أغسطس 1981، يعتلي المخرج ذو الخبرة الواسعة ذلك الكرسي المثبت خلف الكاميرا، تقف في الجهة الأخرى النجمة السينمائية التي أثرت الشاشة في بلادها بأدوارها المميزة، الجميع يشعرون بالإرهاق الذي أنهك أجسادهم وذهنهم بعد يوم تصوير طويل، وحرارة الجو ضاعفت ذلك الشعور، الجميع يشعر بذلك باستثنائه هو، فقد كان تركيزه منصبا على التأكد من أن كل شيء على ما يرام، لذلك لم يجد حرجا أن يعاود برأسه قليلا إلى الخلف ويقول بصوته الأجش الذي يهز الاستوديو عادة: "هايل يا سعاد، بس هنعيد تاني".
مايو 2013، 32 عاما قد مرت على التعاون مع سعاد حسني في الفيلم الشهير "موعد على العشاء"، ولكنه يبقى كما هو، يحافظ على طريقته في العمل، ربما فقد بعضا من ملامح شبابه نظريا، ولكنه في العمل يزداد توهجا، رأسه التي اشتعلت بالشيب صاحبها أيضا اشتعال في موهبته الفذة.
المخرج محمد خان الذي تعاون لعشرات السنوات مع عشرات النجمات، اختار هذه المرة فتاة في بداية مشوارها الفني لتكون بطلة فيلمه، بعدما قرر اختيار الممثلة الشابة ياسمين رئيس لدور البطولة.
خان تحدث عن "نظرة" اعتمد عليها في هذا الاختيار، كما حرص أيضا أن يؤكد على أنه لا يسعى في أفلامه لتوصيل رسائل لجمهوره، وأشياء أخرى كثيرة تحدث فيها مع FilFan.com في الحوار التالي.
شاهد لقاء FilFan.com مع المخرج الكبير محمد خان
لا أقدم رسائل
من الانتقادات التي توجه للمخرج الكبير محمد خان أنه يفضل غالبا تقديم الأفلام التي تعتمد على فقر البطل أو البطلة محور العمل، وأن مجمل الأفلام التي قدمها لا يقدم من خلالها رسائل متنوعة، ولكن خان رد بشكل مختلف هذه المرة على هذا.
وقال خان في هذا الإطار: "يهمني أن يصل فيلمي للجمهور ويتجاوبون معه، وهو ما يسعدني، ولكني لا أسعى لتوصيل رسائل بعينها للجمهور، أقدم شريحة محددة من المجتمع يقرأها المشاهد كما يشاء، مهمتي الرئيسية أن أقوم بتوصيل أحاسيس مؤمن ومقتنع بها، وأرغب من خلالها أن يشاركني المتفرج الأحاسيس ذاتها".
وأضاف بالسياق ذاته: "الفيلم يتحدث عن فتاة فقيرة تعمل في مصنع، وعن مجتمع يقهر مشاعرها عن طريق الطبقية والقيود الاجتماعية، كل ذلك يحدث في مدينة بها ثورة، ولكن الثورة مجرد خلفية للأحداث، وإذا قمنا بتلخيص الفيلم سنرى أنه مجرد قصة حب، ويتحدث عن فتاة قوية الشخصية، تستطيع التحرر بإرادتها، كل ما سبق إذا وصل للمشاهد سأكون سعيد للغاية".
"نظرتي" تحكم
الاعتماد على ممثلة في بداية مشوارها الفني لتكون بطلة لفيلم يخرجه مخرج كبير، قد يكون أمرا فكاهيا بالنسبة للبعض، خاصة مع قلة أعمال هذا المخرج، ولكن محمد خان فعلها.
الدور الذي جسدته ياسمين رئيس في "فتاة المصنع" كان للفنانة روبي في البداية، ولكنها اعتذرت لاحقا عن عدم تقديمه، ليختار خان الممثلة الشابة التي جاءت لتنفيذ اختبارات تمثيل أمام المخرج الشهير، وكانت أقصى طموحها أن تظهر في بضعة مشاهد قليلة من إخراجه.
يقول محمد خان عن هذا الأمر: "اخترت ياسمين رئيس بنظرتي"، رأيتها في العديد من الأعمال من قبل، ورأيت أيضا أنها تستطيع القيام بدور كبير إذا قمنا بتنفيذ بعض الأمور معها، وهو ما حدث، وفي النهاية الدور هو الذي يختار صاحبه".
مخرج ذو رؤية
المخرج محمد خان ليس من نوعية المخرجين الذين يقدمون عملا سينمائيا كل عام، أو حتى عامين، وقد يغيب لأعوام من أجل التحضير لفيلم جديد من إخراجه، عن هذا الأمر حرص خان أن يفسر للجمهور أسباب ذلك.
وقال: "هناك نوعين من المخرجين، الأول مخرج منفذ، وهو يكون في أغلب الوقت مخرج يمتلك احترافية شديدة، يحصل على السيناريو ويحوله لفيلم جيد".
وتابع بالسياق ذاته: "النوع الآخر هو المخرج الذي يحمل رؤية، واتعشم أن أكون أنتمي لتلك النوعية، هذا النوع من المخرجين يتعامل مع الفيلم الذي يثيره، يعيش في جميع مراحل كتابته قبل أن يقوم بتنفيذه، أما النجاح والفشل فهي أمور لا يعلمها أحد، ولكني مقتنع بأن المخرج إذا كان صادقا سيحقق نسبة نجاح بلا شك".
تجارة السينما
المخرج الكبير محمد خان لا توجد لديه أية مشكلات في اعتبار السينما "تجارة"، فهو بالفعل يعتبرها كذلك، ولكن ببعض الشروط، يوضحها في السطور التالية.
ويقول خان في هذا الإطار: "السينما فن وتجارة، هناك رأس مال لابد من استعادته، وهناك أيضا ربح، ولكني لا أمانع أن تحدث فقط استعادة لرأس المال، ولكن ذلك لا يعني بالطبع أن أقدم تنازلات، ولابد أن أحمل بعضا من الوعي تجاه ذلك".
وأضاف: "أزمتنا حاليا هي الاحتكار، فالمنتج أحيانا هو الموزع، وأحيانا أخرى هو أيضا صاحب دور العرض، وهذا ليس وضعا صحيا في كل الأحوال، ومن الأشياء الضارة للصناعة بأكملها، لست ضد أفلاما بعينها لأن السوق يحتاج لجميع الأفلام، ولكن لابد من التعامل بمزيد من الموضوعية مع هذا الأمر.
شدوا الحزام!
في البداية أبدى المخرج محمد خان اندهاشه من هذا السؤال، واستنكر ضاحكا أن توجه تلك النوعية من الأسئلة ولكنه في النهاية قدم بعض الحلول المنطقية فيما يخص أزمة السينما المصرية.
وقال خان: "لابد وأن تزيد عدد الأفلام، وأنا متفاءل في ذلك، الفيلم الذي ينفذ بميزانية قليلة ويكون حاملا لطموح أكبر يكون له مكانا في السوق، مثل فيلم (لامؤاخذة)، وقد أسعدني نجاحه كثيرا، لأنه يمهد الطريق لنجاح أفلام أخرى، وأتعشم أن ينجح فيلمي أيضا، لأنه سيفعل الأمر ذاته لأفلام أخرى".
وتابع: "لابد أيضا أن يقل الجشع، لا يعقل أن تصل ثمن تذكرة دخول السينما لـ 40 جنيها، لابد أن نتعامل مع الأمر بمزيد من الوعي، يقولون لنا (شدوا الحزام)، ليفعلوا الأمر هم أولا"!