في الحلقة الثامنة من سلسلتنا "كل يوم حكاية وفصل من كتاب عن عملاق من عمالقة الفن" نقدم كتاب "يحيا يحيى!" للكاتب الصحفي والناقد الفني طارق الشناوي.
"يحيا يحيى!" الفصل الأول من كتاب "يحيا يحيى!" للكاتب الصحفي والناقد الفني طارق الشناوي.
علاقة خاصة جدًّا أراها تربط بين يحيى الفخراني وجمهوره يغلِّفها الصدق من يحيى والدفء من جمهوره. لو حسبتها بالورقة والقلم وقلت مثلًا إنه على مدى يربو على ربع قرن يقدم لجمهوره مسلسلًا في رمضان وإن هذا المسلسل يحظى بالمركز الأول في كثافة المشاهدة فصار هو إفطارهم وسحورهم اليومي، تستطيع بعدها أن تقول إن هذا التراكم النوعي لم يستطع أي نجم آخر تحقيقه، فهو صاحب الدائرة الجماهيرية الأوسع في البيت المصري والعربي، والشفرة هي أنه ببساطة يحترم هذا الجمهور.
اقرأ أيضا: الموهبة ليست ورقة يانصيب ... ماذا قال عادل حمودة في "مذكرات صلاح أبو سيف"
تعوَّدْنا أن نهتف للزعماء. الكثير من هتافنا نفاق. القليل صادق. الفنان هو الوحيد الذي لا يمكن أن يشتري هتاف الجماهير، فهم يصوِّتون لاسمه من خلال قنوات لا يرقى أبدًا إلى نزاهتها أي لمحة شك، وهكذا تهتف له القلوب قبل الأيادي «يحيا يحيى»!
لقد صار من علامات كل رمضان، مثل المدفع والإفطار والسحور والفانوس... أصبح الفخراني منذ أكثر من ربع قرن طقسًا لا غِنى عنه في حياة المصريين والعرب. تنتظره العائلة المصرية والعربية من العام للعام، وهو لم يُخلف الوعد أبدًا... دائمًا ما يزداد الشوق وتستبدّ بنا اللهفة، ويأتي اللقاء مفعمًا بالفن، دافئًا بالحب، حاملًا شيئًا من المجهول. هناك دائمًا مغامرة يحرص عليها الفخراني. نعم قد يتباين المستوى بين مسلسل وآخر، ولكن الثابت دائمًا هي قدرة الفخراني على الاستحواذ على مشاهدي الشاشة الصغيرة!
حاولت أن أتأمل سر هذا الفنان الاستثنائي في حياتنا فوجدت أن الإصرار على عبور الذُّرى التي يصل إليها هو سره الخفيّ. إنه ينسى النجاح مهما بلغت درجته. يعتقد البعض أن الفشل هو العدو الأكبر للفنان ولكن الحقيقة أن النجاح في أحيان كثيرة يصبح هو العدو الأشد ضراوة وفتكًا، إذا اقتحم حياة الفنان فلن يملك مواجهته. البعض قد يتوقف أمام نجاحه في حالة أقرب إلى النرجسية، ينظر إلى مرآته الفنية ويتغزل في الدور الذي لعبه وفي النجاح الذي انتقل به إلى قلوب الناس حيث يتحول النجاح الطاغي إلى لقطة من كاميرا فوتوغرافية تُطيل النظر إليها، لقطة ثابتة تمسكها بيدك وتعصرها في نشوة.
إن هذا هو النجاح القاتل، لأنه يضع نهاية للطموح، أما يحيى الفخراني فلا توجد لديه لقطات ثابتة ولا كاميرا فوتوغرافية. اللقطات الفنية التي تمرّ به لا تعرف الثبات؛ لقطاته تتحرك سريعًا 24 كادرًا في الثانية، بالضبط كأنها شريط سينمائي لا تستطيع أن توقفه... وهكذا في كل مسلسل تليفزيوني لا يُسكره النجاح بل يحرِّك داخله على الفور غُدّة الإبداع، حيث إنه قادر على أن يطوي الصفحة سريعًا ليعيش مع اللحظة الحاضرة في تجربة قادمة يتحدى بها نجاحه ونفسه ليدخل في مغامرة جديدة!
«سليم البدري»، و«ربيع الحسيني»، و«سيد أوبرا»، و«جابر مأمون نصار»، و«رحيم المنشاوي»، و«عباس الأبيض»، و«حمادة عزو»، و«شيخ العرب همام»، و«الخواجة عبد القادر»، و«الباسل»، وغيرها وغيرها... كل هذه شخصيات انتقلت من الشاشة الصغيرة لتعيش معنا بوصفها بشرًا من لحم ودم، نشعر بها كأننا سبق أن ألتقيناها وعايشناها، ثم يمر زمن وهي لم تغادرنا رغم أنها غادرت صاحبها الذي جسّدها، لأنه يعيش حالة أخرى بكل الصدق فلا يتبقى من دمائه ولا بقايا في فكره تخونه مع شخصية سابقة، لقد طوى هذه الصفحة التي كتبها بإحساسه ودمائه ليكتب صفحة جديدة.
عرف يحيى الفخراني أن هذا الجهاز السحري «التليفزيون» يمتلك قوة جماهيرية، وحدث بينه وبين التليفزيون كيمياء فنية. وفي تاريخنا الفني ستجد دائمًا أن هناك علاقة بين الوسيط والفنان يصبحان بعدها كأنهما وجهان لعملة واحدة. إنها علاقة غامضة وتحتاج إلى دراسة علمية، حيث يصبح الوسيط مثل التربة والمناخ الذي تنمو فيه النباتات. إنه أرض وطقس عندما تُزرع فيهما موهبة فنان ما تحقق محصولًا أكثر وفرة وغزارة.
وهكذا يتباين النجاح في العالم كله بين الفنانين من وسيط إلى آخر؛ كل وسيط فني يملك سرًّا ما له مفتاح وشفرة، والفخراني بينه وبين وسيط التليفزيون «باسوورد» مشترك. ربما كان أقوى العناصر التي يمتلكها التليفزيون أنه لا يقع تحت طائلة قانون شبَّاك التذاكر، فهو يأتي للمشاهد في منزله من دون أن يحتاج إلى إقناعه بأن يرتدي ملابسه وينزل إلى الشارع ويقطع ثمن التذكرة، ولهذا يسمح التليفزيون للفنانين بالمغامرة؛ فلا خوف مسبق ولا مبرِّر لهذا الخوف، خصوصًا لو كنا نتحدث عن فنان يُخلص لفنه.
صحيح أن المنافسة شرسة خصوصًا أن ما يزيد على 1000 قناة ناطقة باللغة العربية تتهافت على المشاهدين، والكل صاحب مصلحة في أن يحقق أكبر رواج جماهيري... إلا أن مُشاهد التليفزيون من الممكن أن يوافق على المغامرة الفنية، خصوصًا إذا تعوَّد من الفنان على أنه بقدر ما يمنحه الثقة فإن الفنان في المقابل لا يخذله، ليصبح جديرًا بتلك الثقة.
في كل رمضان نسمع ونقرأ ونعرف أن كل نجم أو نجمة يبدأ في البحث عن وسيلة لكي يضع مسلسله في ذروة المشاهدة أرضيًّا وفضائيًّا، وتتصارع شركات الإعلان بعقد صفقات لهذا النجم أو تلك النجمة، ولكنّ يحيى الفخراني دائمًا تجده بعيدًا عن كل ذلك.
أتذكر قبل 14 عامًا أنه تم إبعاد مسلسله «أوبرا عايدة» للكاتب الراحل أسامة غازي والمخرج أحمد صقر. تم إقصاؤه إلى قناة «النيل الدولية» بعيدًا عن المنافسة وفي قناة لا يعرفها أحد، لكنّ الجمهور ترك المسلسلات الأرضية وأخذ يبحث عن الفخراني في الفضاء، وبعد نهاية شهر رمضان وبناءً على رغبات المشاهدين تم عرض المسلسل في القناة الأولى!
كانت إرادة الناس أكبر من الصفقات والوساطات، ومن بعدها لم يجرؤ أحد على إقصاء يحيى الفخراني بعيدًا عن قلوب مشاهديه، ودائمًا ما يبحث ريموت كنترول قلوب الجماهير عن يحيى الفخراني في كل القنوات!
اقرأ من هذه السلسلة:
مفاتيح وملامح ... الفصل الأول من سيرة داود عبد السيد السينمائية
نجيب الريحاني - فيلسوف الضحك والبكاء ... ممثل والذي منه!
لايفوتك: #شرطة_الموضة: أجمل إطلالات النجمات في Joy Awards ... وأسوأ الإطلالات
حمل آبلكيشن FilFan ... و(عيش وسط النجوم)
جوجل بلاي| https://bit.ly/36husBt
آب ستور|https://apple.co/3sZI7oJ
هواوي آب جاليري| https://bit.ly/3LRWFz5