ملخص عرض "ليلة من ألف ليلة" هو أنك ستحصل على جرعة مكثفة من الأزياء الرائعة، تصميم حركات متقن مع باقة من الموسيقى والرقص، وعلى رأس كل هذا جرعة مشبعة من موهبة و "كاريزما" يحيى الفخراني التي لا تفقد بريقها.
نص "ألف ليلة وليلة" لبيرم التونسي والذي نفذ دون تعديل هو نص شعري ممتع لسامعه، ولكنه في النهاية يصنف كـ "أوبريت" فلا تتوقع أن ترى قصة مثيرة ذات حبكة مربكة، هو مجرد قصة بسيطة عن "شحاتة" الشحاذ الذي يدعي العمى، هربت منه زوجته وتركت له ابنتهما "نجف"، وبعد سنوات يقابل الشخص الذي هربت معه زوجته بعد أن اختطف منه ابنه، فيقرر "شحاتة" أن ينتقم، وفي طريقه إلى ذلك يجد نفسه في قصر أحد رجال الخليفة، والذي يكتشف فيما بعد أنه ابن خصمه المخطوف فيقتله، وتتزوج ابنته الخليفة الذي كان يحبها سرا ويقابلها متخفيا في ملابس جنايني.
القصة كما يلاحظ بدائية إلى حد بعيد، ولكن إتقان تصميم المشاهد يجعلك مأخوذا بالجمال لدرجة أنك تتمنى ألا تنتهي.
شخصية "شحاتة" التي يؤديها الفنان يحيى الفخراني تتميز بخفة الظل التي تجعل موهبة الفخراني في الإضحاك تطل من حين لآخر، فهو شحاذ يظن في نفسه الذكاء ولكنه يكتشف أكثر من مرة أنه ساذج ويتم استغفاله.
أدى الفخراني مشهدا كاملا وهو يعصب عينيه قبل أن يكشف للجمهور أنه يدعي العمى، وهو ما يعكس تمكن كبير من خشبة المسرح، كما يعكس دقة تصميم الحركات التي برزت في مشاهد عديدة، كان أبرزها مشهد "الخناقة" التي افتعلها "شحاتة" بين التجار ليسرق بضاعتهم، المشهد كان مرسوما بدقة إلى أبعد حد، سواء حركة التجار وهم يتعاركون أو تكتلهم في ذروة المعركة بشكل يستخدم عدد الممثلين الموجودين في المشهد أفضل استخدام، أو حتى الإضاءة التي تم توظيفها لإبراز الحركة، خاصة عندما ظهر الفخراني وهو يسرق البضاعة على غفلة من التجار المنهمكين في العراك فانفجر الجمهور بالضحك، المشهد حقا بديع.
الديكورات، وإن كان بعض نقاد رأوا إنها كانت كبيرة على المسرح وتسببت في ظهوره أضيق من مساحته الحقيقية، إلا أنني رأيت غير ذلك فالديكور كان من أكثر عوامل العرض إمتاعا، فقد كانت قريبة قدر الإمكان إلى الحقيقية، حتى إن المحلات في مشهد السوق كانت عميقة وممتلئة بالبضائع فعلا، ناهيك عن الممثلين الذين وضعوا في الخلفية لإضفاء مزيد من الواقعية على المشهد وكان أداؤهم طبيعيا إلى حد بعيد، فالمشهد ذكرني بمشهد السوق في مسرحية "ريا وسكينة" والذي كان مصمما بقدر كبير من الحرفية أيضا، وإن كان مشهدنا اليوم فاقه جمالا.
الملابس كانت أمتع وأجمل ما في العرض، سواء ملابس الرجال التي بدت تاريخية فعلا رغم بساطتها المتناهية، وملابس الفتيات التي جعلتهن مجموعة من الجواري الجميلات في قصر الخليفة، وذلك أيضا رغم أنها تشترك مع سابقتها في البساطة، إلا أن ألوانها المبهجة وتصميماتها الناعمة نجحت في نقلك إلى العصور الإسلامية.
هبة مجدي ممثلة جميلة لا شك، ولاءمت الدور بشكل كبير خاصة وأنه دور غنائي وهي تمتلك صوتا رائعا، كما أن ملامحها الناعمة أهلتها لتكون الفتاة التي وقع في حبها الخليفة، وخطبها سرا.
محمد محسن لا خلاف على صوته، لكن هناك أيضا اتفاق على أن روحه في التمثيل أقل خفة من المطلوب، وإن كان على المسرح أكثر قبولا، ربما لأنه كمغنٍ يتعامل مع المسرح أكثر، لم يناسب دور الخليفة، لكن صوته كان ممتعا خاصة وأن معظم المشاهد غنائية، وبقية المشاهد كلامه بها قليل.
يحيى الفخراني، من المؤكد أنه من أكثر ممثلي المسرح تمكنا واقتدارا، لكن من المؤكد أيضا أن من كان مقعده بعيدا عن المسرح حرم نفسه من تعبيرات وجهه الحية، وابتساماته ونظراته العذبة، ولكن الفخراني يعرف كيف يعوض ذلك بقدراته الصوتية الهائلة.
حقا هذا الرجل يمتلك قدرا من القبول حباه له الله ينعكس في كل تفاصيله بدء من ملامحه مرورا بحركته وتماشيها مع جسده الضخم، واستخدامه للأزياء، كل هذا يقع في غرامه الجمهور، وكان هذا واضحا جدا في تفاعل الجمهور مع كل لفتة كان يرسلها حتى ولو غير لفظية، حركة الفخراني على المسرح وكأنها رقص رغم أنها ليست كذلك، بمجرد أن يستخدم نبرة صوته الساخرة تجد الجمهور ينفجر ضحكا مهما كانت الطرفة التي ألقاها، وما إن يبتسم هذه الابتسامة الساذجة يعرف الجمهور مقصده ويستعد لمفاجأة.
لطفي لبيب، ابتهج الجمهور جدا بدخوله خشبة المسرح واستمتعوا بحضرته رغم أنه كان يؤدي دورا شريرا، ورغم أنه لم يظهر كثيرا لا من قدراته التمثيلية ولا الكوميدية، باستثناء بعض حركاته المميزة أثناء المشي مع موكبه، كما أنه لم يشارك في اللوحات الغنائية والشعرية، وكان دوره بالرغم من أنه يعد دورا رئيسا، إلا أنه لم يعط له مساحة كبير من التمثيل.
بقية الممثلين كانوا عذبين في أماكنهم فلم يضيفوا لأدوارهم أو يأخذوا منها، باستثناء ضياء عبد الخالق فهو من الممثلين اللذين لهم طلة مميزة ولو في دور صغير.
العرض بشكل عام خفيف جدا من النوع الذي تفاجأ أنه انتهى سريعا فمدته ساعتان تتضمنان الراحة، ولا تشعر فيه بالملل على الإطلاق، تخرج منه في حالة من النشوة إثر جرعة الجمال التي تناولتها، لكنه في النهاية ليس عرضا عميقا ولن تفكر فيه بمجرد خروجك منه.
مسرحية " ليلة من ألف ليلة " من تأليف الشاعر الراحل بيرم التونسي ومن بطولة يحيى الفخراني، لطفي لبيب، هبة مجدي، سلمى غريب، ضياء عبد الخالق، والمطرب محمد محسن ونجوم المسرح القومي، موسيقى وألحان أحمد صدقي، ديكور محمد الغرباوي، أزياء نعيمة العجمي، تنفيذ موسيقى يحيى الموجي، استعراضات مجدي صابر.