كيف تقتل الأحلام عند من يشاهدوك وتحبطهم؟ كيف تجعلهم يقلدون الآخر دون إبداع؟ كيف تجعلهم يكرهون شخصية كانوا يتغنون بإسمها؟
للأسف كل هذه الأسئلة أجابت عنها برامج الأطفال في شهر رمضان ، ففي محاولة لخلق شخصية كرتونية جديدة يتعلق بها الأطفال فشل القائمون على حلقات "ظاظا وجرجير طازة" في الشكل والمضمون ، فالشكل بالضبط هو "عالم سمسم" حتى العرائس.
أما المضمون ، وهو ما أعتبره غير متوافق على الإطلاق ، فأنا أظن أن هذه البرامج موجهة لمن هم في سن 3 – 6 سنوات في الغالب وهم في حاجه إلى التفاؤل والسعادة وليسوا في حاجة إلى إحباطهم ووعدهم بالبطالة في المستقبل ، وأنا لست مع من يقولون إنه لابد من أن يعرف الأطفال الواقع ، فليس هذا واقعاً بل إحباطا ، وحتى إذا سلمنا بذلك جدلا ، فهل وقت الأفطار - وهو الوقت المحدد دائماً لبرامج الأطفال - هو الوقت المناسب لذلك؟!
أما كيفية أن تجعل الأطفال تكره شخصيتها المفضلة على مدار الأعوام الماضية وحتى للكبار ولكن بعد رحيل د.منى أبو النصر تمنينا أن تستمر شخصية "بكار" على نفس النهج ، ولكن هذا العام جاء بكار ليحارب القراصنة ويقبض على المجانين في المترو وينقذ الآخرين من الموت ويفعل ما يفعله السندباد وعلاء الدين وكل ماهو خطير يستطيع فعله وكأنه بقى "سوبر بكار"! وكأن الشخصية اقتلعت من جذورها لينطفيء بريقها.
ولم أجد مبرراً لانتقال بكار من النوبة إلى القاهرة سوى فقر السيناريو ، فقد أصبح في القاهرة مجرد شخصية عادية ، وهنا يستطيع اقتباس ما لذ وطاب.
ولا أجد أبرز من تعليق أحد الأطفال على بكار بعد رؤيته قائلاً : "لماذا لم يكبر بكار رغم أننا كبرنا ، وهو يقول في الأغنية : يا بلادي أنا إمتى أكبر"؟! وكأن هذا الطفل اللماح أحس بوجود خطأ ما لكنه لم يتمكن من تحديد ماهيته ، ولم يكن هذا الطفل يطلب أن يكبر بكار ، لكنه لم يعجب بما يقدم أو ينجذب له ، أو أنه زي ما بيقولوا بالبلدي "بيطلع القطط الفاطسة"!
وكلما شاهدت أفلاماً كارتونية فاشلة لا تمد الأطفال بالحقائق مثل توم وجيري "التافه" وميكي ماوس أو حتى كابتن ماجد ، أقول لنفسي : يعني خلاص مفيش مشاكل عند الأطفال غير إنهم يضحكوا على شوية فئران؟ كلما شاهدت هذه الأشياء أدركت مدى أهمية هذه الأعمال الرائعة التي تعمل على كشف المستقبل الأسود لأطفالنا أعانهم الله - طبعاً الأطفال - على تحمله!
ونتيجة هذا الإنتاج الحديث لبرامج الأطفال لم أكن أتخيل أن أرى على القناة الثالثة كل ماهو قديم فشاهدت "بوجي وطمطم" التي كانت تفتقد لكل الإمكانات وهي تنتصر على كل الجديد من حيث الفكرة والتنفيذ واضعاً اعتبارات الزمن في الحسبان.
وأعتقد أن مأساتنا في التعامل مع الأطفال والفارق بيننا وبين الآخرين ليس في الإمكانيات فقط فمن الممكن التغلب عليها ، ولكن المشكلة تكمن في أننا ننظر إلى الأطفال على إنهم "أشياء صغيرة" لا تدرك ، وليس على إنهم "إنسان صغير" من حقه أن يجد الاهتمام فيما يقدم له ، والفارق شاسع لا تستطيع إخفاؤه حتى وإن كان العمل جيدا.