عانى عمرو دياب، ومازال يعاني، من اختزاله في نمط "المغني الاستعراضي"، الذي يعتمد على "الذكاء" و"الإبهار" وشكل النجومية فقط، لكنه لا يملك من القدرات الصوتية والموسيقية ما يؤهله للقب "مطرب" بالملكات الشرقية وبالتعريف التراثي للكلمة. وهي اتهامات عادة ما توجه للمُجددين في كل عصر، إذ طالت عبد الحليم حافظ نفسه!
تابعوا قناة FilFan.com على الواتساب لمعرفة أحدث أخبار النجوم وجديدهم في السينما والتليفزيون اضغط هنا
بالعودة لموضوعنا الأساسي، فليس من طريقة أفضل للكشف عن عمرو دياب "المُطرب الشرقي الأصيل" إلا بداخل عمرو دياب "الملحن". والحقيقة أن دياب لم يكتف بالإبداع في غناء كل القوالب والمقامات الموسيقية الشرقية وحسب، بل أبدع في تلحينها أيضا.
بالرغم من أن ذلك غير كافٍ، علميا، للتدليل على قدراته كمطرب بالمفهوم التقليدي، لكنه مؤشر بالغ الوضوح عن مسيرة لا يمكن اختزالها في أغنيات خفيفة فقط. وبيان على أن محاولاته للتطوير ومواكبة الموسيقى العالمية لم تأت على حساب الأصول الموسيقية الشرقية، سواء بالمعنى التراثي أو المعنى الأكاديمي. هذا ما سوف نشرحه في هذه الحلقة.
الاتجاه الثاني: التلحين الاستعراضي
لا توجد مقاييس ثابتة للحن الجيد، وهي مسألة خاضعة للذوق والتفضيلات. إلا أن هناك سمات لفرز الملحن الشرقي الممتلك لأدواته والمتبحّر في النواحي التقنية. مثلا، أن يحرص في ألحانه على استخدام المقامات الشرقية وخاصة التي تحتوي الربع تون (الراست والهزام والصبا والبياتي). وأن يمتلك القدرة على التنقل بين كل المقامات بسلاسة داخل الأغنية الواحدة.
وياحبذا لو قام بتطويع هذه الألحان في قوالب مغايرة، ووضعها في سياقات حداثية. ذلك ما كان بدأه عمرو دياب في ألبوم "هلا هلا" بترويض الربع تون وإخضاعه لنظرية الهارموني، ثم استكمله بعدها في عديد من أعماله، بعضها بغرض خدمة شكل موسيقي معين، وبعضها الآخر بغرض فرد العضلات وحسب.
"الله يخليكي" من ألبوم "ماتخافيش" ١٩٩٠. واحدة من النماذج المبكرة من مدرسة التلحين الاستعراضي. قام عمرو دياب بتلحين هذه الأغنية من مقام الهزام. وهو مقام شرقي بات نادر استخدامه في الأغاني، فهو الأصعب في إلباسه رداء الأغنية الحديثة، ليس فقط لاحتوائه على نغمة السيكا الشرقية "الربع تون"؛ لكن لأن السيكا تقع في درجة الركوز، وهي النغمة الأهم في أي سلم موسيقي، لأنها تحدد شكل التآلف الأول (tonic chord). وبالتالي كان يصعب إخضاع ألحان هذا المقام للهارموني الغربي، ولو بصفة مبدئية.
ينجح موزع الأغنية حميد الشاعري في تقديم هارموني مقبول للأغنية، ويُحسب أكثر للملحن عمرو دياب النهج التجريبي، بإقدامه الجريء على صناعة أغنية حداثية بعيدة عن التخت الشرقي من هذا المقام الصعب، في وقت كان الجميع يهرولون نحو المقامات السهلة المستساغة مثل الكرد والنهاوند.
الطريقة الكلثومية
اللحن من باب فرد العضلات يتحقق من جديد في أغنية "حبيبي"، التي حملت عنوان الألبوم الصادر عام ١٩٩١. يحكي عمرو أنه صنع هذا اللحن متأثرا بأغنية "سيرة الحب" لأم كلثوم التي لحنها بليغ حمدي من مقام الهزام، حيث اندمج عمرو معها خلال رحلة برية طويلة له في لبنان؛ فوجد نفسه يدندن جملة تقول: "حبيبي يا مالك قلبي بالهوى" لحنا وكلاما، قبل أن يكلف مجدي النجار باستكمال الكتابة على اللحن.
ويبدو من هذه الأغنية أن دياب أراد الرد على من شكك واستهتر بمدرسته الغنائية من الموسيقيين القدامى، ومرددين عبارة "مغني وليس مطرب". فقرر صنع هذا اللحن بثراء مُلفت في المقامات الشرقية.
يبدأ عمرو الغناء من مقام البياتي "حبيبي يا مالك قلبي بالهوى"، ويختم هذه الجملة بمدّ تطريبي رائع بنهاية عبارة "الهوى" حيث يتصاعد بالآهات على سلم البياتي، مارًا بكل درجات السلم، ومتجاوزا الجواب بدرجتين قبل الاستقرار عليه، وهي نقلة مثيرة تحتاج لخيال نغمي وعضلات صوتية وتلحينية. بعدها يترك عمرو مقام البياتي مؤقتا، لينتقل لمقام العجم في "أنت داري بانشغالي"، ثم يتوقف بجلال ورهبة عند مقام الصبا في "لو صدقت عيوني لو حسيت بحناني …".
تتضح النوايا أكثر من الشكل الموسيقى في "حبيبي"، بقرار عمرو دياب الاستعانة بعازف الساكس المخضرم سمير سرور، المعروف بصولوهاته الأيقونية في أغنيات بليغ حمدي في زمن العمالقة. رغم انقراض هذا اللون حينها، قرر عمرو أن يحييه من جديد؛ تأكيدا على الحالة الكلثومية-الحليمية التي يستهدفها بهذه الأغنية، وليُسكت كل الأصوات التي تدعي أنه لا يستطيع أن يكون مطربا بالتعريف التراثي.
الشكل الموسيقي والبصمة التلحينية في "حبيبي"، تمتد في أغنيات لاحقة. أبرزها "ضحكة عيون حبيبي" من ألبوم "يا عمرنا" ١٩٩٣. التي يتنقل فيها عمرو دياب بمنتهى السلاسة بين مقامات النهاوند والبياتي والصبا والعجم على نفس النهج الذي سمعناه في "حبيبي". كما يعيد الاستعانة بصولوهات سمير سرور، الذي سيتحول لموضة بكل شرائط الكاسيت في تلك الفترة بفضل رؤية عمرو دياب.
فرد العضلات
المقام الموسيقي هو طابع اللحن، يمثل الأبعاد النغمية التي تترجم الأحاسيس المجردة، أما التنقل المستمر بين المقامات داخل الأغنية الواحدة فهذا يعني الثراء في الحالات والأحاسيس التي تنقلها الموسيقى. ذلك التنقل ليس إعجاز تقني في حد ذاته بالنسبة لملحن درس الموسيقى أكاديميا مثل عمرو دياب. لكن لا شكّ أن قيمة التنقل بين المقامات تزداد عند تلحين الأغنيات الحديثة القصيرة نسبيا من حيث المدة الزمنية، فعلها العمالقة بأغاني مدتها نصف ساعة، وفعلها عمرو في أغاني لا تتجاوز أربع دقائق.
"عرفتي مين حبك" من ألبوم "أيامنا" ١٩٩٢. كانت بين أكثر الأغنيات التي يفضلها عمرو بشكل شخصي، وكثيرا ما تحدث عنها باعتزاز، حيث يعتبرها أغنية موجهة للوطن. ومن الناحية الموسيقية، فهي تنتمي لقالب من موسيقي البوب الغربية، نفذه الموزع حميد الشاعري بشكل سابق لعصره في وقتها. ولحنها عمرو دياب بنفسه لخدمة هذا الشكل الموسيقي، وأيضا لفرد عضلاته التلحينية، فهي تجمع بين عدة مهارات.
ويظهر التخديم على الشكل الموسيقي من خلال التقطيعات السريعة للجُمل من مقام النهاوند (صول) في "حبك دا شيء اتولد جوايا من صغري". بينما تظهر العضلات في الانتقال الشرقي غير المتوقع إلى مقام البياتي (ري) في جملة "إللا اللي شاء القدر عرفتي مين حبك". الجدير بالذكر أن التحام جِنسَيّ النهاوند والبياتي بهذه الطريقة يصنع مقاما فرعيا يُسمى "مقام عُشاق مصري".
يواصل عمرو الغناء على جنس البياتي في الكوبليهات، ولكن بالهبوط أوكتاف للأسفل في "حبك دا شيء اترسم طول عمري بيه ماشي". وهنا يبرز دياب موهبته في التنقل بين المقامات، وكذلك في التنقل بين الطبقات، كي يكشف عن جمال المناطق الخفيضة والرفيعة في صوته.
مقامات من خارج المقرر
أغنية "حاولت" من ألبوم "راجعين" ١٩٩٥. واحدة من أكثر أغنيات عمرو دياب اختلافا من حيث الشكل الموسيقي. أولا، بفضل الموزع أشرف محروس الذي أدخل الآلات الأوركسترالية الحية مثل الهارب والفلوت والأوبوا والوتريات والأجراس، جنبا إلى جنب مع القانون والدفوف التي تعزف إيقاع الملفوف؛ ليصنع توليفة نادرة أقرب للتخيلات الاستشراقية عن الموسيقى الفرعونية.
وثانيا بفضل اللحن المميز لعمرو دياب، الذي استخدم فيه مقامات وتنقلات ليست شائعة. أغنية "حاولت" لَحّنها عمرو دياب من مقام العجم على درجة (مي) حيث يقول في المطلع "حاولت أبعد بعيد عنك.."، لكن هذا العجم تتغير تركيبته النغمية بشكل غير متوقع في جملة "..غلطان ومش داري يمكن يكون الحب متداري"، حيث يتحول جنس الفرع من عجم إلى حجاز على (الدو)، فيكوّن مع جنس الأصل مقاما جديدا يسمى "شوق أفزا"، وهو مقام فرعي نادر في الموسيقى الشرقية يعتبر هجين من العجم والحجاز.
ولا يكتفي عمرو دياب بهذه النقلة الغريبة، إذ يتبعها بنقلة أخرى لا تقل غرابة في جملة "حاولت كتير لكن قلبي لا كلمني ولا لامني.."، هنا نتحول لمقام نادر آخر يسمى "سوزناك" على درجة (مي)، وهو يتكون من جنس أصل الراست مع جنس فرع الحجاز.
ما فعله الملحن عمرو دياب في هذه الأغنية باختصار هو أن قام بالتلاعب بثلاثة أجناس شهيرة: العجم والحجاز والراست، ليُشكّل بهم سلالم فرعية متنوعة وغير متداولة، ويتنقل بينها داخل الأغنية الواحدة. لذلك فهي تعتبر من أعقد الألحان في تاريخه.
التمسك بالربع تون
رغم أن أغاني البوب خاضعة للسيطرة شبه الكاملة للمقامات الموسيقية المعتمدة على النصف تون، مثل الكرد والنهاوند، وخاصة في الأغنيات العاطفية التي نادرا ما تخرج عن هذين المقامين. وجد عمرو دياب طريقة لاستغلال الأغنيات الخاصة للخروج من هذا المأزق، والحفاظ على تقديم ألحان بمقامات الربع تون من حين لآخر. وهو ما يتجلى تحديدا في أغنيتين:
أولا "مصر قالت" التي لحنها دياب من مقام الراست؛ مستلهما روح أم كلثوم في "مصر تتحدث عن نفسها"، ووديع الصافي في "عظيمة يا مصر"، ولكن هذه المرة يفعلها عمرو بمصاحبة هارموني غربي متقدم بواسطة الموسيقار عادل حقي، الذي دعم هذا اللحن الشرقي البديع بلمحات من موسيقى الnew age الغربية وصولو الفلوت الكلاسيكي.
ثانيا دعاء "نور على نور"، وهو أيضا من مقام الراست الذي يحتوي على بُعدين من الربع تون، ويعتبر أساس المقامات الشرقية. ونجح عمرو دياب في تلحين هذا الدعاء بأسلوب فريد من حيث البناء والهارموني. الجدير بالذكر أن دياب قدم في مسيرته أكثر من عشرين دعاء لأسماء الله الحسنى، وقام بتلحينها جميعا، وركز على استعراض عضلاته في تلحينها بالمقامات الشرقية وخاصة الراست.
من أبرز الأدعية الأخرى التي لحنها دياب من مقام الراست: دعاء "القوي" ودعاء "الغفار".
ومن نفس المقام حاول دياب صنع تجربة موسيقية "ريترو" مع الموزع فهد، من خلال الأغنية السينجل "حنية الدنيا فيك". رغم أن هذه الأغنية لم تكتمل مراحل صناعتها، لكنها كاشفة عن إمكانيات عمرو الملحن ومخزونه السمعي العريق، وأيضا كاشفة عن عمرو المطرب الشرقي الأصيل.
الجيد في الأمر، أن الملحن عمرو دياب لم يجعل كل هذه الإنجازات التلحينية تبدو صعبة، أو معقدة، أو شاقة على المسامع. بل اختار السهل الممتنع. اختار أن يصنع "الطرب" بنغماته، وأن "يُطربها" بصوته، دون ضجيج أو تكالب على رتبة "المطرب".
اقرأ أيضا:
أروى جودة ونسرين طافش وهدى المفتي من بينهم ... النجوم يتألقون في ختام مهرجان الجونة
أسماء جلال وأحمد خالد صالح وهنادي مهنا وياسمين رئيس وزوجها ... نجوم الفن في حفل ختام مهرجان الجونة
#شرطة_الموضة: أسماء جلال بفستان أحمر من الشيفون بـCutout عن البطن ... سعره يتخطى 300 ألف جنيه
#شرطة_الموضة: منة شلبي بفستان لامع من "لبيروت" في ختام الجونة ... سعره يصل لـ 90 ألف جنيه
لا يفوتك: في الفن يكشف حقيقة وليد فواز مبدع أدوار الشر
حمل آبلكيشن FilFan ... و(عيش وسط النجوم)
جوجل بلاي| https://bit.ly/36husBt
آب ستور|https://apple.co/3sZI7oJ
هواوي آب جاليري| https://bit.ly/3LRWFz5