كعاشقة للموسيقى، لم أقل أبداً لا لأغنية قبل أن أسمعها، ولهذا استمعت واستمتعتُ بتراك "بيتادين" لمطرب ومنتج -بروديوسر- كما يكتبونها اسمه ليجي-سي.
اقرأ أيضا: بليغ أبو الهنا وأسطورة الطفل البالغ
لكن هذا الـ "تراك" وجدني فجأة، في رسالة من صديقة صغيرة العمر، كانت قد أخبرتني من قبل أنها لا تستمتع إلا للقديم -أم كلثوم وفيروز وعبد الوهاب- أو للراب والموسيقى المغايرة "أندرجراوند"، وأنها لا تستمتع إطلاقاً إلى مطربين البوب المصري والعربي من أول عمرو دياب وحتى محمد حماقي ورامي صبري، كما أنها لم تسمع أي تراك روك أو ميتال -بينك فلويد، ميتاليكا، زيبيلين، ذا كيور- من قبل، لذا كانت الفجوة الموسيقية بيننا مثل بحيرات الملح في سيوة، كبيرة لكنها ليست عميقة.
ربما لو كنت استمعت لهذا التراك قبل هذا العام، عندما أصبحت أكثر انفتاحاً على الموسيقى التي يستمع إليها الأجيال الأصغر من عشرين بحكم صداقتي وعملي مع الكثيرين منهم، لكنت تركته جانباً، ربما لو لم أكن قد وقعت في سحر "البخت" لويجز لما استطعت أن أدخل إلى عمقه، أن أفهم كيف يمكن التعبير عن الحب بهذه الطريقة.
حتى الروك والميتال يمكنني أن أفهم كيف يعبر الإنسان بالحب من خلالهم، هي جانرات استطعمتها وهضمتها حتى أصبحت جزءاً من تكويني، تسري في جسدي مجرى الدم، يمكنني تخيل مطرب الروك بشعره الثائر ووشومه الكثيرة وهو ينشد لحبيبته مستخدماً درامز وجيتار باس رائع، لكن هذا النوع من التعبير الفني جديد وغرائبي جداً علي، لكنه فاتن لا يمكنني إنكار هذا.
اقرأ أيضا: "اليوم السادس" ... عن "صدّيقة" و"عوكّا" وحكايات المهمشين
أحاول أتخيل الشاب وراء هذه الأغنية، كيف يبدو؟ كيف يسير؟ نوع السماعات التي يضعها في أذنه أثناء ركوب المترو أو الميكروباص، تسريحة شعره وعلى أي أساس يصففه، نوع تواصله مع حبيبته التي يبثها حبه الجارف، نعم مشاعره عميقة وصادقة وجياشة، لكنها مشاعره هو، بخلفيته الاجتماعية والحياتية وواقعه الثقافي الذي يختلف تمام الاختلاف عنا، ولهذا يعبر بطريقة قد يعتبرها بعضنا ركيكة، سطحية، مضحكة، قد نستهجنها أو نقلل من شأنها، لكنني ومع انغماسي في عالم تعرفه هذه التراكات الغريبة على أذني وذائقتي، أصبحت أكثر اندماجاً مع لون موسيقي يعبر عن الحب بطريقة أبنائه، لا ادعاء، لا محاولة للعمق أو التظاهر بما ليس في، هؤلاء شباب لا يكذبون ولا يتجملون، بل يتركون قصص حبهم عادية، فجة أحياناً أو متدنية، إيمانهم بمدى عمق تفكيرهم لا يجعل منهم سارتر مثلاً لكنه يمنحهم ذلك السحر الخفي المصاحب للفطرة والبراءة اللتان لا تنبعان من الطيبة بقدر ما تنبعان من الحقيقية وعدم الادِّعاء.
في هذه الأغنية "بيتادين" يعبر ليجي-سي عن حبه بمبالغة متوقعة من شاب في عمره، طيش، مشاعر طائلة غير مروضة، إفراط في الميلودراما العاطفية ولكن بنبرة صوت لا طرب فيها ولا جمال، هناك شيء ما ناقص ومحفز للخيال، تتخيل هذا الشاب يرسل رسائل صوتية غاضبة لحبيبته ثم يلغيها قبل أن يضغط زر الإرسال، يكتب ما يسميه أشعار -كما رأيت مروان بابلو في فيلم قصير وثائقي عنه وهو يظهر كراسة خواطره وأشعاره للكاميرا- ربما لديه برامج يحملها على جهازه ليسجل بعض أغانيه، وربما لا يغني بل يكتب هذه الكلمات فقط ويتركها حبيسة درجه أو بلوج سري لا يقرأه سواه.
يستخدم الكثير من هؤلاء الشباب مصطلحات مثل "بيتادين" "أمفيتامين" "سيري" لتلخيص حالة الأغنية بأكملها، وفي "بيتادين"، نار الحبيبة لا يطفأها مطهر الجروح قوي التأثير، كأي شاب في جيله، يتعلق ليجي-سي ما بين المشاعر، هو يحب الفتاة ولا يحبها، يريد أن ينساها لكنه لا يفعل هذا، ما بين الشد والجذب والهجر واللقاء، لكن على عكس عمرو دياب ومتاهة حبه الأبدية في أغاني مثل "أحبك أكرهك" و"أغيب" و"تنسى واحدة"، حيث للرجل السيطرة والكلمة الأخيرة على الموقف، يترك هؤلاء الشباب أنفسهم فريسة المشاعر والحبيبة، فهو مثلها يعتريه الدمار والألم الشديد حتى وإن تظاهر بعكس ذلك، يبوح بضعفه ولا يحاول أن يجد فيه سلوى أو حكمة، هو فقط ضايع ضايع، واضح واضح، جايلك جايلك، ميت ميت.
هكذا يغني للحبيبة، ربما في أغنية لن تغير من قصتهما شيئاً، لكن تخيل هذا الشاعر الغاضب المتألم الذي لا يخشى الاعتراف بضعفه في أغنية ربما قبل أن يخرج مع الشلة ليتظاهر بأنه شديد القوة والبلادة مثل "أي راجل عادي" هو أمر جدير بالاكتشاف في عالم ممل يخلو من المغامرات الفنية.
اقرأ أيضا:
يروج للمثلية الجنسية.. بلاغ للنائب العام لوقف عرض فيلم "واحد تاني"
مايان السيد توجه رسالة لمنتقديها بعد رحلتها الأخيرة إلى المكسيك
هل تم تغيير نهاية مسلسل "بطلوع الروح"؟ محمد هشام عبية يجيب (فيديو)
لا يفوتك- ياسمينا العبد لـ "في الفن" : "دخلت التمثيل عشان بحب الكاميرا .. ووالدتي أكتر حد دعمني"
حمل آبلكيشن FilFan ... و(عيش وسط النجوم)
جوجل بلاي| https://bit.ly/36husBt
آب ستور|https://apple.co/3sZI7oJ
هواوي آب جاليري| https://bit.ly/3LRWFz5