صدق أو لا تصدق، يوسف بك وهبي، كان يعاني في أول حياته التمثيلية. إنها ليست مزحة، أو على سبيل دعوة من هم على طريق الفن للصبر، من أجل الوصول إلى غايتهم الأسمى. إنها الحقيقة نرصدها من خلال رسالتين بعث بهما عميد المسرح العربي إلى المخرج الكبير محمد كريم، عام 1921، الأولى يستجديه فيه كي يجد له فرصة عمل، ليس ممثلا فحسب، ولكن في "أي كوبانية" بحسب تعبير وهبي.
أما الثانية، فبعث بها إلى كريم أيضا، يطلب منه إقراضه مبلغ 1000 ليرة، حتى يفك بها ضائقته المالية.
الرسالة الأولى
هذه الرسالة بعث بها النجم الكبير من ألمانيا إلى المخرج الراحل الذي كان يعيش في روما وقتها. يقول وهبي في رسالته:
عزيزي محمد.. ألف قبلة وسلام،
فرحت جدا لتقدمك في العمل، ولعلي إن شاء الله أسمع بنجاح أعظم وأعظم. وقد كنت أود أن تحضر هنا، ولا أنكر عليك يا محمد أنني أنا أيضا اشتغل في السينما هنا، ولعلك تستغرب ذلك، لكنني سأشرح لك كل شيء عندما أراك.
عندما قرأت خطابك كنت عازما على السفر الليلة إليك، لكنني فضلت إرسال هذا الخطاب إليك، فهل يمكنك يا محمد أن تجد لي شغلاً معك أو في أي كوبانية (المقصود بها شركة، وأصلها في الإنجليزية Company، ولكن المصريين على مختلف مستوياتهم حوروها وحذفوا الميم من نطقها، وأضافوا التاء المربوطة في آخرها لإضفاء الطابع المصري لها، فصارت كوبانية).
أخي هاتفني عند وصول هذا الخطاب في أوتيل Commecie، ولعلك تقدر فرحي لو أمكنني الاشتغال توًا، لأنني الآن بقى لي أكثر من 18 يوما بدون شغل، وأقول لك بصفتك أخي محمد إنني في احتياج للشغل لاحتياجي العظيم للنقود، وأنا على ثقة من أنك ستجتهد في ذلك كأنك تسعى لنفسك، وسأرسل لك بمجموعة من صوري الحديثة، وكن واثقا أني سأبيض وجهك في أي شركة أدخل فيها، وقد نلت هنا نجاحا عظيما، إلا أن الشركة ويا للأسف فقيرة ولا تشتغل الآن، فهيا يا محمد اسع لي لأجيء إليك، ونشتغل معًا، ومنتظر تليفون أو تليغراف بإخباري بالحضور لأحضر لك حالا، ودمت لأعز صديق لك.
يوسف وهبي: الرسالة الثانية
هذه الرسالة بعث بها وهبي عندما كان في بيروت إلى كريم الذي كان أيضا في روما. ويقول فيها أسطورة المسرح العربي:
عزيزي كريم،
أقول لك يا محمد إذ ليس لي صديق إلا أنت، إن حالتي المالية صعبة جدا لأنه حدثت لي كارثة ألزمتني بصرف كل ما عندي، وأخبرك بلا خجل لأنك محمد أخي، وتفهمني أكثر من أي إنسان في العالم.
إن سكني في اللوكاندة ليس إلا نتيجة أن صاحبة البانسيون لم تقبلني بدون نقود، أنا خجل أن أذكر لك كل ذلك، ولكن ليس لي أخ إلا أنت صدقني، ويمكنني أن أصرح له بحقيقة آلامي.
يا محمد أرجو أن تسمح لي أن أرجوك رجاء: هل يمكنك أن تساعدني بمبلغ ألف ليرة لو كان في إمكانك، حتى يرسل لي أبي مصروفي الشهري، وأنا أرسلهم لك، أنا خجل جدًا يا محمد من ذكر ذلك، ولك أن تعلم أن ليس لي أخ في العالم إلا أنت، وإن آلامي مبرحة وأبكي ليل نهار من أجل ذلك، فإن أمكن يا وحيدي فأرسلهم لي بالبوستة، حين وصول هذا، وكن على ثقة أنك تنجيني بذلك من مواقف قتالة من الخجل.
وعلى كل أنا شاكر لك ألف شكر، لو وصلتني الفلوس سأدفع ما عليّ وأحضر إليك في روما وأشرح لك كل ما حدث لي، ولعلك تكون ناجحا إن شاء الله في كل أعمالك، وتقبل من أخيك يوسف آلاف القبلات والمحبة.
بقى أن نذكر أنه بعد نحو 10 سنوات أخرج كريم ليوسف وهبي فيلم "أولاد الذوات"، أول فيلم ناطق في أجزاء منه، وبعدها بسنة أخرج له فيلم "الوردة البيضا"، ثم توالت أعمالهما معا، ومنها "دموع الحب"، و"يحيا الحب"، و"ممنوع الحب"، و"يوم سعيد"، و"رصاصة في القلب".
وأن ابنة كريم، ديانا، كانت قد روت أن وهبي، عندما كان (منتجا) لفيلم "أولاد الذوات"، لم يعط أجرًا لكريم!