لست من مريدين الكاتب أحمد مراد، بسبب عدم تحملي لأسلوب سرده المهتم بأدق التفاصيل، ولكن نظرا للإقبال الجماهيري الشديد والمستمر حتى الآن على مشاهدة فيلم "الفيل الأزرق"، والمستوحاة أحداثه عن روايته المحققة لأعلي المبيعات، ذهبت لمشاهدته لأفاجأ بمستقبل واعد في انتظار السينما المصرية، وفرصة لابد من استغلالها بشكل جيد.
وعلى الرغم من الإخراج "الأفرنجي" الذي اصطبغ به الفيلم تحت إدارة المخرج الواعد مروان حامد، إلا أن مجرد إقدامه على هذه الخطوة في حد ذاتها تحسب له لسببين، الأول هو إرضاء جميع الأذواق، أما الثاني فلأني أراها فرصة ذهبية لابد من استغلالها مخرجين آخرين للخروج من سجن نمطية الإخراج البدائي والتقليدي الذي نعرفه جميعا منذ بدايات السينما المصرية.
وأحترم في مروان حامد أنه مقل في أعماله السينمائية، لرغبته في تقديم عمل يتذكره الجمهور به، عكس مخرجين آخرين حولوا الفن إلى "سبوبة" وإلى حرفة أكثر منها تقديم فن يحترم عقل المشاهد، ومن يشاهد فيلميه السابقين "عمارة يعقوبيان" و"إبراهيم الأبيض"، فسيدرك ما أقوله حول تدقيقه في كل صغيرة وكبيرة في عمل يحمل توقيعه.
كما برز الإنتاج السخي على الفيلم كي يخرج بهذه الصورة المبهرة، سواء في مؤثراته البصرية عالية التنفيذ، وخاصة في مشاهد "هلوسة" بطل الفيلم عقب تناوله لقرص مخدر "الفيل الأزرق"، أو في صورته النقية، أو في عمليات تحميضه وميكساجه، عكس أفلام أخرى اعتدنا فيها أن نسمع صوت اللكمة بعد المشهد بثوان!
سؤال هام: هل كان أحمد مراد ومروان حامد واضعين في حساباتهم فيلم Shutter Island والذي دارت أحداثه هو الآخر بداخل مصحة نفسية، وشكوك حول إصابة بطله ليوناردو دي كابريو بمرض عقلي، ناهيك عن بعض المشاهد المنقولة بالمسطرة عن فيلم المخرج مارتن سكورسيزي، ومنها مشهد تدفق دماء خالد الصاوي من الحمام، وبعض الجمل الموسيقية التي استعان بها هشام نزيه؟
مازال مروان حامد في حاجة إلى المزيد من الخبرة بشأن التعامل مع الروايات؛ إذ جاء متأثرا برواية أحمد مراد للغاية، إلى حد نقل المشهد الأول للفيلم من الرواية، والذي تناول استيقاظ البطل من النوم، وإن كان ابتعد فيه عن الكثير من التفاصيل المملة لمراد التي لا تهم القارئ في شيء. كذلك في وصف بطل الفيلم "الدكتور يحيى" لبعض الأبطال الآخرين، مثل مديرته بالمستشفى "لبلبة".
جاء اختيار جهة إنتاج الفيلم والمشرفين على "الكاستنج" على الفنان خالد الصاوي للعب دور "شريف الكردي"، المريض في مستشفى الأمراض العقلية، بعد قتله لزوجته موفقا للغاية؛ لاعتياد "الصاوي" أن يتألق في هذا النمط المعقد في أفلام مثل "أدرينالين" و"فادي" شديد العصبية والغيرة على حبيبته في الفيلم الكوميدي "ظرف طارق".
وأصاب الفنان كريم عبد العزيز عندما وافق على تجسيد لدور "الدكتور يحيى"، ليثبت للجمهور من جديد أنه ممثل يسعى للتنوع في أدواره، بتقديمه لدور جديد عليه ومختلف عما قدمه سابقا في مشواره الفني، وهو لطبيب يجد ملاذه في الخمر والمخدرات للهروب من حادث وفاة زوجته وابنته الأليم، ليجيد كريم تقديمه بوعي تام لآلام وأحزان "يحيى".
كذلك يعتبر تجسيد الفنانة نيللي كريم لشخصية "لبنى"، التي تعاني هي الأخرى واقعا أليما بزواجها من رجل يكبرها في الفيلم أمرا سهلا بالنسبة لممثلة اعتمدها الجمهور في رمضان، بعد تألقها بمسلسل "ذات" في 2013، وفي مسلسل "سجن النسا" في 2014، خاصة وأن كلا الدورين مركبين وتطلبا بذل مجهود عصبي بالغ من أجل إجادتهما، ما ينبئ بأن نيللي ستصبح متخصصة في الأدوار المعقدة.
بعدما شاهدت الممثل الموهوب محمد ممدوح في دور "سامح" زميل "يحيى" في المستشفى، السخيف والحاقد عليه، شعرت أنها امتدادا للشخصية التي أمتعنا بها في مسلسل "إمبراطورية مين"؟" في رمضان 2014، كشقيق زوج هند صبري المتسم بالسماجة والأنانية الشديدة، ويبدو أن "ممدوح" سيلزم هذا النمط من الشخصيات طوال مسيرته كممثل، وقد ساعده في هذا ملامحه الماكرة.
فيلم "الفيل الأزرق" تجربة جديدة على السينما المصرية، وكذلك بالنسبة للمشاهد أرجو أن نشاهد مثيلا لها وبكثرة خلال السنوات المقبلة، وإن كان لي تحفظ على مضمون الرواية ذاتها، والتي كانت من أسباب تدافع الجمهور لمشاهدتها على شاشة السينما، وتتناول عالم الغيبيات والمس الشيطاني، وهو موضوع لم أتوقع أن ينال كل هذا الاهتمام من القارئ.
ناقشني عبر Twitter @Ktaha80