وجه الإعلامي باسم يوسف انتقادات شديدة للتيار الليبرالي في مصر، بسبب المواقف الأخيرة لأفراده خلال الشهور القليلة المقبلة.
وجاء ذلك خلال المقال الأسبوعي الذي يكتبه باسم يوسف بشكل مستمر منذ شهور بصحيفة "الشروق الجديد"، والذي حمل اسم "مصر حادفة يمين".
وأبدى الإعلامي الشهير استياءه من موقف التيار الليبرالي في مصر بعزل سقوط حكم الإخوان المسلمين بعزل الدكتور محمد مرسي في 3 يوليو الماضي بقرار من القوات المسلحة، استنادا على مظاهرات شعبية حاشدة طالبت بذلك وبدأت في 30 يونيو.
وقال باسم إنه كان من المفترض أن تنعم مصر خلال هذه الفترة بمبادئ الليبرالية والتي من بينها حرية الرأي، سواء في الإعلام أو السلطة.
باسم يوسف كان قد عاد من جديد لتقديم برنامجه "البرنامج"، وقد عرضت الحلقة الأولى من الموسم الثاني لـ "البرنامج" الجمعة الماضي.
وكانت الحلقة قد نتج عنها ردود أفعال متابينة بسبب ما اعتبره البعض إساءة للفريق عبد الفتاح السيسي والجيش المصري، وكان أكثر من شخص وهيئة مستقلة قد تقدموا ببلاغات للنائب العام بسبب ذلك، وأصدرت أيضا إدارة شبكة CBC بيانا اعترضت فيه على بعض ما تضمنته الحلقة. (التفاصيل)
اقرأ مقال باسم يوسف كاملا:
فى معظم الصراعات السياسية فى العالم نجد أن الاقطاب المتصارعة تكون على طرفى النقيض من حيث الايديولوجية. وعادة تصنف هذه القوى من خلال مفهوم واسع على اساس يمين ويسار.
الولايات المتحدة مثال صارخ على ذلك، فلديك الحزب الجمهورى وهو تجسيد واضح لليمين السياسى، فهو محافظ اجتماعيا ودينيا وكعادة أحزابنا الدينية هنا فالكثير من مرشحيهم يستخدمون النصوص المقدسة من الانجيل ويصفون أنفسهم بالمتدينين بل فى بعض المناطق تؤيد بعض الكنائس بشكل واضح هؤلاء المرشحين.
وفى نفس الوقت هو الحزب الذى خرج منه جورج بوش الاب والابن وريجان وجماعة المحافظين الجدد مثل كارل روف ورامسفيلد وغيرهما. وهو الحزب الذى قاد الهيستيريا التى عاشتها امريكا من خلال الحرب على الارهاب.
هو الحزب الذى يتشدق بالامن القومى ويغرق فى نظريات المؤامرة ويعتبر الجميع أعداء. من أول الامم المتحدة ككل إلى بعض البلاد مثل فرنسا لأنها عارضت غزو العراق فى البداية، فشن نواب الحزب الجمهورى هجوما غاشما على الفرنسيين وتمت اهانتهم فى الكونجرس بل واقترح بعضهم تغيير اسم البطاطس المقلية المعروفة باسم (فرنش فرايز) إلى (فريدوم فرايز) أو بطاطس الحرية.
هم يعتبرون ان معظم الدول تتآمر عليهم ولا يثقون بأحد والكثير من قياداتهم مثل بوش الابن وسارة بالين لم يستخرجوا جوازات سفر الا حين ترشحوا لمناصبهم (خسرت سارة بالين السباق مع ماكين ضد اوباما وجو بايدن).
الحزب الجمهورى يعتبر بالنسبة للكثيرين رمزا للعنصرية وعدم التعايش. ليس فقط بسبب عنصريته تجاه العرب والمسلمين بل ايضا ضد السود ومن هم من اصل لاتينى وضد كل من هو ليس أبيض البشرة ومسيحيا.
اليمين الامريكى هو كل ما يمثل مساوئ الرأسمالية من سيطرة رأس المال وتدليل الشركات الضخمة على حساب المواطنين البسطاء ويقف بشدة مع تخفيف الضرائب على الاغنياء ويشوه خطة التأمين الصحى وخطة زيادة الضرائب على الاغنياء التى يتبناها اوباما لأنها خطط ليست فى صالح شركات التأمين الصحى وعمالقة الصناعة فى امريكا.
على الجانب الآخر هناك اليسار الامريكى والذى يسمى بالليبرالى ولا يمكن أن نصفه بتيار ملائكى ولكن أى شىء يقارن بالحزب الجمهورى يعتبر انسانيا بجانب سياساته التى تتبناها القناة اليمينية الشهيرة فوكس نيوز.
فى مصر وبعد الثورة تباينت الفروق السياسية فكان لدينا تيار يمينى واضح وهو التيار الدينى الذى تشابه مع الحزب الجمهورى فى تزمته الدينى (مع اختلاف المجتمع هنا وهناك) وتشابهت قنوات التيار الدينى مع قناة فوكس نيوز فى نشر الكراهية والعنصرية والتكفير واعتبروا ان كل من يأتى بأفكار مستنيرة عن الحريات والمساواة هو شيوعى مثلما يعتبر هنا صنيعة غربية وصهيونية.
حتى ما كان يتميز به التيار الدينى من مساعداته الاقتصادية للفقراء على مدى عقود طويلة فى ظل فشل الدولة، حتى هذا الدور التكافلى توارى خجلا بعد وصولهم للسلطة وأثبتت السياسات الاقتصادية للاخوان انهم لا يقلون رأسمالية عن نظرائهم فى الحزب الجمهورى بأمريكا.
على الجانب الآخر كان هناك التيار المناوئ للسلفيين والاخوان. التيار الذى يسمى بالعلمانى أو الليبرالى. ومن المفترض انه التيار الذى يمثل كل ما هو ضد التيار اليمينى، المحافظ، العنصرى، الغارق فى نظريات المؤامرة.
بعد سقوط الإخوان كان من المفترض ان ننعم بكل مميزات النعيم الليبرالى سواء فى الاعلام أو فى السلطة، لكن بدلا من ذلك رأيت فى الاعلام والسلطة - حتى بين أصدقائى (الإليت) الذين يعتبرون نفسهم ليبراليون - شيئا مغايرا تماما.
هؤلاء الليبراليون الذين يتفاخرون بإجادتهم اللغات الاجنبية والسفر للخارج وبارتدائهم آخر صيحات الموضة الغربية. هؤلاء يصدقون نظريات المؤامرة بل وينشرونها. هؤلاء ينقلون من مواقع الانترنت اليمينية المتطرفة ويصدقون فوكس نيوز لمجرد انها تهاجم الاخوان ولا يدرون ان هؤلاء اليمينيين يحملون نفس قدر الاحتقار لهم لمجرد انهم عرب.
هؤلاء «الليبراليون» يظنون أن العالم يتآمر علينا ويصدقون ان أوباما قادم من عائلة إخوانية ويروجون لترهات أخرى لمجرد وجودها على الانترنت ولكنهم يتجاهلون ما يتردد على هذه المواقع من لغة عنصرية للعرب والمسلمين.
قلة فقط من رجال أعمالهم يقومون بمشروعات مهمة لمساعدة الفقراء ولكن الغالبية العظمى التى تدعى الليبرالية رأسماليون يمينيون مثلهم مثل الاخوان والسلفيين.
يقول مدعو الليبرالية والمدنية انهم ضد الفاشية الدينية ومع حرية الرأى ولكنهم عند اللزوم سيستخدمون الآيات القرآنية والاحاديث ليبرروا للهجوم على أعدائهم ويطعنون فى شرفهم بنفس الاتهامات التى يستخدمها التيار الدينى فهذا الشخص شاذ أو كافر ويمكن كمان «يهودي» وهى الشتيمة المفضلة لكلا الطرفين فأنصار الاخوان يروجون أن السيسى من أصل يهودى وأعداء الاخوان يروجون أن حسن البنا من أصل يهودى والطرفان يسنون أسلحتهم على ممثلة لمجرد أن والدها يهودى وأسلم، ثم يتشدق الطرفان بمبادئ الاسلام السمحة وطبيعة الشعب المصرى المتدين بطبعه.
ربما يكون هناك يسار وربما يكون هناك ليبراليون فعلا فى مصر وربما يكون هناك فعلا من يحارب من أجل حقوق العمال والمستضعفين ويناضلو من أجل برامج التنمية والتكافل الاجتماعى ولكن هؤلاء ملعونون من الطرفين فإن لم يكونوا كفرة فهم خونة أو كما أجمع الطرفان عملاء ينفذون أجندة غربية صهيونية.
أستطيع أن اتفهم تعصب التيار الدينى وجنوحه ناحية اليمين المتطرف، ففى النهاية هذا هو مكانهم الأيديولوجى الصحيح ولا أستطيع أن ألومهم فهم على الأقل متسقون مع أفكارهم. ولكننى لا أستطيع ان افهم هذا التيار المدعى لليبرالية والحرية، لكنه فى النهاية تيار لا يقل تطرفا عن التيار الدينى. ربما نستبدل الذقن بماكياج تقيل حبتين، ربما نستبدل المسواك بكأس من المارتينى، ربما نستبدل السروال والثوب القصير ببدلة أرمانى، لكن التطرف واحد واليمين واحد.