الذين شاهدوا هذا الفيلم داخل قاعات المهرجان وسط حشود محبي السينما ودارسيها، شهدوا بجودته وجديته، لقد كتبت وأنا على بعد خطوات من قاعة العرض مغادرا ما نصه: "أرشح هذا الفيلم البلجيكي/ الفرنسي، لأحد جوائز المهرجان الكبرى؛ فيلم "الحب بحسب دالفا"؛ والذي يمكنك تسميته مطمئنا "دالفا" ودالفا فقط، تلك الممثلة الصغيرة عمريا، والتي لا نعرف تاريخها السينمائي، هي من تتملك مشاعرك طوال 88 دقيقة هي زمن الفيلم.
نرشح لك- مراد مكرم يتحدث لـ"في الفن" عن إجادته للغة الإيطالية في "الغرفة 207" وذكريات قُبلة شاكيرا
أما أحداثه فتدور في بضعة أيام، لكن ستشعر معها أنك قضيت مع دالفا كل سنوات عمرها؛ بالبناء القصصي المحكم وكل فنون الإخراج السينمائي سوف تجدها في هذا الفيلم، لا مشهيات من أي نوع، فقط الإعتماد على القصة والسيناريو وهما يستحقان جوائز أخرى، وإن كانت جائزة الهرم الفضي التي حصدها الفيلم تشمل كل عناصره بالطبع، وهذه الممثلة المعجونة بماء الفن والموهبة، تلك الفتاة الشابة التي تقف عمريا بين سن المراهقة والشباب، والذي لم يكن صعبا أن نلحظه حتى يستقر التعاطف في وجداننا، وأيضا لندرك عمق المأساة، التي جسدت مرحلتها العمرية ببراعة لا نظير لها؛ فهي في أحد مشاهد العمل لا تعرف كيف تتعامل مع الدورة الشهرية؛ حيث أن الأم غائبة عن حياتها والأب يستغلها جنسيا، جعلتنا نتوحد مع قضيتها الإجتماعية عابرة الحدود، وأن نتوجع لمأساتها، وأن نترقب ـ لها ومعها ـ الخلاص، خاصة مع تلك المشاهد القليلة التي تقترب منها العدسة "زووم إن" وبإيحاء موسيقي ملهم.
أراقبها هي فقط، فلا أجد إلا الصدق البعيد كل البعد عن الإفتعال، بخطوط وجهها البريء الذي تابعه مشاهدي حفل ختام المهرجان في كلمتها القصيرة المسجلة حيث لم تتمكن من حضور الختام، لابد وأنكم شعرتم بكل هذه البراءة ـ رغم عمق الجرم الذي داوم عليه الأب في أحداث العمل ـ ثم نبتسم مع مراحل تعافيها وروعة عمرها المزهر، وكأننا نشد على أياديها، آملين أن تنهض بعد اكتشافها الخطأ الذي انحدرت إليه سنوات عمرها بفعل جريمة تمس المشاعر الإنسانية أينما وجدت، ولهذا لمست مشاعر المتفرج ولجنة التحكيم، جتى هذا الممثل الذي قبل دور الأب المقزز والذي فكرنا بملك هذه الأدوار في غير بشاعتها عبد الغني قمر، نجح في أن يجعلنا ننفر منه ونتقزز رغم أنه لا يوجد مشهد واحد يخدش الحياء طوال الأحداث، يستحق مشخصاتي الدور أيضا جائزة عن مشاهده المعدودة؛ فقد كان قبيحا بما فيه الكفاية، أما مخرج الفيلم فقد نجح في أن يتلاعب بمشاعرنا بين الرفض المطلق لشخصية "دالفا"، والخوف عليها، في مشاهد لم تخلو من التوتر الشديد في تتبع مصيرها، مستخدما مع المونتير "تقطيع" بالغ الحرفية والمهارة، كادرات سريعة، متلاحقة بين الظل والنور، تنبئ دائما أن هناك مزيد من التفاصيل التي لا تأتي دفعة واحدة كما هو الحال مع السيناريست المفلسين، كأن المخرج يرفع شعار "انتظروا فعندي المزيد" لمشاهدي الصالة، مع مشاهد متوازنة بين الداخلي والخارجي لم يترك لنا وقتا للملل أو التقاط الأنفاس فقط كتم للأنفاس، هو مخرج استحق الجائزة.
يبقى أن أخطر ما في فيلم "الحب بحسب دالفا"، هو جرأته الشديدة في طرق قضية إجتماعية/ إجرامية، بالغة الخطورة، مؤلمة للمجتمع قبل أن تكون جريمة في حق الأبناء، فمن العار أن ندفن رءوسنا في الرمال ونميت ضمائرنا، وننفي وجود تلك الجريمة البشعة في تلك المجتمعات، عندما يتحول الأب إلى مجرم ويتخلى عن الشرائع ويتعامل مع الإبنة الطفلة أو المراهقة على أنها الزوجة أو العاهرة؛ أن يتحول الحنان إلى أبشع أنواع الإستغلال، نظرة إلى صفحات الحوادث ومحاضر الشرطة في هذه البلدان سوف تكشف لك المأساة، 88 دقيقة مع قضية "دالفا" سوف تشعرك بالخطر على وجه يتمتع ببراءة، حتى أنها تبدو غريبة مع استخدام الماكياج أو أحمر الشفاه تتحول إلى شخصية أخرى لا تصدقها فقد اعتدنا معها البراءة، فتاة في مثلها لا تعرف معنى الحب، إلا الذي علمه لها والدها الجبان، الحب الخاطئ معه هو فقط وعليها ألا تصدق غيره، فتاة في مثلها لا تعرف لعب البنات؛ تعيش داخل بيت أشبه بالقبو رغم أثاثه المودرن، بيت ذو رائحة عفنة، مع أب مريض، بيت يفتقد الشرائع الإنسانية، حياتها تشبه النفق المظلم الذي عبر عنه المخرج في مشهدين تسير فيه ذهابا وإيابا دون هدف بمصاحبة كاميرا محترفة، ليؤكد الفيلم على غياب الوعي وافتقادها الرؤية لحياتها، تلقت دالفا أقسى دروس الحياة منذ الخامسة من عمرها، واعتقدت بأنه الصواب، لذلك نجدها في تحقيقات الشرطة بعد بلاغ من الجيران، تؤكد على أن والدها غير مذنب؛ خاصة أنها كانت تكن كراهية لأمها التي تركتها في عمر ال 5 سنوات، لنكتشف ضمن الأحداث أنها تركت الزوج بسبب أفعاله المشينة، وأنها حاولت كثيرا البحث عنها حيث أن الأب كان دائم التنقل حتى لا يكتشف جريمته أحد.
تنتشل الشرطة دالفا من هذه الأجواء العفنة، وتودعها دار رعاية، وهناك تقترب منها الفتاة السمراء "سامية"، عن طريقها مع الإخصائي الإجتماعي، تبدأ رحلة تغيير مفاهيمها عن الحب، وتكتشف كذب والدها، تعود للحياة الطبيعية مع نزلاء دار الرعاية، شيئا فشيئا، وفي مشهد "فينالة" شديد الرمزية، دخلت بصحبة والدتها قاعة المحكمة التي يحاكم بها الأب، الفتاة جالسة بجوار الأم، يقف الحضور تحية للقضاة، ينادي المحلف على الأب، يقف الأب المتهم، فيما تدير دالفا رأسها في الإتجاه الآخر... ليحصد دالفا جائزة الهرم الفضي.
اقرأ أيضا:
شيرين عبد الوهاب تشكر غادة إبراهيم على دعمها في الأزمة الأخيرة...ماذا قالت؟
أحمد سعد يوجه رسالة إلى ريم البارودي: ربنا يديها على قد نيتها
رد مخالف لكل ما قيل … حسين فهمي يكشف سبب منع الجمهور من مشاهدة 6 أفلام في "القاهرة السينمائي"
لا يفوتك - أحمد خالد صالح يتحدث لـ"في الفن" عن زيادة وزنه في "19 ب" وخوف هنادي مهنى
حمل آبلكيشن FilFan ... و(عيش وسط النجوم)
جوجل بلاي| https://bit.ly/36husBt
آب ستور|https://apple.co/3sZI7oJ
هواوي آب جاليري| https://bit.ly/3LRWFz5