في الحلقة الرابعة من سلسلتنا "كل يوم حكاية وفصل من كتاب عن عملاق من عمالقة الفن"، نقدم كتاب "الدونجوان... الهزل والجد في حياة أبو الرشد" لـ د. هاني حجاج.
تابعوا قناة FilFan.com على الواتساب لمعرفة أحدث أخبار النجوم وجديدهم في السينما والتليفزيون اضغط هنا
الفصل الأول من كتاب "الدونجوان... الهزل والجد في حياة أبو الرشد" ... فيلم (المليونيرة الصغيرة) أشياء كثيرة لا ينساها (رشدي)
لأن الفيلم الأول كالحب الأول، لا يُنسى..
كانت البطلة هي (فاتِن حمامة)، وكان هذا أول فيلم تعود به إلى الشاشة بعد أن منعها أبوها من العمل حتى تتفرَّغ للدراسة. وقد كان (رشدي أباظة) بظهوره الأول وحظه ووسامته أول من قبَّلها على الشاشة، وقد ارتعشت بين يديه، أما هو فلم يحس للقبلة طعْمًا، ولكنها ظلَّت لأيام، كلما رأته، تدير رأسها بعيدًا، وتحتاج لقوة مضاعفة لكي تواجهه أمام الكاميرا.
وقد تقاضى عن فيلمه الأول مائة وخمسين جنيهًا دفَع فوقها خمسين جنيهًا حتى يشتري بالمائتين ملابس تليق بأول فيلم.
يوم 22 فبراير 1948، بدار سينما "كوزمو" بالقاهرة، أطلَّ على شاشة السينما لأول مرة وجه (رشدي أباظة)، مُشاركًا فاتن حمامة، ماري منيب، فؤاد شفيق، لولا صدقي وعبد السلام النابلسي، بطولة فيلم "المليونيرة الصغيرة" الذي يحمل رقم 346 في قائمة أفلام السينما المصرية.
في ليلة الافتتاح كانت مشاعرُه متبلِّدة، لا خوفَ يجتاحه ولا فرحة، لأن السينما لم تكن أملًا قبل أن يدخل البلاتوه، ولا وَجَد فيها ما يغريه بعد أن انتهى من تصوير دوره الفيلم، إنه يعتبرتها جولة وتنتهي، أو تجربة وتمضي، أو مغامرة. لأنه في ذلك الوقت كان قد تقدَّم بطلب إلى شركة قناة السويس التي كان الموظف فيها –من النوع الذي يُتقِن اللغات كما يتقن– يتقاضى مائة وثمانين جنيهًا عندما يوقِّع عقْد العمل، وفي خمسة أعوام بعد ذلك يقفز مرتَّبه إلى مرتب الوزير.
ذاك كان الأمل، ومن أجله جمع أوراقه: البكالوريا، وشهادة المتروكوليشن الإنجليزية، ودراسات اللغات من أكسفورد وكامبريدج، وشهادات الخبرات العليا في اللغة الفرنسية، والإيطالية بحكم الميلاد.. جمَع كل هذه الأوراق ومضى إلى الامتحان الذي تعقده شركة قناة السويس في مبنى لها في شارع قصر العيني.
ووجد (رشدي) نفسه بين ثلاثمائة مُتسابق، أو مُتصارع على الوظائف الثلاث المُعلَن عنها. وكاد ينسحب، هل يعقل أن يكون واحدًا من بين ثلاثمائة؟ ولكنه تعلَّل بالأمل، قال لنفسي إنه لن يخسر شيئًا إذا فشل، وسيكسب كثيرًا إذا نجح.
وللدهشة، نجح، ونجح معه واحد من أسرة الشواربي، وثالث غير معروف النسب..
على أن النجاح لم يحقق له الكسب الذي يريد، فقد كان في التقدير، والرب في التدبير، يرسم خُطًا وترسم له السماء خُطًا بعيدة عنه، إن اليوم الذي تسلَّم فيه خِطَاب تعيينه في شركة قناة السويس هو اليوم ذاته الذي دقَّ فيه بابه مرتين، المرة الأولى حين جاءه من يدعوه لمقابلة مُخرِج إيطالي يدعى اليسندريني الذي ذهب وقابله، فعرض عليه بطولة فيلم (أمينة) مع بطلة إيطالية تُدعَى آسيا نوريس، فضعف أمام الفرصة، وسال لعابه..
وما كاد يعود إلى البيت بفرحته، وما كادت أمه تستقبله وهي لا تعرف كيف تفسِّر نزوته وجنونه، حتى دق الباب مرة أخرى، وكان الطارق في هذه المرة المخرج فرنوتشو الذي كان يقيم في مصر، وقال لـ(رشدي):
- "لا ذنب لك فيما حدث في (المليونيرة الصغيرة)!"
رد (رشدي) بعدم فَهم:
- "ماذا حدث؟"
فقال فرنوتشو ببساطة وبلهجة الخبير:
- "لم يستطع المخرج أن يقدِّم أحسن ما فيك!"
ثم استطرد قائلًا:
- "ولهذا أعتقد أن فرصتك ستكون معي في فيلم (امرأة من نار)؟"
فقال (رشدي) ضاحكًا:
- "ومن المرأة؟"
أجاب كطلقة رصاص:
- "كاميليا!"
كاميليا النارية وستكون امرأة في النار؟! يا فِتنة القاهرة، هل حقيقة سيلتقي بها؟
يا قدرًا لا يعرف كيف يلعب بنا! هل من الصحيح أنه وقع عقدًا في يوم، والعقد الثاني ينتظره في اليوم التالي؟
وتحرَّك فيه حب مفاجئ وجارف وصِبياني للسينما، فقال لفرنوتشو:
- "غدًا أزورك في مكتبك!"
هناك وجد (كاميليا) بشحمِها ولحمِها، شهية كتفاحة، ناضرة كزهرة ربيع، متثنية طرية وفوَّاحة كرحيق ألف أنثى.
ولم يقل أيهما كلامًا كثيرًا، فقط تبادَلا التحيَّة بهزات الرءوس ونظرات الفضول!
وذهب من فوره إلى حنفي صديقه، ليقول له عن دفعة الحظ التي جادَ بها القدر، وما أن بلغ البيت عند منتصف الليل حتى وجد أمه ساهرة وهي تقول له:
- "واحدة اسمها (كاميليا) طلبتك، وحتمت أن تطلبها على هذا الرقم"
ودفعت له أمه برقم تليفون، رقم تليفون مأساة عاشها اسمها: كاميليا!
***
دفعت له أمه برقم التليفون، فاتجه إلى غرفة النوم وهو يضع الرقم في جيبه، فصاحت أمه:
- "(رشدي)، (كاميليا) تنتظر مكالمتك!"
- "الصَّباح رباح.."
فقالت غاضبة:
- "أحيانًا يطغى عليك عِرق الفلاح، فتنسى كيف تعامل النساء!"
خجل من نفسه، وعاد إلى التليفون وأدار رقم (كاميليا) فردَّت بصوت متهدج، وقالت:
- "تعالَ فورًا.."
- "أنا الآن مُتعب.. الصَّباح رباح."
ونظر إلى وجه أمه وهو يتحدث، فأشاحت عنه وهو يبتسم، وألحَّت (كاميليا) إلحاحًا آمرًا فوافقها، ومضى إلى عمارة الإيموبيليا حيث كانت تسكن!
ولم تكن هيئته وهو يلقاها هيئة من يخرج ليلقى فاتنة القاهرة وحديَث دُون جواناتها، لم يكن حليقًا، والسترة التي يرتديها سبور، والنُّعاس في عينه.
وجلس والتساؤل الذي لازمه طوال الطريق يلح عليه: "ماذا تريد (كاميليا) في هذه الساعة من الليل؟" وبان السؤال في عينيه، وهربت منه بذكاء حين قامت تحضر كأسين من الويسكي، وقالت وهي تقرع كأسها بكأسه:
- "في صِحة (امرأة من نار)."
ونظر إليها من فوق الكأس، وفجأة خُيِّل إليه أنه يقرأ على جبينها لافِتة بغير مِداد، لافتة مكتوب عليها "هذه لك.." وبادلته النظرة بنظرة، وابتسمت.. هل قرأت على جبيني شيئًا؟ ودار بينهما حديث طويل، ونشطت كل حواسه لأسئلتها الفضولية التي خرجت منها بهيكل كامل لحياته، غير أنها وهي تتحدث عن نفسها تعرَّت تمامًا، و(رشدي) يسحره هذا النوع من النساء/ تسحره المرأة التي ينظر في عينيها فيرى أعماقها، وعندما قام لينصرف أحسَّ بأنه يعرف (كاميليا) من زمن، ولكنه لم يترك هذا (التقادم) يعطيه حقًّا في أن يقبلها، فقط لثم ظهر يدها، وقبلها بعينيها، وخرج وهو يفرمل تحركاته يدَّخر لها شيئًا!
يُسقط (رشدي أباظة) من ذاكرته فيلمًا أنتجته شركة أفلام الحرية اسمه (ذو الوجهين)، وفشل بالدرجة نفسها التي أخفق بها فيلم (المليونيرة الصغيرة)، الفيلم تم إنتاجه عام 1949 من تأليف أحمد ضياء الدين وعبد العزيز خورشيد، ومن إخراج ولي الدين سامح، والبطولة لمحمود المليجي وزوزو شكيب وأحمد أباظة وعباس فارس ورجاء محمد ونادية السبع وعبد العزيز خورشيد، وتصوير برونو سالفي.
ضحك صديقه كمال عزب، وكان يعمل في جريدة (المصري) وقال:
- "يقول المثل أن الفقي حين يسعد تجيئه (ختمتين) في ليلة واحدة!"
قال (رشدي) وسيارة صديقه تنطلِق بهما إلى الإسكندرية في جوف الليل:
- "اسمع.. هل تذلني لأنك تعمل سائقًا عندي؟"
فتوقف بسيارته وقال بظرف:
- "انزل هنا.. واقطع باقي الطريق مشيًا لأثبت لك أنني صاحب السيارة!"
قال له (رشدي):
- "الله يلعن أبو الفقر.. سأشتري سيارة من نقود (أمينة)!"
فضحك وقال:
- "من نقود (امرأة)؟"
رد (رشدي):
- "(أمينة) فيلم.. لم أقل (امرأة من نار)، حتى لا أفوِّت عليك القفشة.."
وضحكَا والسيارة تنطلق بهما، وروى لكمال كيف اشترى من نقود الفيلم الأول طاقمًا كاملًا.. من بدلة وحذاء وجورب وقميص وكرافتة، وقد تلذَّذ بأنه يرتدي من عرق الجبين، فلم يخلع الطاقم طوال ثلاثة أيام..
قال بدهشة:
- "كنت تنام به؟"
فقال بثقة:
- "كنت أنام به."
فقال بظرفه:
- "إذن، عندما تشتري سيارة سوف تسكن فيها."
فقال (رشدي):
- "وأزرع فيها حديقة!"
هكذا كانا يقطعان الطريق كل ليلة إلى الإسكندرية حيث يمثِّل دور البطولة في فيلم (أمينة) طوال الليل، فإذا ما طَرَق الصَّباح باب الكون، أخذه كمال في سيارته، وعاد إلى القاهرة ليُمثِّل دور البطولة في (امرأة من نار)، ولا يكاد الليل يلف الهَرم حتى يكونَا قد انطَلَقا على الطريق الصحراوي إلى الإسكندرية.. هكذا لأحد عشر يومًا، بلا نوم. وكانت (كاميليا) تراه كل يوم فتقول له بإشفاق:
- "هذا كثير."
ويقول لها متظاهرًا باللامبالاة:
- "أبراجنا في السماء قد لا تدفع إلينا الحظ مرتين، والمثل الإنجليزي يقول "إذا طلعت الشمس فأسرع وجفف ثيابك".."
مرة، في اليوم الحادي عشر لعمله المضنِي في الفيلمين، وصل إلى أستوديو مصر، فلم يجد الديكور جاهزًا.. وقال له مساعد المخرج:
- "أمامنا ساعتان على الأقل.."
وأحاطت به نظرات العُمال الذين عقد بينهم الصداقات من أول يوم، نظرات اتفاق شديد، وهمس أحدهم في أذنه:
- "ادخل غرفتك واسترح يا أستاذ.."
ودخل غرفته ونام، في ثانية نام.. وكأن النوم كان تحت الجُفون، فلما أطبقهما تسلطن، وصحَا.. في الخامسة مساءً استيقظ، ووجدَ الأستوديو في حالة انتظار، واستقبلته (كاميليا) بابتسامة، وسألته:
- "هل استرحت؟"
فقال بخجل شديد:
- "على حساب راحتكم.."
واعتذر للمخرج، ولكل العاملين بينما قالت كاميليا:
- "أن يتعطل العمل بضع ساعات خير من أن تسقُط ميتًا، إنني دخلت عليك في أثناء النوم ورفعت يدك، وربّت خدك، ولكنك لم تحس بشيء، فأقمت حُرَّاسًا حول بابك حتى لا يزعجك أحد إلى أن تقوم براحتك..".
قال لكاميليا شاكرًا وبخدٍّ مورَّد:
- "على كل حال، أنا لن أذهب إلى الإسكندرية الليلة، فقد انتهَيْنا من مشاهدها هذا الفجر..".
فهللت وقالت للفنانين معًا:
- "إذن، السهرة عندي الليلة.."
اقرأ أيضا:
فاطمة كشري: جوزي ضربني بسبب التمثيل وفنانة كبيرة دافعت عني بعد تطاول مساعد مخرج علي
لأول مرة .. إلهام صفي الدين مع خالتها إلهام شاهين في "الحب كله"
حكاية الفستان الذي أنقذ الموقف وحضرت به ياسمين رئيس حفل Joy Awards
حسن يوسف يكشف حقيقة اعتزاله الفن بعد وفاة نجله غرقا
#شرطة_الموضة: أجمل إطلالات النجمات في Joy Awards ... وأسوأ الإطلالات
حمل آبلكيشن FilFan ... و(عيش وسط النجوم)
جوجل بلاي| https://bit.ly/36husBt
آب ستور|https://apple.co/3sZI7oJ
هواوي آب جاليري| https://bit.ly/3LRWFz5