عام كامل مر على رحيل واحد من أهم ممثلي السينما المصرية في آخر 10 سنوات، وهو أحد الذين نجحوا بأدوارهم بداية منذ أن كانت صغيرة وحتى أدوار البطولة في حفر اسمهم في قلوب الجماهير وفي تاريخ الفن في مصر، عام كامل مر ونحن نتذكره، فكل مشهد أداه صالح هو إحياء لذكراه وتخليدا لاسمه، والذي أصبح عنوان للتفاني والصبر.. وإليك مقاطع من ملحمة بدايات "الحلوني" خالد صالح:
* ما قبل الحكاية
قبل الحكاية، لابد أن نشكر الناقد الكبير طارق الشناوي على الكتاب الذي قدمه عن الراحل خالد صالح، ضمن مطبوعات مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية في دورته الرابعة، والتي أقيمت في مارس 2015، وحمل عنوان " خالد صالح في الأصل حلواني"، والذي جمع فيه الشناوي المقالات النقدية التي كتبها في أفلام كان خالد صالح جزء من نسيجها، إضافة إلى عدد من المقالات التي كتبها فنانين وكتاب هم مع حفظ الألقاب: صبري فواز، وخالد الصاوي، ولقاء الخميسي، وسلام سفر، وخيرية البشلاوي، وعبد الله كمال، وماجدة موريس، وعمرو دوارة، وأشرف شرف، وعاطف بشاي، وحنان شومان، وعصام زكريا، ومحمد عدوي، وسمير فريد، وعلا الشافعي.
والشكر موصول للفنان والسيناريست ورئيس مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية سيد فؤاد على تنظيمه لندوة عن الراحل خالد صالح، ضمن فعاليات المهرجان، واستضافة عدد كبير من الفنانين للحديث عن الراحل خالد صالح، وكان من بينهم فتحي عبدالوهاب، وإنعام محمد علي، وهشام منصور، وصبري فواز، وأيضا أسرة الفنان خالد صالح.
* المقطع الأول.. "الحركة"
وُلد خالد صالح في 23 يناير عام 1964، والتحق بكلية الحقوق جامعة القاهرة، ومن هنا تبدأ الحكاية، وتحديدا من فريق مسرح كلية الحقوق، والذي كان يضم وقتها عدد كبير من نجوم الفن، مثل خالد الصاوي، وطارق عبد العزيز، وأسامة عبد الله، وهشام منصور وغيرهم الكثير والكثير، لتبدأ حكايات "الحلواني" خالد صالح، الذي وفق ما قاله الفنان هشام منصور والذي كان ممثلا ومخرجا في فريق مسرح كليه حقوق: "دخل خالد إلي فريق المسرح في السنة الأولى، وكنت أكبره، وبهرنا بأداءه وبساطته، وقتها علمنا أننا أمام شاب سيسحب البساط من تحت أرجلنا نحن أبطال الفرقه قريبا، وبالفعل بعد عرض واحد قدم فيه خالد دورا صغيرا أصبح أحد أبطال الفريق".
خالد صالح وخالد الصاوي في صورة نادرة تجمعهما من البدايات
خالد صالح الذي تخرج في كليه الحقوق سنة 1987، خرج وفي جعبته العديد من الجوائز المسرحية، أهمها الجائزة الاولى من الدورة الأولى لمهرجان الفصل الأول في سنة 1984، والجائزة الثانية بالدورة الثانية لمهرجان المونودراما في سنة 1985، ليتخرج خالد من الكلية ويشكل هو وأصدقائه فرقة "الحركة" المسرحية، والتي ضمّت أيضا محمد هنيدي، والسيناريست سيد فؤاد، والفنان صبري فواز، إضافة إلى خالد صالح وخالد الصاوي، وعدد كبير من الفنانين الهواة وقتها، ليحتضنهم مسرح "الهناجر"، والذي أنشأ في سنة 1992، لتبدأ مرحلة جديدة في حياتهم الفنية.
المقطع الثاني.. "الحلواني"
لم تكن حياة خالد صالح مفروشة بالورود على الإطلاق؛ فقد عرف طعم اليُتم صغيرا عندما توفيت والدته وهو في عمر 6 أشهر، ليتبعها والده بسنوات، ويبقى هو في كنف شقيقه الأكبر "إنسان"، بعدها يتخرج خالد صالح ويقضى خدمته العسكرية، ويعمل لمدة شهر في مهنة المحاماة، وبحسب شهادة الناقد الكبير طارق الشناوي فقال إن "إنسان" شقيق خالد سأله بعدها: "هل تريد العمل بالمحاماة؟"، فكان رد خالد قاطعا بـ "لا"، فاقترح عليه شقيقه أن يقوم بشراء كيلو دقيق وكيلو سكر وفانيليا وكل متطلبات إنتاج الحلوى، وعلى أن يقوم إنسان بإعدادها، ويخرج خالد ليطوف بها على المحلات، ليعود بأربعين "طلبية" لتلك الحلوى، وشيئا فشيئا تبدأ تجارتهما في النمو والازدهار، حتى يقومان بفتح مصنعا للحلويات.
خالد صالح وخالد الصاوي في بداياتهما الفنية
وفي أحد أيام سنة 1999، وفي أثناء ما كان خالد يعمل في المسرح بجوار عمله في مصنع الحلويات، فوجئ عندما ذهب للمصنع صباحا بأن شقيقه فصله من العمل، ويروي خالد تلك القصة بنفسه في حديثه الذي أجراه مع الإعلامية منى الشاذلي، بأنه كان يجب عليه أن ينهض في السابعة صباحا ليقوم بفتح المصنع امام العمال، ولكنه كان دائما ما يستيقظ في التاسعة، ويذهب ليجد العمال جالسين أمام الباب منتظرينه، حتي أتى اليوم الذي فوجئ فيه بقيام شقيقه "إنسان" بفصله عن العمل بسبب تكرار تأخره، وأبلغه بأنه جاد في قراره، وأنه يستغني عن خدماته، ليعود خالد إلى منزله، ويقرر أنه سيمنح نفسه فرصه لمدة عامين يتفرغ فيها للتمثيل، وإنه إن لم يحقق شيء خلال تلك الفترة فسيضطر للاستيقاظ في السابعة صباحا كل يوم، ليجد خالد نفسه في آخر هاتين السنتين يقدم مشهده الشهير في فيلم "محامي خلع"، ويثبت للجميع أنه ممثل من طراز نادر.
خالد صالح وخالد الصاوي.. أصدقاء حتى النهاية
* المقطع الثالث.. أول خطوة
خالد الذي عشق المسرح ولمع نجمه على خشبته لم تأتِ بدايته في السينما مثلما كان متوقعا لأحد نجوم مسرح "الهناجر"، إذ1 بدأت مسيرته في السينما والتلفزيون في سنة 1999، وقتها كان يشارك من فرقة "الحركة" 4 ممثلين في مسلسل "أم كلثوم": الأول هو خالد الصاوي في دور مصطفى أمين، والثاني صبري فواز في دور بليغ حمدي، وكانت مخرجة العمل هي إنعام محمد علي، التي - وفق ما روت - بحاجة إلى ممثلين ليقدما دوري مأمون وكامل الشناوي، فاقترح خالد الصاوي عليها أن يرشح لها ممثلين قادرين على أداء الدورين، فوافقت إنعام أن تقوم بعمل اختبار لهما، وبالفعل أتى عضوي الفرقة الآخرين طارق عبدالعزيز وخالد صالح، لتوافق إنعام محمد عليهما.
ومن المعروف عن المخرجة إنعام محمد علي أنها تعيد المشهد أكثر من مرة حتى تحصل على ما تريده من الممثل، وفي المشهد الأول لخالد صالح بعدما انتهى من أداء مشهده، سألها بصوت منخفض: "تمام يا أستاذة؟"، فاكتفت بالإجابة عليه بـ "تمام"، ولم تطلب إعادة المشهد مرة أخرى.
* المقطع الرابع.. المشهد المعجزة
بعدها ظهر خالد صالح في مشهد صغير في فيلم "جنة الشياطين" في سنة 1999، وجسّد في نفس العام شخصية رئيس المخابرات العامة في عهد الرئيس جمال عبد الناصر صلاح نصر في فيلم "جمال عبدالناصر"، والذي لعب بطولته صديقه خالد الصاوي في العام نفسه، ثم قدم دورا صغيرا في فيلم "النمس" في سنة 2000، ودورا آخر في مسلسل "بوابة الحلواني"، ثم دور أكبر في فيلم "خلي الدماغ صاحي"، ولكن عدم نجاح الفيلم كان سببا آخر في تأخير نجومية خالد، ليتسمّر بسببه في تقديم أدوار في التلفزيون والسينما، فيقدم دورا في مسلسل "الرقص على سلالم متحركة"، ودورا في فيلم "كرسي في الكلوب"، ثم تلتقطه عين المخرج رأفت الميهي ليقدم معه فيلم "شُرُم بُرُم"، ثم تأتي النقلة الأكبر مع المخرج محمد ياسين والكاتب وحيد حامد في فيلم "محامي خُلع" وبمشهد واحد فقط.
شاهد خالد صالح في مشهده الوحيد في فيلم "محامي خُلع"
وروى المخرج خالد يوسف أكثر من مرة قصة اختيار المخرج الراحل يوسف شاهين لخالد صالح لأداء شخصية أمين الشرطة الفاسد "حاتم" في فيلم "هي فوضى؟!" في سنة 2007، فأشار أنه رشح خالد صالح للمخرج الكبير يوسف شاهين، ليطلب الأخير أن يشاهد مشهدا له، فاختار خالد يوسف مشهد صالح في فيلم "محامي خلع"، فسأل شاهين خالد يوسف: "أنت عارف المشهد بيقول إيه؟"، فأجابه خالد يوسف بالإيجاب، فطلب منه يوسف شاهين أن يغلق الصوت، وبالفعل شاهد شاهين المشهد صامتا، وبعدها روى لخالد يوسف مضمون المشهد، وسرد له ما يجري فيه تقريبا، لجيبه خالد يوسف بأنه على صواب، ومن هنا وقع اختيار يوسف شاهين على خالد صالح لأداء شخصية "حاتم" في فيلم "هي فوضي؟!".
* المقطع الخامس.. الهدف الأول
قبلها وفي سنة 2004، عُرض فيلم "تيتو" للمخرج طارق العريان، ووقتها وكما يروي الفنان صبري فواز، فكان يصور مشاهد من فيلم قصير كان يعمل به وقتها في المقطم بالقرب من منزل خالد صالح، فتصل به وقال له: "أنا بصور جنبك هنا ما تعدي عليا"، وبالفعل قابله خالد، وأثناء جلوسهما سويا سأله صبري: "إيه أخبار فيلم "تيتو".. سامع عنك كلام جامد؟"، فأجابه خالد صالح وقد لمعت عيناه: "هجيب حتة جون يا معلم كل الدنيا ها تحكي عنه" وقد كان.
بعدها بسنوات، التقى خالد صالح وصبري فواز في أحدي الحفلات، وكان صبري فواز يصور وقتها فيلم "دكان شحاتة"، فقال خالد له: "إيه بقى الكلام الكبير اللى بيقولوه عن "طلب حجاج" ده؟"، فسأله صبري بلهفة: "إيه سمعت إيه قولي؟" فرد: "سمعت كلام زي الفل"، فسأله صبري: "تفتكر هجيب جون أنا كمان؟" فأجابه خالد "أحلى جون بإذن الله".
الغريب أن دور "رفعت السكري" والذي قدمه الفنان خالد صالح في فيلم "تيتو" كان من نصيب فنان آخر في البداية، ولكن بسبب اختلافه مع شركة الإنتاج على الأجر قبل التصوير بيومين فقط تم الاستغناء عنه.
خالد صالح في واحد من أشهر أدواره السينمائية في فيلم "تيتو"
ووفقما يروي أشرف شرف في مقاله "3 أسرار مرة في حياة سلطان الغرام"، فكانت تربط خالد بسليمان عيد صلة صداقة قوية، وبسبب هذا يقوم سليمان بترشيح خالد للدور في فيلم "تيتو"، ويري كلا من المخرج طارق العريان والنجم أحمد السقا مشهده في فيلم "محامي خلع"، فيحددا موعدا معه في اليوم التالي في أحد المسارح الشهيرة بالزمالك، ويحصل خالد صالح على فرصته الأهم، ويحرز أول أهدافه في قلوب الجمهور.
شاهد- خالد صالح في 90 ثانية.. جمل ومشاهد سينمائية باقية في الوجدان