هل تعرف معسكر اعتقال أوشفيتز؟ في الأغلب الإجابة ستكون نعم، فهو النقطة السوداء الأبرز في تاريخ القرن العشرين، المعسكر الذي اعتقل النازي فيه وأحرق ملايين اليهود. هل تعرف معسكر مانزانار؟ في الأغلب ستكون الإجابة لا.
هل تعرف حركة الفهود السوداء؟ ومناضلي الحقوق المدنية لذوي الأصول الأفريقية في الولايات المتحدة، مارتن لوثر كينج ومالكوم إكس؟ في الأغلب ستكون قد شاهدت عنهم عدة أفلام على الأقل. هل لديك معلومات موازية عن الحركة المماثلة الخاصة بالأمريكيين من أصل آسيوي؟ في الأغلب ستكون الإجابة لا.
تابعوا قناة FilFan.com على الواتساب لمعرفة أحدث أخبار النجوم وجديدهم في السينما والتليفزيون اضغط هنا
عندما نتحدث عن سينما السود في الولايات المتحدة سنذكر فورًا سبايك لي وباري جينكنز وجوردان بيلي، ومن ذوي الأصول الإيطالية مارتن سكورسيزي وفرانك كابرا وفرانسيس فورد كوبولا. لكن هل تذكر مخرجًا مماثلًا من ذوي الأصول الآسيوية؟ ستحتاج للبحث عبر الإنترنت لتجد إجابات مقبولة.
من تلك الأرضية ينطلق المخرج تاداشي ناكامورا في فيلمه "فصل ثالث Third Act"، المشارك في مسابقة الأفلام الوثائقية الأمريكية ضمن مهرجان صندانس السينمائي. السؤال الذي يطرحه المخرج في بداية الفيلم يتعلق بوالده المخرج والمصور روبرت ناكامورا، والذي يقول المخرج إنه رغم كونه أيقونة فنية بين الأمريكيين ذوي الأصول الآسيوية، والذين يطلقون عليه "أبو الإعلام الأمريكي الآسيوي"، إلا أن أحدًا لا يكاد يعرفه خارج هذا المجتمع.
فصول مسيرة حافلة
ناكامورا الأب هو من صنع بالجهود الذاتية وبدعم مجتمعه عام 1980 فيلمًا مستقلًا بعنوان "هيتو هاتا: ارفعوا اللافتات Hito Hata: Raise the Banner"، وهو أول فيلم يتم تصويره بالكامل بأيدي أمريكيين من أصول يابانية، يحكي قصصهم بصدق وواقعية، بخلاف الصور النمطية التي اعتادت هوليوود أن تُظهر الأعراق المختلفة بها منذ نشأتها، ليلحق به مجموعة من الأفلام التي جعلته صانع الأفلام والمواد الإعلامية الأشهر بين الأمريكيين ذوي الأصول الآسيوية، ناهيك عن دوره في دعم حركة الحقوق المدنية.
لكن صناعة هذه الأفلام والنشاط داخل الحركة لم يكونا اختيار ناكامورا الأول، بل هما الفصل الثاني وفق تصنيف المخرج لحياة والده: الفصل الأول هو حياته مع والده الذي هاجر من اليابان إلى الولايات المتحدة، وهو بطل في رياضة الجودو اضطر للعمل بستانيًا في مهجره، وحقق نجاحًا اجتماعيًا وثروة تبددت في لحظة، عندما هاجم الطيران الياباني ميناء بيرل هاربور الأمريكي، لتدخل الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية، ويتم التعامل فورًا مع ذوي الأصول اليابانية باعتبارهم أعداءً وخونة، ليتم وضع أكثر من 120 ألف شخص في معسكر اعتقال مانزانار Manzanar، الذي قضى فيه الأب سنوات من طفولته.
الأب بدأ حياته مصورًا إعلانيًا، وحقق نجاحًا وشهرةً، لكنه شعر دائمًا – كما يروي – بالخجل من أصوله، وبأن الجميع يتعاملون معه باعتباره ضيفًا أو دخيلًا، حتى جاءت الرحلة التي غيرت حياته عندما دعته حركة الحقوق المدنية لما أسموه "حج إلى مانزانار"، لتُشكل الزيارة الميدانية الجماعية لموقع المعسكر اللحظة التي غيرت حياة روبرت ناكامورا كليًا، وجعلته رجلًا تلخص حياته ومسيرته تاريخ مجتمعه بالكامل، بكل ما فيه من مزايا وعيوب، وكل ما لاقاه من تهميش.
جوهر القضية
لا يمكن أبدًا المقارنة بين مانزانار وأوشفيتز، أو يقول أن احتجاز 120 ألف ثم إطلاق سراحهم يُمكن أن يتشابه مع حرق الملايين، كذلك شكّل اضطهاد ذوي الأصول الآسيوية مرحلة مؤقتة من التاريخ الأمريكي مرتبطة بقرار اليابان المتهور الذي انتهي بالقنبلة الذرية، فلا يمكن وضعه في كفّة واحدة مع الاضطهاد العنصري الممنهج الذي مورس على مدار قرون ضد ذوي الأصول الأمريكية. كذلك يمكن تقدير مسيرة روبرت ناكامورا وإخلاصه لمجتمعه وقضاياه، لكنه بالتأكيد لا يحمل موهبة سكورسيزي أو سبايك لي كي ينال نجاحهما.
هنا يبرع المخرج الشاب في طرح قضية والده ومجتمعه كما يلي: لسنا حقًا الأكبر عددًا أو الأكثر اضطهادًا أو الأعلى موهبة، لكننا في النهاية بشر، لدينا حيوات ونجاحات وإخفاقات، ونريد أن نشعر بأن الآخرين يأخذوننا على محمل الجد، لا أن يدفعوننا دفعًا أن نخجل من جذورنا أو لون بشرتنا أو اتساع أعيننا.
تاداشي ناكامورا يروي القصة الإنسانية المؤثرة لتعمده أن يختار كل شيء يفارق به الثقافة اليابانية، فالتحق بفريق كرة القدم الأمريكية لأنه حسب قوله "أراد الهروب من الصورة النمطية للطالب الآسيوي المجتهد الماهر في الرياضيات"، وكان يشعر ببعض الذنب لأنه باختياراته لا يحترم مسيرة والده المرتبطة بالمجتمع الآسيوي، ليصدمه اكتشاف أن والده كان يمتلك نفس الأفكار مثله، وأن الجد هو الآخر عاش يتمنى داخليًا أن يكون قد ولد أمريكيًا أبيضًا، وكأنها لعنة متوارثة عبر الأجيال.
المثير والمؤلم أن الجد والابن والحفيد جميعهم عاشوا تلك المعاناة داخليًا، لم يثوروا أو يتمردوا أو يُظهروا ما يمكن للآخرين من خلاله معرفة حقيقة مشاعرهم، ليكتشف تاداشي في نهاية عمر والده، عندما قرر صناعة فيلم عنه، أن عرّاب الثقافة الأمريكية الآسيوية عاش حياته كلها يعاني من اكتئاب مزمن أجاد إخفائه عن كل من حوله.
بساطة الصنعة
"فصل ثالث" هو العنوان الذي أطلقه المخرج على المرحلة الأخيرة من حياة والده، الذي أصيب بمرض الشلل الرعاش الذي تتزايد حدته تدريجيًا، فقرر أن يوافق على مشروع ابنه بتسجيل ذكرياته والبوح بأسراره ومشاعره المخبأة.
الفيلم بسيط على مستوى الصنعة، يجمع اللقطات الأرشيفية للعائلة (والتي فُقد منها الكثير للأسف عندما أحرق الجد كل ما له علاقة باليابان في منزله خوفًا في أن يتسبب له في المزيد من العقوبات)، ويمزجها بالتراث السينمائي والإعلامي للأب، بالإضافة إلى حوارات مستمرة يسترجع فيها الأب ذكرياته، ويختلط فيها مع حفيده، ابن تاداشي المنتمي للجيل الثالث من العائلة الذي يولد على الأراضي الأمريكية، والذي يأخذه جده في رحلة ميدانية إلى النصب التذكاري لمعسكر مانزانار. رحلة قد تكون الأخيرة للجد وهو في كامل وعيه وقدراته الحركية.
رغم بساطة الصنعة يتمكن الفيلم من الاحتفاظ باهتمام المشاهد من بدايته لنهايته، بموضوعه الشيق المرتبط بثقافة نادرًا ما نسمع عنها، وبالمسيرة المليئة بالتقلبات لشخصيته الرئيسية، وبالروح الحميمية التي يُقدم المخرج بها الجوانب السعيدة والمؤلمة لعائلته. صانعًا فيلمًا هادئًا، تصالحيًا، يدرك متاعب الماضي وشكوك الحاضر، يعترف بها ويتصالح معها، دون أي غضب أو رغبة في الانتقام، ولعل هذا ما منح ثقافة الأمريكيين الآسيويين فرادتها، وجعلنا لا نعرف الكثير عنها مقارنة بثقافات محلية أخرى.
اقرأ أيضا:
يبدأ من 5 ملايين جنيه ... أحمد سعد يعرض "بالطو" جوي أووردز في مزاد لصالح مستشفى 57357
ليلى علوي تحتفل بعيد ميلاد نجلها وتنشر ألبوم ذكرياتهما
روبي بفستان أسود قصير في أحدث حفلاتها الغنائية
نجلاء بدر تدافع عن نادية الجندي بعد انتقادات إطلالتها في Joy Awards: هتعيبوا في خلق ربنا؟
لا يفوتك: في الفن يكشف حقيقة وليد فواز مبدع أدوار الشر
حمل آبلكيشن FilFan ... و(عيش وسط النجوم)
جوجل بلاي| https://bit.ly/36husBt
آب ستور|https://apple.co/3sZI7oJ
هواوي آب جاليري| https://bit.ly/3LRWFz5