أثناء انشغال المخرج كريستوفر نولان بتصوير فيلمه The Prestige، بدأ ديفيد جوير في العمل على كتابة قصة الجزء الثاني من سلسلة أفلام "باتمان"، على أن يظهر في أحداثه كلا من "الجوكر" و"ذو الوجهين"، وأن يقوم الجوكر في الجزء الثالث بندب ذو الوجهين أثناء المحاكمة.
حينها اجتمع جوير بالكاتب ديني أونيل والرسام نيل آدامز، اللذان قاما بكتابة ورسم العدد رقم 251 من القصص المصورة لـ "باتمان"، والذي حمل اسم The Joker's Five-Way Revenge، ليناقش معهما شخصية "الجوكر" التي ظهرت في هذا العدد كمصدر إلهام لشخصية المهرج الشرير الذي سيظهر في فيلم The Dark Knight.
"الجوكر شخصية مطلقة، ولا يمكن معاملته كإنسان يجمع بين الخير والشر، وله جانب واحد فقط وهو الشرير" – كريستوفر نولان
لكن ولأسباب غامضة حتى الآن، انسحب ديفيد جوير من كتابة سيناريو الجزء الجديد، واكتفى بكتابة القصة، وحل بدلا عنه جوناثان نولان.
والتزم الأخوين نولان بنسبة ليست بالقليلة من قصة جوير، واتفقا على أن يظهر "الجوكر" و"ذو الوجهين" في هذا الجزء، وأن يكون "ذو الوجهين" هو العدو الرئيسي في الفيلم، فيما يتم إعادة تعريف "الجوكر" للجمهور، إذ رغب نولان في أن تكون شخصيته مطلقة، دون أن تُظهر أي جانب من جوانبها أو تاريخها، وأن يظهر في صورة المخرب المفاجئ.
"أي شخص يمكنه أن يصبح كالجوكر إذا تم وضعه في نفس الظروف التى واجهها" – كريستوفر نولان
بدأ كريستوفر نولان وشقيقه جوناثان في البحث عن خيط بداية لشخصية "الجوكر"، واستبعدا أن يستلهماها من القصص المصورة التى استخدمها جوير، وبعد بحث طويل تم الاستقرار على القصة المصورة التى حملت اسم Batman: The Killing Joke للكاتب آلان مور والرسام برايان بولاند، فشخصية الجوكر في تلك القصة المصورة وأسلوب الحديث والكلمات كانت الأفضل بالنسبه للأخوين نولان، ومن هنا بدآ في كتابة الشخصية على هذا الأساس.
وكانت ستأخذ شخصية "الجوكر" منحنى آخر بعد ذلك، إذ قرأ جوناثان نولان في أحد الأيام الأعداد الأولى للقصص المصورة التي صدرت في 1940، والتي ظهرت فيها شخصية "الجوكر" للمرة الأولى، وتم سرد فيها تاريخه وحياته، وهو ما دفع جوناثان إلى اقتباس بعض الأحداث من ماضي الجوكر وإضافتها للفيلم، لكن ما حسم الأمر هو تمسك جوناثان بالشكل "العشوائي" للجوكر.
أما شخصية المدعي العام "هارفي دينت" والذي أصبح فيما بعد المجرم المشوه "ذو الوجهين"، ففسر نولان في أحد اللقاءات لماذا يعتبرها العدو الأساسي لـ "باتمان" في فيلم The Dark Knight:
"العداوة بين "باتمان" و"هارفي دينت" نشأت بين صديقين وبين شخصيتين تؤديان نفس المهمة، فإذا كان باتمان هو "فارس الظلام" فإن هارفي دينت الفارس الأبيض، كما أن التحول في شخصية هارفي كان مثمرا ودراميا للغاية، عكس شخصية "الجوكر" التي لا تستطيع أن توفر له تلك الميزة".
وكان من المفترض أيضا أن تظهر شخصية "روبن" وهو شريك "باتمان" الوفي في محاربة الجريمة في فيلم The Dark Knight، ولكن فضل كريستوفر نولان أن يؤجل ظهوره إلى الجزء الثالث الذي حمل اسم The Dark Knight Rises، وبعد الانتهاء من الشكل النهائي لسيناريو الفيلم، بدأ كريستوفر نولان في عملية اختيار الممثلين للشخصيات الجديدة في الفيلم، خصوصا شخصيتي "الجوكر" و"ذو الوجهين".
واقترحت شركة "وارنر بروس" في البداية على كريستوفر نولان بأن يقوم الممثل الشهير شون بن بتجسيد "الجوكر"، ولاقى هذا الاقتراح استحسانا من نولان، وبدأوا في التفاوض مع "بن" الذي أبدى إعجابه الشديد بالدور، ولكنه اعتذر لأنه لم يرغب في أن يقوم بالدور الذي لعبه من قبله صديقه العزيز النجم جاك نيكلسون في فيلم Batman من إنتاج 1989.
توجهت الترشيحات بعد ذلك لتجسيد شخصية "الجوكر" إلى بول بيتاني، ولاكي هولم، وإدريان برودي، وستيف كاريل، وروبن وليامز، ولكن كريستوفر نولان رفضهم جميعا لرغبته في العمل مع الممثل هيث ليدجر، والذي عندما قام باختبار الأداء لشخصية "باتمان" في الجزء الأول Batman Begins دار حوارا بينه وبين نولان توصلا فيه إلى أنه لا يصلح لدور بروس واين، ولكن سيكون له دورا هاما في السلسلة، وبالفعل وقع الاختيار النهائي على هيث ليدجر لتبدأ مرحلة الإعداد بالنسبة لتقمص الشخصية.
"شعرت بالخوف في البداية، فشخصية "الجوكر" مهمة ويجب أن أقدم أفضل مستوى لدي، ولكن الخوف يمنحني الإثارة والقوة، وشعرت أن لدي شيء مختلف وعلي أن أقدمه" – هيث ليدجر
بدأ هيث ليدجر في الإعداد لـ "الجوكر" من مرحلة اختيار طبقة الصوت المناسبة، إذ أن ليدجر حاول أن يصل لطبقة صوت مختلفة تماما عن طبقة النجم جاك نيكلسون في فيلم Batman 1989، ثم بعدها غادر ليدجر منزله ليقيم في أحد فنادق لندن كي ينعزل عن أهله وأصدقائه، وبدأ في قراءة جميع القصص المصورة المقتبس عنها الفيلم.
وكان أسلوب ليدجر حينها هو قراءة القصص المصورة ثم يغلق عينيه ويبدأ في تأملها ويتخيل نفسه وهو يؤدي بأسلوب "الجوكر"، وبدأ يسجل كل يوم صوته الذي سيؤدي به الدور، ويقارن التطور في طبقة صوته وفي أسلوبه كل يوم، ومنحه كريستوفر نولان الحرية في كيفية التقمص وأيضا الوقت الذي يحتاجه، حتى عاد هيث ليدجر إليه وهو على استعداد تام لبدء التصوير، بعد أن أصبح متمكنا تماما من تجسيد "الجوكر".
"العديد من الممثلين هربوا من دور "الجوكر" بسبب خوفهم من مقارنة أدائهم بأداء جاك نيكلسون، وهيث ليدجر هو الوحيد الذي رغب في هذا التحدي " – كريستوفر نولان
ومن إحدى المواقف الطريفة التي تثبت إتقان هيث ليدجر للدور هو مشهد اقتحام "الجوكر" للحفل الذي أقامه "بروس واين"، وفي هذا المشهد يجتمع ليدجر بالممثل مايكل كاين للمرة الأولى، ولم يكن كاين رأى ليدجر بماكياج الجوكر من قبل، والذي أعده هيث ليدجر بنفسه، كما أنه لم يسبق له أن شاهد أداء ليدجر التمثيلي في أي مشهد في الفيلم.
إقرأ أيضا- 7 حكايات لا تعلمها وراء عبقرية الراحل هيث ليدجر في تجسيد "الجوكر"
وعند دخول هيث ليدجر لمكان الحفل، كان من المفترض أن يقول مايكل كاين جملة حوارية، ولكنه لم يستطع تذكر الجملة الحوارية بسبب انبهاره بأداء هيث ليدجر وبماكياج "الجوكر".
"الفرق بين جوكر "ليدجر" و جوكر "نيكلسون" كبير .. فجوكر نيكلسون كان بلهوان وقاتل وفكاهي نوعا ما ويجعلك تضحك.. أما جوكر ليدجر فهو مختل عقلي مخيف للغاية" – مايكل كاين
العدو الآخر لـ "باتمان" "ذو الوجهين" كان يحظى باهتمام العديد من النجوم لتجسيده في فيلم The Dark Knight، وعلى رأسهم مارك روفالو، الذي قام باختبارات الأداء للدور، ولكن نولان لم يجد فيه الممثل الملائم للشخصية، ووضع نولان قائمة بالممثلين المرشحين لتقديم الشخصية من وجهة نظره، وعلى رأسهم هيو جاكمان الذي رغب في التعاون معه مرة أخرى من بعد فيلم The Prestige، إلا أن المفاوضات بينهما لم تكتمل، كما أن القائمة ضمت أيضا ليف شرايبر، ورايان فيليبي، وآرون إيكارت الذي خطف الدور في النهاية.
"إيكهارت ممثل استثنائي، لقد رغبت في العمل معه في فيلم Memento، ولكن الفرصة لم تكن سانحة حينها، وكان أداؤه في الفيلم عظيما" – كريستوفر نولان
وعن "ذو الوجهين"، فقد وصفها آرون إيكارت بالشخصية الخيّرة بالرغم من تحوله للشر، إلا أن هدفه الأول والأخير كان تحقيق العدالة في مدينة جوثام.
ويقول آرون إيكهارت عن "ذو الوجهين": "هارفي دينت ليس بالشخص السيء، فهو لا يقتل الأشخاص الطيبين، والتشابهات بينه وبين شخصية "باتمان" عديدة للغاية والفروقات قليلة، وكلاهما لديهم نفس الهدف".
وتم تصوير 35 دقيقة من أحداث فيلم The Dark Knight بكاميرات IMAX، وأثناء التصوير تحطمت الكاميرا، والتي كانت بالمناسبة واحدة من 4 كاميرات فقط في العالم.
إقرأ أيضا:
فيلم Following.. المحطة الأولى في رحلة المخرج كريستوفر نولان
فيلم Memento.. المحطة الثانية في رحلة المخرج كريستوفر نولان
المحطة الثالثة.. كريستوفر نولان يلعب مع الكبار في Insomnia
المحطة الرابعة.. كريستوفر نولان ينتشل "باتمان" من الدمار
المحطة الخامسة.. كريستوفر نولان ورحلة البحث عن سحرة The Prestige
وتم عرض الفيلم في السينمات في 14 يوليو 2008، وحقق إيرادات تجاوزت المليار دولار، كما أن الفيلم حصل على جائزتي أوسكار، كأفضل تحرير صوتي لريتشارد كينج، وأفضل ممثل مساعد لهيث ليدجر، الذي توفي قبل عرض الفيلم في السينما بـ 6 شهور إثر تناوله لجرعة زائدة من الأدوية.
شاهد إعلان فيلم The Dark Knight للمخرج كريستوفر نولان
وبعد الانتهاء من تصوير الفيلم، بدأ المخرج كريستوفر نولان في العمل على مشروعه السينمائي الجديد الذي خطط له قبل 10 سنوات، وكان الدخول في عالم الأحلام وزرع الأفكار هي مهمة نولان المقبلة.
وفي تلك اللحظة، بدأ الأخوان كريستوفر وجوناثان نولان في وضع خطة للفترة المقبلة، وكان عليهما أن يتفرقا نوعا ما، إذ أن كريستوفر نولان سيعمل على فكرته Inception وحيدا، أما جوناثان فسيلتحق بالجامعة لدراسة علم الفيزياء والفلك لمدة 4 سنوات، بعد اختياره من قبل المخرج الكبير ستيفن سبيلبرج لكتابة سيناريو فيلم عن الفضاء بصدد إخراجه، وهو الذي عرف فيما بعد بـ Interstellar.