يمكن اعتبار تطور التاريخ البشري في أحد جوانبه الأكثر وجاهة أنه سعي دائم للتنافس والصراع بين الدول للتفوق الأمني العسكري الذي يتبعه بالضرورة تفوق اقتصادي إجتماعي ثقافي للبشر داخل الدولة الأقوى، لذلك صاحب ظهور ما يمسى بالذكاء الاصطناعي طاقة إلهام تنافسية للسعي نحو هذا التفوق غير المحدود المتحقق بهذه الوسيلة غير البشرية: أداة لا تخشى الموت أو تفهم المشاعر ولا تملك حدود أخلاقية أو قانونية، يمكن من خلالها إعادة كتابة التاريخ بقواعد جديدة أكثر قسوة على الجميع.
تابعوا قناة FilFan.com على الواتساب لمعرفة أحدث أخبار النجوم وجديدهم في السينما والتليفزيون اضغط هنا
حقق الذكاء الاصطناعي في سنوات قليلة قفزة كبيرة نراها اليوم بعد أن أصبح ركيزة الحياة العامة، وأصبح الأمن السيبراني (أمن المعلومات) مطلبًا للدول على اختلاف مستوياتها، استبدلت الآلة الإنسان على كل المستويات؛ الشعورية المعنية بالتواصل والعاطفة وصلت إلى حد تعيين غير مسبوق لها في هوليوود والصناعات الفنية الحسّاسة عمومًا، بل أصبحت تسمع روبوت يقول لأحدهم "أنت لست سعيدا في زواجك، أنت تحبني"، كما استبدلته أيضًا في الحروب والتفوق العسكري بالضرورة؛ أمريكا والصين وروسيا واليابان وغيرهم أصبح سعيهم الكامل هنا والآن يعتمد على تفوق الروبوت على الروبوت الذي تملكه الدولة المنافسة، أصبح الأقوى من يساعده الذكاء الاصطناعي أكثر من غيرهـ وهو ما نحاول الوقوف على أسبابه وسياقه وفهمه في لحظة تاريخية مصيرية.
تريلر الفيلم على نتفليكس
قبل أن نحاول تفكيك اللحظة الحالية التي نقف أمامها من خلال فهمها تاريخيًا وما يمكن أن تعنيه هذه السيطرة غير البشرية للمستقبل، علينا تحسس الخطورة التي يمثلها الروبوت للدرجة التي تجعل القاريء لا يستبعد أن يكون هذا المقال ذاته أو شيء شبيه به قد أُنجز بمساعدة الذكاء الاصطناعي. فهم اللحظة الحالية في نقطة ما مرتبط أولًا بالتخوف من الروبوت الذي تغوّل في حياتنا أكثر من الاطمئنان إلى وجوده أو حتى تشبيهه بلحظة وجود الكمبيوتر في أواخر التسعينات، أو هكذا يدّعي أغلب المتخصصون إلى ما يمثله من خطورة فعلية على مستقبل الإنسان، تمامًا كما يحاول فيلم "روبوتات قاتلة" killer robots الصادر حديثًا عن شبكة نتفلكس أن يناقش الأمر من خلال "الروبوت" الذي يمثل الثورة الرابعة.
كيف بدأت قصة الأربع ثورات؟
في كتاب "الخلود الرقمي.. الذكاء الاصطناعي ومستقبل البشر" يقول الكاتب حيدر سلمان أن ثورة الذكاء الاصطناعي ستغير نظرتنا إلى البشر كما ستؤثر على هويتنا وإحساسنا بالخصوصية ومفهومنا للملكية الخاصة والوقت الذي نكرسه للعمل والترفيه وعلى علافتنا الإجتماعية عمومًا. إذ بعد سنوات طويلة إلى الآن نتساءل أو نتخيل كيف كانت ستصبح حياة البشر دون آلات تعمل لمساعدة البشر! تخيل الحياة دون هذا الكم من الأجهزة الإلكترونية غير البشرية التي تساعده حديثًا في أغلب حياته، شيء صعب يحتاج منا المرور سريعًا على الرحلة التي أنتجت هذا التطور لكن مع النظر إلى الدرجة المرعبة من التطور اليومي.
بالطبع يمكن الوقوف على إيجابيات الروبوتات قبل الحديث عن أي مخاطر، بل أن السعي الحثيث نحو تطورها كان في سنواته المبكرة رغبة عميقة في تسهيل حياة البشر وجلب الراحة إليهم باستبدال بعض الأعمال المرهقة على الإنسان لينفذها هذا الكائن الصناعي، لكن أنتج التطور المعرفي والعلمي خلال الثورة الصناعية الرابعة تغير جذري في مختلف مجالات الحياة ليس العلمية فقط بل الإجتماعية أيضًا، تلك التي جاءت تطمس الحدود الفاصلة بين المادية والرقمية والبيولوجية لتجمع بين رفع قدرات الآلة لتحاكي ذكاء البشر أو تفوقه، تمامًا كما تمنى الكاتب عباس محمود العقاد منذ عام 1960 في أمنيته إلى جيل عام 2000 التي كتبها إلى مجلة دار الهلال عندما قال أنه يود لو يرى اختراع يسمح بـ "انتقال الحس والشعور بغير وسائل محسوسة" ومساعدة الإنسان على كل مستوياته
بدأت القصة مع النصف الثاني من القرن الثامن عشر، الوقت الذي يُعرف بالثورة الصناعية "الأولى" عندما تحولت الحضارة الزراعية في أمريكا وأوروبا إلى مجتمعات صناعية باختراع المحرك البخاري، صاحب هذا التحوّل تغير في هيكلة المجتمعات جذريًا بالاتجاه نحو الصناعة على حساب الزراعة فقط لأن المجتمع الصناعي يتفوق على أي مجتمع آخر، وربما هذا ما يحدث مع كل تطور جذري يجعل من يملك مفاتيح التفوق فيه متقدم بخطوات على كافة المستويات الأخرى.
بعد سنوات طويلة شهد الجميع الثورة الصناعية "الثانية" التي تميزت باستخدام الكهرباء والنفط، طوّرت ذاتها من خلال الثورة الأولى؛ البخار جاء لتشغيل آلة لصناعة النسيج والثانية استخدمت الكهرباء لتفعيل خط تجميع المصنع، أنتجا معًا ما سمي فيما بعد "عصر الإنتاج الضخم".
مع دخول القرن العشرين انطلقت الثورة الصناعية "الثالثة" الثورة الرقمية التي تستخدم المعلومات التي بدأت من خلالها عصر الاتصالات، ومع التطور اليومي الذي نعيشه الآن أكثر من أي وقتٍ مضى أصبحنا نعيش الآن الثورة "الرابعة" التي تميزت بمزيج بين المجالات المادية والرقمية والبيولوجية فأصبحت ثورة الذكاء الاصطناعي.
بات علينا الآن أن نفكر أساسًا حول ماهية الذكاء الذي اختلف العلماء على تحديد مفهوم واضح له لكن كان التعريف الأكثر اتفاقًا هو أن الذكاء هو قدرة الإنسان على الإدراك والفهم والتحليل والاستنتاج. ومن وحي ذلك يمكن تعريف الذكاء الاصطناعي أنه قدرة الكمبيوتر أو الروبوتات على أداء المهام المرتبطة بالكائنات الذكية أو ما كان مقصور عملها على البشر، فلو كان الدماغ يحتوي على كل أفكارنا وعملنا وذاكرتنا فإن الذكاء الاصطناعي هو محاكاة للتفاعل الدماغي لدى آلة غير بشرية للتمكين، لذلك كما يقول أرفند كريشنا مدير أبحاث شركة ibm: ما كان يعتبر مستحيل قبل بضع سنوات لم يصبح ممكنًا فحسب بل أصبح ضروريًا ومتوقع بسرعة كبيرة، كل ذلك يحدث فقط عن طريق فهمنا نحن البشر للذكاء الاصطناعي. ومن هذه النقطة أو النظرة تحديدًا يبدأ فيلم "روبوتات قاتلة" في سرد قصته غير ملتفت إلى تاريخية القصة التي حاولنا إدراجها لفهم السياق أكثر.
قوة عسكرية مدمرة
فيلم "الروبوتات القاتلة" يقف عند تلك المعضلة بذكاء شديد، يأتي الفيلم في حوالي 65 دقيقة من إخراج جيسي سويت المتخصص في صناعة الأفلام التسجيلية، من إنتاجات شبكة نتفلكس الأصلية، رحلة طويلة مجهدة يتساءل فيها الصنّاع: ما هي الخطوط الحمراء التي سيضعها الإنسان للروبوت في الوقت الذي تتسابق فيه الجيوش وتمكِّن الروبوت في أن يتخذ قرارات قاتلة بمفرده؟
جاء الفيلم ضمن سلسلة "غير معروف" التي تعرض نتفلكس من خلالها أربعة أفلام وثائقية جديدة، يتم عرض فيلم أسبوعيًا في يوليو 2023 نكتشف عن طريق كل فيلم "ألغاز العالم التي ما زلنا لا نعرف إجاباتها حتى الآن"، لذلك جاء على رأسها الحديث عن الغموض الذي يحيط معرفتنا بالذكاء الاصطناعي.
تبدو التسمية التي اختارها الصناع متحيزة ضد الذكاء الاصطناعي عمومًا، تحاول التأكيد على الطريق الوعرة التي تنبّيء بناقوس خطر يجب الانتباه إليه وإعادة تقييمه قبل فوات الأوان، "ما لم يكن الأوان قد فات أساسًا حتى لو قررنا التراجع" كما تقول أحد الشخصيات داخل الفيلم، لذلك كان هذا التحيز مفهوم في سياق الاستخدام المدمر من البشر لهذه الأداة.
اعتمد مونتاج (تحرير) الفيلم على أسلوب معقد تتوازى فيه المشاهد بين عرض إحدى مميزات الروبوت بينما يليها مشاهد مخيفة من سيطرة الآلة، يبدو اختبار مرهق ومرتبك يغذي حيرة المشاهد تجاه اتخاذ موقف ضد الآلة، لكنه يؤكد في النهاية على محدودية الامتيازات مقابل مخاطر مرعبة غير محدودة قد يتسبب فيها الروبوت ضد الإنسان.
يبدو الإحساس بالخطر ظاهرًا طوال الفيلم من خلال موسيقى تصويرية قلقة، إلى جانب الاستخدام المتكرر للعدسات البعيدة في أغلب المشاهد الخارجية، التي تزيد الغموض والرهبة أثناء محاولة احتواء كيان يصعب السيطرة عليه حتى من خلال الكاميرا، يصحب كل ذلك تساؤلات استنكارية يتعجب من خلالها المسئولين عن المدى غير المحدود للذكاء الاصطناعي وقوته العسكرية دون غيرها التي تتفرد بنفسها يومًا بعد الآخر.
يدور صنّاع الفيلم حول فكرته المركزية الظاهرة من عنوانها بمختلف الاتجاهات، إذ اعتمدت الحبكة على سرد الخطورة من مختلف المجالات؛ العسكرية بشكل أساسي وأكثر خطوره، إلى جانبها كان الجانب العلمي في نموذج أحد الأطباء ومحاولات استخدامه الروبوت لإنتاج الأدوية، والثقافية التي يمكن من خلالها إنتاج تصورات فنية، والإجتماعية التي تجعله مؤثر على نظرة الدول الكبرى تجاه بعضها.
الجميع يعرض قصته المخيفة التي تستدعي التأمل والرهبة في سياق حكاية رجل أمضى سنوات في البحرية قبل أن يستقيل ليطوّر شركته الخاصة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي في إنتاج طائرة ذاتية القيادة "نوفا" التي تبدو محطة هوس يتفوق من يسبق الجميع في صناعتها في تدمير من حوله "وربما تدمير ذاته أيضًا"، من أجل التفوق العسكري الذي يجعل الدولة متفوقة في كل ما عداه.
يبرر الساعون إلى صناعة الطائرة الذاتية التي يمكنها التعامل الذاتي مع الخصم وقتله -لو تطلب ذلك- أنها أساسًا كانت من أجل "تقليل عدد مرات القتل والاشتباك في المعارك"، الروبوت سيقلل بالفعل القتلى بينما سيكون ذلك عن طريق قتل عشوائي مدمر للخصم، دون تفرقة بين المدني والقاتل، تمامًا مثلما يشرح ضابط أمريكي سابق في أفغانستان في أحد المشاهد أنه امتنع عن قتل طفلة أفغانية بينما الروبوت المبرمج "سيعتبرها عدو ويقتلها فورًا دون شعور بمأسآة".
أفلام متعددة لا تحتاج إلى حصرها تناولت خياليًا وجود الروبوت وسيطرته على الإنسان بينما في "الروبوتات القاتلة" تبدو خطورة الأمر أبعد كثيرًا من خيال هؤلاء المؤلفون، فقط لما يحمله من وعي وثائقي للخطر العسكري على أرض الواقع.
ما الدولة في وقت الروبوت؟
في كتاب "الدولة وأمنها القومي في عالم الذكاء الاصطناعي وتشابكاته" تنقل الكاتبة هبة جمال الدين المحاولات الأكاديمية لدراسة المحاور السياسية للذكاء الاصطناعي، وتأثير التقنيات على فرعي علم العلوم السياسية وحقل العلاقات الدولية، التي توصلت إلى إزالة الحدود المعرفية بينهما، وقالت أنه "علينا إعادة تعريف الدولة والنظام الدولي في ظل ذلك، والتساؤل حول مفهوم السلطة كمفهوم مطلق يكرس لاحتكار الدولة للقوى والسلطة، ووظائف الدولة الحامية كما كان قديمًا، وما تأثير كل ذلك على الأمن الدولي في ظل ظهور الروبوتات؟".
يعيد ذلك التساؤل إعادة إنتاج مفهومنا حول أركان مفهوم الدولة الأربعة (السيادة/ السلطة/ الشعب/ الإقليم) إذ لم تعد الدولة هي المحتكر للسلطة والعنف، في ظل الوجود في وجود سلطوي من كيانات غير دول مثل الروبوتات، أصبحت سلطة الدولة في يد من يمتلك التكنولوجيا غير البشرية، يصبح الجميع في عالم (ما بعد الإنسانية) وفق السلطة السياسية التي يخلقها "نموذج آمن طويل الأجل مثل الروبوت" تتغير فيه مفاهيم المصلحة العامة مقابل سلطة أشمل لا تفكر بشكل أخلاقوي عمومًا، مثلما جاء في خطاب منتدى حكومة العالم للذكاء الاصطناعي في مفهوم "الدولة الذكية" ليس الدولة كما نفهمها قديمًا. لأن الحكومة التي لا يمكنها توفير التقنيات الحديثة تفتقد دواعي السلطة والنفوذ.
يشتبك الكتاب أكثر مع إشكالية لم يطرحها الفيلم الأمريكي؛ وهي إشكالية التفاوت بين دول العالم النامي والمتقدم في إطار إنتاج دول للتكنولوجيا عن دول أخرى، مما يكرس لنظرية التبعية والعلاقة بين دول المركز، ويطرح الذكاء الاصطناعي على اعتباره أكثر خطورة من الأسلحة النووية قديمًا وقد يتسبب بالحرب العالمية الثالثة" تصبح فيها الدول النامية تابعة أكثر.
بشكلٍ عام أصبح الإنسان المعاصر في عالم "ما بعد الإنسانية" يعتمد على الآلة أكثر مما يبدو، كان كل ذلك التطورالذي حدث للآلة على حساب الإنسان يسر في إتجاهين: "للتحكم في الجسد البشري وتحسينه" كما يرى العالم ميشيل فوكو أو "لاستباحته في عالم يتجاهل الإنسان" تمامًا كما كان يؤمن العالم جورجيو أغامبين، ويبدو أن نظرة الأخير تنتصر، بعد كل هذا التطور غير المتوقف الذي وصل إلى التساؤل إلى تخيل "حكومة عالمية للذكاء الاصطناعي" تتحكم فيما يدور في الأرض.
في أحد مشاهد الفيلم، يسرد حكاية حدثت في عام 2021 داخل ليبيا أثناء الحرب الأمريكية، أعلنت الأمم المتحدة أنه ثمة عبوة ناسفة تفجرت في مكان المواجهة، كان القرار في التفجير يعود فيه إلى روبوت ذاتي، وربما هنا لحظة مفصلية للبشرية عمومًا، تجعلنا جميعًا دون استثناء نتوقف أمام مخاوف لم تعد خيالية سينمائية لنتساءل كيف يمكننا تحجيم الروبوت والسيطرة عليه والتنازل عن تطوره الأعمى الذي يدمر الجميع دون تفرقة.
اقرأ أيضا:
نورهان تكشف عن وصيتها وتفاصيل مرضها: قررت التبرع ببعض أعضاء جسمي كصدقة
عبير صبري عن ريهام حجاج: صديقتي الصدوقة وإنسانة جميلة
لطفي لبيب يتصدر تريند "X" … ما علاقة أم خالد؟
لا يفوتك: في الفن يكشف حقيقة وليد فواز مبدع أدوار الشر
حمل آبلكيشن FilFan ... و(عيش وسط النجوم)
جوجل بلاي| https://bit.ly/36husBt
آب ستور|https://apple.co/3sZI7oJ
هواوي آب جاليري| https://bit.ly/3LRWFz5