بدون الغناء الحي كان ليصبح فيلم Les Miserables في سطحية فيلم " high school musical"، وهو أمر ليس بهذا السوء للبعض، لكن عدما يكون فيلم به هذا العمق من المشاعر والدموع والأمل والثورة والحماسة والحياة والموت والحب وتحطم الفؤاد، عندها الغناء الحي يصنع الفارق بين فيديو كليب وفيلم ينقل Les Misérables من المسرح إلى الشاشة الفضية.
على عكس الأسلوب المعتاد في الأفلام الغنائية التي يتم تسجيل أغانيها أولا ثم في التصوير يحرك الممثلون شفاههم مع كلمات الأغاني، قرر المخرج توم هوبر أن تكون كل الأغاني حية – عدا المشهد الأول بسبب صوت مياة البحر- يستخدم فيها الممثلون سماعات أذن ليستمعوا إلى عزف بيانو يساعدهم على الغناء بدون نشاز، وأشاد هيو جاكمان (جان فالجان) وإيدي ريدمان (ماريوس) بهذا الأسلوب الذي منحهم التحكم في إيقاع الغناء وتعديل الأداء، أما أماندا سايفريد (كوزيت) فرأت أن البيانو كان يساعدها على البكاء أسرع.
آن هاثاواي (فونتين)
رشحت هاثاواي لدور فونتين بسبب أدائها لأغنية " On My Own" في حفل الأوسكار الـ 83 والتي سخرت فيها من جاكمان لرفضه الغناء معها، كما شاهدت آن والدتها وهي تقدم نفس الدور.
تستحق آن أكثر من أوسكار على هذا الأداء، فالشيء الوحيد المزيف في (فونتين) كان خلع أسنانها، أما قص شعرها وإنقاص وزنها 7 كيلو في 14 يوما كان حقيقيا، كما تدربت 6 أشهر على الغناء ووجهها مرتخي بلا تشنجات الغناء، ووضعت نصب عينيها أداء ميريل ستريب في " Sophie's Choice "، أما سر جمال مشهدها الرئيسي في أغنية "I Dreamed a Dream أنها تمكنت من السير على الخط الفاصل بين أداء المسرح المبالغ فيه وبين أداء الأفلام الهادئ، حيث بدأت هادئه وحزينة لكنه كان الهدوء الذي يسبق العاصفة.
فبعد مشاهدة هاثاواي لتكرار جاكمان مشهده عدة مرات قررت أن تطلع المخرج على ما تنوي فعله قبل التصوير وبالفعل أيدها هو والمنتجون، وعند بدء التصوير توقعت أن تنجح في المرة الأولى، لكنها لم تندمج داخل فونتين، وفي المرة الثالثة طلبت أن يعزف لها العازف الذي تدربت معه، ثم طلبت سماعة إضافية وضغطت عليهما في أذنيها بقوة حتى لا تسمع صوتها، عندها حلقت هاثاواي في فلك فونتين دون أن تشعر بنفسها حتى استعدت لتحطم أمال المشاهدين بجملة (الحياة قتلت الحلم الذي حلمته) وهي أقسى جملة بالنسبة لهاثاواي لأنها اللحظة التي تدرج فيها فونتين أنه لا مجال لإصلاح حياتها بعد موت حلمها، وعندما انتهت أعجب المخرج بالمشهد لكن هاثاواي تابعت التصوير لـ 8 ساعات أخرى لأنها لم تتدرب على الدور 22 عاما لتنهيه في المرة الرابعة التي أخذها المخرج في الفيلم.
هيو جاكمان (جان فالجان)
في اختباري أداء الجميلة والوحش غنى جاكمان أغنية "Stars" التي يغنيها (جافير) فقيل له لماذا اخترت هذه الأغنية فانك لن تحصل على دور في "les miserables"، ربما كانت هذه الكلمات سبب إصراره على المشاركة في الفيلم.
دور جان فالجان تحدي لأي ممثل، فالشخصية تتحول على مر الوقت في رحلة ملحمية من سجين إلى عمدة لهارب، وكان عليه أن يظهر بمظهر مختلف في السجن حتى يقنع المشاهد بصعوبة تعرف جافير عليه، وبالغ جاكمان في الاعداد للدور لدرجة السفر للعيش في فرنسا لمدة شهر، بل وجرب دخول أحد السجون، كما أنه في مشهد المسجون توقف عن شرب الماء 36 ساعة ليبدو وجهة هزيلا.
وأدى جاكمان مشهده الرئيسي في أغنية " Valjean's Soliloquy" التي قرر فيها بدء حياة جديدة بشكل رائع، وساعده على ذلك الغناء الحي مما أعطاه الحرية ليغير أدائه في كل مرة، إذ أنه أعاد المشهد 24 مرة، كما أن المخرج اختار التصوير بـ steadicam ليتحرك بحرية مطلقة، نظرا لأن المشهد جامح وأراد جاكمان أن يتحرك حيثما يقوده فالجان.
سمانثا باركس (إبونين)
استطاعت سمانثا (إبونين) أن تخطف حب المشاهد من (كوزيت) ، بل كادت أن تسرق الفيلم بأكمله لدرجة تجعلك تشعر بأنك تريد التوسل لـ (ماريوس) حتى يحبها، خاصة وأنها تغني أغنية "On My Own وهي من أكثر الأغاني المحببة لجمهور " les miserables ".
سمانثا - صاحبة أغرب طريقة إحماء للصوت- استطاعت أن تقدم الأغنية بالفيلم أفضل مما قدمتها على المسرح فكانت تؤديها على المسرح وهي متعجلة في الغناء ولا تهتم بتعبيرات وجهها، أما في الفيلم كانت تأخذ وقتها في شحن مشاعرها وإعطاء كل كلمة حقها، وكانت سمانثا تؤدي نفس الدور على المسرح بلندن، وتفاجأت بإعلان كاميرون ماكنتوش أحد منتجي الفيلم و خبر مشاركتها في الفيلم وهي تحيي الجمهور .
راسل كرو (جافير)
لم يكن راسل محظوظا بدور جافير لأنه الشخص المكروه، لكن صوته الغليظ كان مناسبا لتجسيد صرامة جافير في أغنية "Stars وحزنه في أغنيته قبل نهاية الفيلم بعدما جعله جان فالجان يفقد إيمانه في نفسه وفي القانون.
إيدي ريدمان (ماريوس)
الرائع في أداء إيدي لأغنية "Empty Chairs At Empty Tables أنه اهتم بالتمثيل وتعبيرات وجهه أكثر من إظهار امكانات صوته، فعلى عكس الأغنية في المسرحية الموسيقية جمهور الفيلم يتطلع إلى رؤية كيفية تمثيل هذه الأغنية بعمق مشاعرها، كما كان إيدي صاحب فكرة ان يبدأ الأغنية بلا موسيقي ليصعد مشاعره تدريجيا، لكن الإخراج لم يسعفه كثيرا فكانت الكاميرا ثابتة معظم الوقت، وكانت هذه الأغنية سبب حصول إيدي الحصول على الدور، إذ أنه أثناء اختبارات الممثلين كان مشغولا بفيلم آخر فأرسل لمنتجي " les miserables " فيديو له وهو يغنيها صوره بهاتفه الـ Iphone.
أيضا أدى إيدي أغنية "ABC Cafe / Red and Black بتفاؤل يبعث الأمل في النفوس، وهي الأغنية التي توضح التنافس والتكامل بين الحب و الثورة ، ومن الرائع أن فيكتور هوجو مؤلف القصة الأصلية اختار لماريوس الحب من النظرة الأولى، ليستطيع ماريوس أن يشرح لأصدقائه الثورين – معظمهم لعبوا دور ماريوس على المسرح في الحقيقة - أن التغيير قد يحدث فجأة مثل الحب من أول نظرة.
الإخراج:
قرار المخرج توم هوبر بأن يكون الغناء حيا كان قرارا جريئا، فماذا لو كان احد الممثلين لا يستطيع أداء الغناء الحي مثل معظم المطربين وحتى المحترفين منهم، كما أنه يوجد أغاني مثل "Do you hear the people sing يؤديها حوالي 1000 ممثل، ناهيك عن إهدار الوقت والجهد بسبب إعادة التصوير، والذي يعني في هذه الحالة إعادة تصوير الأغنية من بدايتها.
أيضا على عكس مخرجي الأفلام رحب توم بأن يتدرب الممثلون مع بعضهم لمدة 9 أسابيع قبل التصوير مثل المسرح، فمخرج الفيلم يخشى أثناء التدريبات أن يؤدي أحد الممثلين أداء رائعا ولا يستطيع إعادته أمام الكاميرا، لكن قرار هوبر أعجب الممثلون خاصة جاكمان الذي كانت بدايته مع المسرح.
الأزياء والديكور والماكياج:
الأزياء في الفيلم كانت تحديا صعبا بسبب الفترة الزمنية والعدد الكبير للمثلين والذي يصل إلى لـ 4000 ألاف فرد، وكذلك التنوع في الأزياء من أزياء للفقراء والعاهرات والمساجين والعاملات والطلاب الثائرين والجنود، كما أن بناء ديكور يجعلك تشعر وكأنك في فرنسا عام 1823 ليس بالأمر السهل، أما الماكياج فليس بالأمر الغريب أن يحصد الفيلم على أوسكار أفضل ماكياج بسبب التغيير الجذري في شكل هيو جاكمان وآن هاثاواي.
الموسيقى:
التأكيد فيلم غنائي مثل" les miserables " يعتمد بشكل أساسي على الأغاني والموسيقى التي سبق تقديمها على المسرحية الغنائية، لكن الفيلم استطاع أن يبعث الحياة لهذه الأغاني بعنصر الرؤية، كما قدم الفيلم أغنية جديدة وهي أغنية "suddenly" التي تمهد علاقة الحب الأبوي بين فالجان وكوزيت.
في النهاية إذا كانت من محبي الأفلام الغنائية بوجه خاص أو المسرح بوحه عام يجب ألا يفوتك هذا الفيلم، أما إذا كنت لا تستمتع بمشاهدة الأفلام الغنائية فعلى أقل تقدير يوجد أغاني في هذا الفيلم مثل "At the End of the Day، "Lovely Ladies، "I Dreamed a Dream"، "Look Down "On My Own، "One Day More، " Do You Hear The People Sing"، ستعلق بذهنك لأسابيع وقد تبدأ تساورك الشكوك أن هذه الأغاني ستطاردك إلى الأبد.