالي زايد في فيلم "البيضة والحجر"، والذي عُرض في 26 إبريل 1990، وهو من بطولة ممدوح وافي، ونعيمة الصغير، وعبد الله مشرف، وصبري عبد المنعم.
الفيلم الذي كعادة أفلام أبو زيد وعبد الخالق انتهج ما يمكن تسميته اصطلاحا بـ "السينما الإصلاحية" لم يفرد مساحة لشخصية "غصون" أو معالي زايد، بل أن اسم الشخصية نفسه لم يرد على لسان الأبطال إلا مرة وحيدة في لقطة سريعة، وعلى الرغم من تسيّد أحمد زكي بشخصيته "مستطاع الطاعظي" لمشاهد الفيلم، فجاء ظهور "غصون" مبهجا للغاية، كفتاة شعبية ساذجة وصادقة أيضا بلزمتها الشهيرة "حابس حابس"، لتخرج من الفيلم متذكرا كل تفاصيلها البسيطة، على الرغم من ظهورها القليل في الأحداث ، وهذا يدل على قدرتها كممثلة على استغلال أي مساحة زمنية تفرد لها ولشخصيتها من خلال العمل، لتضع بصمتها بهدوء وبدون جلبة.
* الوجه الثامن: "تيسير"
هذه المرة أيضا مع نور الشريف في فيلم جريء ومهم للمخرج محمد النجار، وهو فيلم "الصرخة"، والذي عُرض في 23 ديسمبر 1991، وهو من تأليف كرم النجار، ومن بطولة نهلة سلامة، ووفاء الحكيم، وعبدالرحيم حسن وغيرهم.
الفيلم الذي اقتحم معاناة الصم والبكم، واضطهاد المجتمع لهم بإلزاق التهم لهم زورا وبهتانا، لمجرد فقط أنهم لا يستطيعون التحدث جاء جريئا بفكرته وطرحها، وإسقاطاتها أيضا وجريئا أيضا في مشهد الانتقام الأخير.
وتجسد معالي زايد في "الصرخة" دورا من الممكن اعتباره شرير، فهي الطبيبة والباحثة التي تقوم بإجراء أبحاث على التخاطب للصم والبكم، ويخضع البطل "عمر" لأبحاثها ولكنها في الوقت نفسه تعاني فراغا عاطفيا واحتياجا جنسيا شديدا يدفعها لإغواء عمر الذي يرفض الاستسلام لها.
ومع رفض عمر ونفعيتها الشديد ورغبتها في الحفاظ على سمعتها، تقوم بتزوير أقواله عندما وقفت أمام المحكمة تترجم إشارات عمر إلى كلمات، لتكون سببا رئيسيا بعد زوجته وصديقتها في الحكم على عمر بالسجن.
دور تنقلت فيه معالي زايد بحرية بين أكثر من منطقة، فمن الدكتورة الخشنة المتعجرفة أحيانا إلى الأنثى التي تثأر لكرامتها ومن نفسها أولا، ثم من "عمر" إلى الأنثي التي تحاول إغواء رجل، إلى فاسدة ليس لديها أي مانع أخلاقي لتلقي ببريء في السجن لمجرد الحفاظ على صورتها، شخصية رغم بساطتها الظاهرية إلا أنها مركبة للغاية، وبرهنت معالي زايد بها مرة أخرى أن بداخلها موهبة كبيرة للغاية تستحق أن تفرد لها مساحات ومساحات لتصول وتجول فيها، لا أن يتم حصرها في قالب الأنثى اللعوب أو المثيرة أو المغرية كما حدث في عدد من الأفلام.