في الفترة بين 29 أكتوبر و5 نوفمبر، سيتحول قلب العاصمة التونسية إلى نقطة لقاء متجدد للسينما الأفريقية والعربية. أيام قرطاج السينمائية أو "مهرجان قرطاج" كما يحلو للضيوف المصريين تسميته هو أعرق مهرجان سينمائي عربي وأفريقي، ومنذ انطلاقه عام 1966 احتفظ بهوية خاصة واهتمام لا ينضب بالسينما الآتية من عالمنا العربي والأفريقي. وكعادتنا السنوية ننشر قائمة ترشيحات مبدئية بأفلام مهمة يجب مشاهدتها ضمن برنامج الأيام، مع التأكيد على أن دورة هذا العام تعود لتقاليد المهرجان القديمة بإتاحة الفرص لعدد وافر من الأفلام غير المعروفة دوليًا (أي التي لم تنل شهادة الاعتراف من مهرجانات الغرب!)، بما يعد بالكثير من المفاجآت والاكتشافات بعيدًا عن الذائقة المألوفة والمعتادة. إليكم أهم الأفلام التي نعرفها بالفعل.
إيو EO (بولندا)
في 1972، وقف المخرج البولندي الشاب يرزي سكوليموفسكي على مسرح مهرجان كان ليُقدم فيلمه "ملك وملكة ومحتال King, Queen, Knave" الذي شارك به للمرة الأولى في مسابقة المهرجان، وفي الصيف الماضي وبعد نصف قرن كامل، وقف سكوليموفسكي على مسرح كان مجددًا لاستلام جائزة لجنة التحكيم التي نالها عن فيلمه الجديد "إيو". الجائزة لم تكن تكريمًا لمسيرة سينمائية طويلة، لكنها كانت بالأساس لفيلم رائع، تكمن الدهشة التي يُحدثها في كونه أبعد ما يمكن تصوره من مخرج اقترب عمره من الخامسة والثمانين: فيلم مروي من وجهة نظر حمار، حمار يخوض رحلة يكتشف خلالها حقيقة البشر، مع كثير من الطزاجة البصرية التي تجعله من أكثر أفلام العام إثارة للإعجاب.
بين الأمواج Life Suits Me Well (المغرب)
الفيلم العربي الوحيد المتنافس في أول نسخة من أسبوع النقاد الدولي في قرطاج. تكمن جاذبية العمل الأول للمخرج الهادي أولاد مهند في الشاعرية والمأساوية التي يتعامل بها مع حكاية ربما يكون لها أصداء من سيرته الذاتية. حكاية الأب المحبوب ورب الأسرة المتماسكة الذي تبدأ حياته وحياة أهله في التفكك عندما يُصاب بمرض عصبي يُفقده تدريجيًا القدرة على الإدراك والسيطرة على حواسه، ليجسد المخرج هذا التداعي المؤلم الذي لا يملك كل من يعيشه سبيلًا سوى خوضه والتعامل مع ما يحدثه من تعقيدات وآلام. شاعرية العلاقة بين الأب والأم، والأداء المؤثر من سمير قسيمي ولبنى أزابال، أشياء تمنح "بين الأمواج" أثرًا أعمق يُبشر بموهبة كبيرة يمتلكها صانعه الشاب.
شرف (مصر – ألمانيا)
بالرغم من عرضه قبل قرابة العام في مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي بالسعودية، وبالرغم من كونه مأخوذًا عن رواية "شرف" للأديب صنع الله إبراهيم التي حلت في المرتبة الثانية في قائمة اتحاد الكتاب العرب لأفضل مائة رواية عربية في القرن العشرين، والرغم من أن صنع الله نفسه قد شارك المخرج سمير نصر كتابة السيناريو الخاص بالفيلم، فإن فيلم "شرف" لم يُعرض في مصر، ولا يبدو أن عرضه متوقع في المستقبل القريب. القصة معروفة لكل من قرأ الرواية عن شاب يرتكب جريمة عرضية فيجد نفسه داخل أحد السجون الذي يدرك خلاله معنى اسمه "شرف"، لكن المخرج عالج القصة دون التزام نصّي بالأصل الروائي. عمل فني ذو ميزات وعيوب، يؤخذ منه ويُرد، لكنه بالتأكيد يستحق العرض والمشاهدة والنقاش.
زوجة تشايكوفسكي Tchaikovsky's Wife (روسيا)
بالرغم من إعلان مهرجان كان مقاطعته للسينما والصحافة الروسية خلال دورة العام الحالي بسبب الحرب في أوكرانيا، فإن فيلم المخرج كيريل سيربرينيكوف الجديد وجد مكانه محفوظًا في المسابقة الدولية للمهرجان، والسبب بالطبع هو أن المخرج محسوب بوضوح على المعارضة، بل أنه عاش سنتين تحت الإقامة الجبرية في منزله بعد اتهامه بالفساد خلال فترة إدارته لمركز جوجول الثقافي، التهمة التي يؤمن الإعلام الغربي أنها كانت ملفقة بسبب مواقف المخرج السياسية. كل ما سبق معلومات تحيط بالأهم وهو الفيلم الذي يحاول سيربرينيكوف فيه تحليل شخصية أنطونينا ميليوكوفا، زوجة الموسيقار الأشهر بيوتر تشايكوفسكي، المرأة التي وقعت في غرام الفنان الموهوب غريب الأطوار، فعاشت حياتها ممزقة بين محبتها ونزقه وميوله الجنسية.
تحت الشجرة (تونس)
بعد تجربة ناجحة مع السينما الوثائقية أنجزت أريح السحيري شريطها الروائي الطويل الأول بمزيج بين الشاعرية الحالمة والوعي الواضح بقسوة الحاضر، في أحداث مستوحاة من حادثة حقيقية، أو ربما من حوادث يومية، تدخل السحيري في فيلمها – الذي اختاره مهرجان كان للمشاركة في نصف شهر المخرجين – عالم عمال الزراعة في ريف تونس. الأحداث اليومية الصغيرة، همسات المحبين وخلافات العمل الطارئة، كلها أمور تجسد في صورتها المجردة تفاصيل واقعية صادقة، لكن الافتراض الفلسفي – وهو مجرد افتراض – أن ما نراه قد يكون يومًا حاسمًا في حياة إحدى الشخصيات، يقلب الأمور رأسًا على عقب ويجعل للحكاية أثر يبقى في الأذهان طويلًا بعد مشاهدة الفيلم.
حد الطار (السعودية)
الكل يتحدث عن الحراك السينمائي في السعودية، والسينما السعودية تحل ضيفًا على أيام قرطاج السينمائية، لكن فهم التجربة الفنية الحالية في المملكة لا يمكن أن يكتمل دون مشاهدة فيلم المخرج عبد العزيز الشلاحي المعروض ضمن برنامج ضيف الشريف. ليس فقط بسبب مستواه المتميز الذي جعله أول اختيار سعودي يُرشح رسميًا ليمثل الدولة في جوائز الأوسكار، ولكن بالأساس بسبب موضوعه المتوائم تمامًا مع جوهر الحراك: الفن والحرية في مواجهة التقاليد والأحكام الشرعية، في قصة بطل ينبغي عليه أن يختار بين "الحد" و"الطار"، بين أن يطيع المجتمع فيصير سيافًا دوره تنفيذ الحدود، أو يطيع قلبه المتعلق بابنة عائلة من مغنيي الأعراس. عمل مفصلي فنيًا واجتماعيًا تجب مشاهدته على كل من يريد الإلمام بما يحدث حوله.
بعد 20 سنة 20 Years Later (السنغال)
يعد السنغالي موسى توري واحدًا من أكبر الأسماء الناشطة في السينما الأفريقية، ومن الوجوه دائمة الحضور في أيام قرطاج السينمائية، وهو من الفنانين المعدودين الذين نالوا شرف التتويج بالتانيت الذهبي للمهرجان عام 2012 عن فيلمه الأشهر "المركب La pirogue" الذي عُرض خلال نفس العام في مسابقة "نظرة ما" بمهرجان كان. يعود موسى توري إلى قرطاج بفيلم جديد يتنافس في مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة. فيلم ينتقل فيه من وطنه السنغال إلى الكونغو الديمقراطية، أو ما كانت تُعرف باسم زائير عندما شاركت الفتاة فرانسين ذات الاثني عشر عامًا في الحراك الذي أطاح بالديكتاتور موبوتو سيسي سيكو عام 1997، توري يقابل الفتاة بعد مرور 20 سنة من الثورة لتعيد استعادة ما حدث.
اعد وشغّل Rewind and Play (السنغال)
إذا كان موسى توري يمثل جيل الوسط في سينما غرب أفريقيا، فآلان جوميس هو الاسم الأبرز في الجيل الجديد بكل تأكيد، المخرج المولود لأب سنغالي وأم فرنسية والذي يجمع بين الثقافتين بانفتاح شديد هو أنجح مخرج من غرب القارة خلال السنوات العشر الأخيرة، كيف لا وهو المتوجب بالدب الفضي لمهرجان برلين عن فيلمه البديع "فيليسيتيه Félicité" عام 2017، وهو نفس العام الذي نال فيه أسد الإيتالون الذهبي لمهرجان عموم أفريقيا (فيسباكو). في برلين أيضًا عرض جوميس فيلمه الوثائقي الجديد "اعد وشغّل"، والذي تظهر فيه ثقافته المزدوجة عبر العودة إلى شرائط مقابلات تلفزيونية سجلها أسطور الجاز الأمريكي ثيلونيوس مونك خلال زيارة قام بها لفرنسا عام 1969. شرائط تكشف الوجه الآخر لمونك بعيدًا عن كل الصور النمطية عنه.
مواطن ومخبر وحرامي (مصر)
ضمن برنامج تكريم المخرج الكبير داود عبد السيد، والذي اعتذر لسوء الحظ عن الحضور إلى المهرجان لأسباب صحية، يعرض المهرجان واحدًا من أكثر أفلام السينما المصرية فرادة عبر تاريخها الطويل. إذا لم يكن الحظ قد حالفك لمشاهدة هذا الفيلم فعليك بالتأكيد مشاهدته، وإن شاهدته في التلفزيون فهذه فرصة ذهبية للاستمتاع بالنسخة الأصلية على شاشة السينما لفيلم لا يُشبه إلا نفسه. مزيج عجيب بين الواقع والهزل، الجد والسخرية، التماهي وكسر الإيهام، يقدم من خلاله عبد السيد تحليله ونقده اللاذع للمنظومة التي شكلت المجتمع المصري وقت عرض الفيلم عام 2001، اجتماع الثلاثة الذين يبدوا منطقيًا أبعد ما يكونوا عن الاجتماع: المواطن والمخبر والحرامي.
الحياة ما بعد La vie d'après (الجزائر)
بعد أن شارك في مسابقة الأفلام القصيرة بأيام قرطاج السينمائية مرتين بفيلميه القصيرين عامي 2012 و2014، يُنجز المخرج الجزائري أنيس جعاد فيلمه الطويل الأول ليشارك به في مسابقة الأفلام الطويلة. "الحياة ما بعد" حكاية عن التهميش والضغوط المجتمعية في القرى النائية، حيث تعيش هاجر مع ابنها المراهق جميل بعد مقتل زوجها في هجوم إرهابي. تتناثر الأقاويل حول سمعة هاجر وتضغط على ابنها الذي يخوض سنوات مراهقته، ليخرجا معًا في رحلة للهجرة يحاولان فيها التخلص من قيود الماضي وبدء حياة جديدة بعيدًا. لم نشاهد الفيلم بعد لكن كل المواد المتوفرة منه تُبشر بعمل خاص من السينما الجزائرية التي اعتادت أن تفاجئنا دائمًا بمواهب جديدة.
اقرأ أيضا للكاتب:
الفائز بجائزة النقاد في كان: "إخوان ليلى".. فيلم يحبه البعض ويكرهه أصغر فرهادي
أفلام كان 75: "عنكبوت مقدس".. قاتل يطارد العاهرات ويكشف المجتمع
"أبطال".. عن السينما السعودية ومقاييس الصناعة والمستقبل
مهرجان كان 75: "زمن الفناء".. أو اعترافات جيمس جراي
لا يفوتك - تحليل النغمات مع عمك البات- أفضل 10 أغاني في صيف 2022
حمل آبلكيشن FilFan ... و(عيش وسط النجوم)
جوجل بلاي| https://bit.ly/36husBt
آب ستور|https://apple.co/3sZI7oJ
هواوي آب جاليري| https://bit.ly/3LRWFz5