يواصل أحمد حلمي عملية التحايل السينمائي على الجمهور التي كانت السمة الواضحة في معظم أفلامه.
شاهدت تجاربه وهو فيلم "واحد تاني" الذي طرح في دور العرض خلال عيد الفطر المبارك من تأليف – كما كتب على التتر – هيثم دبور وشارك في البطولة بجانب حلمي كلا من روبي، أحمد مالك، عمرو عبد الجليل، سيد رجب، نسرين أمين ونور إيهاب ومن إخراج محمد شاكر خضير الذي يمثل هذا الفيلم عودته للشاشة الفضية بعد غياب تسعة أعوام منذ أخر أفلامه "هاتولي راجل" عام 2013.
اسمح لي أن أستخدم كلمة "تحايل" نوعا من تخفيف الوصف وتهذيبه قليلا وللابتعاد عن أي شكل من الاتهامات لأن ما قدمه حلمي لا يعد اقتباسا أو تمصيرا لأن القاعدة الأولى في مسألة الاقتباس هي ذكر العمل الأصلي المأخوذ منه وهذا بصرف النظر عن الحقوق المادية فهو أمر يتعلق بالحق أو الاحترام الأدبي.
فالاقتباس أو التمصير لا يعيب الفنان او ينتقص منه يمكن أن نضعه في خانة محدودية الموهبة أو نوعا من الاستسهال أو استغلال نجاح عمل آخر وكم من أعمال مصرية سواء في السينما والتليفزيون كانت مقتبسة وحققت نجاحات كبيرة لكن ما يسئ للفنان هو أن يقتبس أو يقوم بنقل عمل أجنبي دون الإشارة إلى العمل الأصلي.
صحيح أن مسألة التحايل على الجمهور يتحملها المؤلف في المقام الأول لكن اقتران الأمر بحلمي لم يأتي من فراغ وهذا لثلاثة أسباب، الأول بحكم المتعارف عليه في صناعة السينما المصرية أن البطل أو النجم يتحمل مسئولية العمل من البداية للنهاية فهو المفهوم السائد لدى السينما التجارية، والسبب الثاني وهو الأهم أن لأحمد حلمي تاريخ طويل في مسألة التحايل على الجمهور في غالبية أفلامه بداية من "كدة رضا" مرورا ب "آسف على الإزعاج"، "إكس لارج"، "على جثتي"، "بلبل حيران" و"صنع في مصر"، "لف ودوران" ولم ينج من تلك القائمة سوى فيلمين هما "100 مبروك"على أساس أنه مأخوذ عن أسطورة سيزييف اليونانية، و"عسل أسود". حتى فيلمه السابق الذي حمل اسم "خيال مآتة" تعرض للاتهام بالسطو على فكرة من الكاتبة الشابة نهال سماحة!
أما السبب الثالث فهو المتعلق بالمقارنة أثناء العودة إلى التجارب السابقة لكل من بطل الفيلم أحمد حلمي والمؤلف هيثم دبور، فالأول كما ذكرنا له تاريخ حافل فيما يتعلق بالتحايل على الجمهور أما دبور فتجاربه السابقة في الأفلام الروائية الطويلة وهم ثلاثة أفلام لم يكن له سابقة اقتباس أو تمصير قد يكون "وقفة رجالة" اقترب من تجارب عديدة سواء على مستوى السينما المصرية أو الأجنبية لكنه في النهاية إجمالا لم يكن مأخوذا من فيلم بعينه، تجارب دبور السابقة تحمل بعض الانتقادات لكنها بعيدة كل البعد عن مسألة الاقتباس دون الإفصاح عن المصدر الأصلي.
نرشح لك: "واحد تاني".. هل عاد أحمد حلمي لجمهوره؟
الفيلم الأصلي
فيلم "واحد تاني" مقتبس أو منقول من الفيلم الأمريكي Jonathan الذي أنتج عام 2018 وشارك في بطولته الأمريكي أنسيل إلجورت والإنجليزية سوكي ووترهاوس ومن إخراج بيل أوليفر في تجربته الأولى مع الأفلام الروائية الطويلة، وبني الفيلم الأمريكي على حالة علمية تسمى (Single-Body Multi-Consciousness ) أى جسم واحد متعدد الإدراك وذلك من خلال شقيقين توأم هما "جوناثان" و"جون" يشتركا فى جسم واحد ويتبادلا في الظهور كل يوم دون أن يعرف الآخر تفاصيل أحداث اليوم الذي مر به شقيقه لهذا يتفق الثنائى على اتباع قواعد صارمة للحفاظ على حياتهما وجسمهما المشترك (من ضمنها العلاقات العاطفية).
يتقابل الثنائى يوميا عن طريق الفيديو ويحكى كل منهما قبل النوم أحداث يومه للآخر وهذا لأمرين الأول كنوع من الالتقاء والتواصل بينهما والثانى حتى لا يحدث شئ غير متوقع يكشف أمرهما، يستيقظ جوناثان فى السابعة صباحا ويجب ان ينام فى الثالثة مساء لأن فترة شقيقه جون الذى يشترك معه فى نفس الجسم تبدأ من السابعة مساء.
في الفيلم الأمريكي نجد أن التوأم يحملان صفات مختلفة فنجد أن جوناثان مهندس معمارى موهوب ناجح منظم جاد صارم منطوى عكس جون محدود القدرات عبثى منطلق لا يبالي بأي شئ، وجوناثان يعمل بدوام جزئى برغم رغبة رئيسه في العمل بدوام كامل لكن جوناثان يختلق الأعذار للهروب من الأمر.
في الفيلم المصري أيضا حملت الشخصيتان الرئيسيتان نفس الاختلاف مع وجود مزج من بعض صفات جوناثان وصفات جون فنجد مصطفى الذي يعمل أخصائي اجتماعي في السجون لتقييم حالة السجناء والذي فقد شغفه في الحياة وتضاءلت قدرته الإبداعية وسيطرت عليه حالات الرتابة والملل، أما الشخص الآخر فهو "إكس" الذي يعتبر النسخة السابقة من حياة مصطفى في شبابه حيث الجرأة والمغامرة والانطلاق والعبث.
كانت تلك النقطة هي الأولى في الاختلاف عن الفيلم الأمريكي فالثنائي توأم أما في الفيلم المصري مصطفى وإكس هما نفس الشخص أو كما ظهر في الفيلم أن إكس هو ماضي مصطفى لكن الاختلاف الكبير بين طبيعة وشكل وأسلوب حياة الثنائي مصطفى وإكس أحدث فجوة كبيرة للاقتناع بأن الثنائي شخص واحد حتى وان كان في الماضي، فمن الوارد والطبيعي ان يتغيير الإنسان بمرور الزمن لكن ما يحدث تكون تغييرات نسبية طفيفة وليست جذرية في الأسلوب والحركة وطريقة الحديث وحتى في الشكل.
بناء ضعيف لم تنقذه "اللبوسة"
السبب الثاني الذي يجعل مسألة القناعة بأن مصطفى وإكس هما نفس الشخص البناء الضعيف للفيلم والرسم السئ لشخصية مصطفى في بداية الأحداث من خلال المشهد الخاص بلقاء الزملاء القدامى في الجامعة وبصرف النظر عن التفاوت الكبير في الأعمار الحقيقية للممثلين الذين شاركوا تنفيذ هذا المشهد إلا أن اللقطة لم تضف أي شئ للبناء الدرامي أو لنسج شخصية مصطفى أو للوقوف على أزمته الحقيقية لمسألة فقد الشغف أو الموهبة خاصة أن طبيعة عمله قد تبدو روتينية من خلال زيارات السجون المتعددة لكن في نفس الوقت هو عمل به تفاصيل جديدة يوميا من خلال سرد قصص السجناء له وبه أيضا قدرة على الابتكار في مسألة التعامل مع السجناء لمعرفة الحقيقة منهم أو حتى لمساعدتهم على التحدث معه مثل شخصية "القط" التي قدمها عمرو عبد الجليل.
ارتكز الفيلم الأمريكي في بنائه على حالة علمية تسمى جسم واحد متعدد الإدراك لكن في النسخة المصرية تم استبدالها ب "اللبوسة" التي حصل عليها مصطفى بنصيحة من شقيق صديقته "أحمد مالك" وذلك بهدف تغيير نسق حياته وخلق قدرة إبداعية وأفق جديدة لكن يبدو أن الاختراع المصري لم ينجح وجعل مصطفى شخصين في جسد واحد كل شخصية تعيش يوما كاملا، ومثلما جاء في الفيلم الأمريكي يتواصل الشقيقان عن طريق كاميرا الفيديو أو "المحمول" لسرد تفاصيل اليوم للآخر لتجنب المشاكل.
في الفيلم الأمريكي وضع الشقيقان جوناثان وجون قواعد صارمة جاء في مقدمتها الابتعاد عن الوقوع في الحب والدخول في علاقة عاطفية حتى لا يكشف سرهما إلى ان يحدث الأمر الغير متوقع حيث يشك جوناثان بأن توأمه يخفى عليه شئ و تكون هى "إلينا" صديقته الذى يعرى وجودها كذب حياة التوأم الروتينية ومن هنا يحاول كل منهما السيطرة على الاخر.
أما في الفيلم المصري بحكم أنهما نفس الشخص فلا مجال للأسرار على النقيض فهناك شبه استسلام من مصطفى وتوافق على أن شخصية إكس هي الأفضل من حيث القدرة الإبداعية والملكات الإنسانية والصفات الشخصية وهي النقطة التي تمييز فيها السيناريو المصري.
نقاط إيجابية ولكن..
يحسب أيضا للفيلم المصري إحداث حالة من التوزان الدرامي بين شخصيتي مصطفى وإكس عكس الفيلم الأمريكي الذي انتصر دراميا لجوناثان وجعله المحرك الأساسي للأحداث، لكن حالة التوازن تلك في النسخط المصرية تخللها مشاهد كوميدية مقحمة مفتعلة لم تضف أي جديد للفيلم ولا تضيف أي شئ لرصيد حلمي كممثل كوميدي إلى الوصول إلى المرحلة الثانية من الأحداث وهو الصراع كما ظهر في النسخة الأمريكية التي لم يهتم خلالها المخرج بيل أوليفر إلى مناقشة أو التطرق لتلك الحالة المرضية العلمية بقدر اهتمامه بتقديم تقلبات وتطورات العلاقة بين التوأم والتحول من علاقة روتينية بحتة الى محاولة غير تقليدية للسيطرة على الآخر قبل التحول إلى صراع متصدع من أجل البقاء.
في الفيلم المصري اتجه الثنائي مصطفى وإكس نحو صراع البقاء لكن خلال هذا المسار ظهرت عدة شخصيات إما ضعيفة التأثير مثل فيروز "روبي" والممرضة "نسرين أمين" أو أخرى مقحمة مثل الشقيقان القط والظط وقدمهما عمرو عبد الجليل أو اللص الذي قدم دوره محمود حافظ، فالشخصية الوحيدة التي جاءت متسقة مع الاحداث كانت "شيرويت" التي قدمت دورها باقتدار نور إيهاب وكانت الأفضل على مستوى التمثيل خلال الفيلم، شيروت هي الوحيدة من بين شخصيات الفيلم التي كان لها تأثير في مسار الأحداث من خلال تعاملها مع الشخصيتين في بعد درامي كان هو الخط الوحيد المضئ في الفيلم بعيدا عن بقية الخطوط التي ظهرت مفككة ومهلهلة بلا وجود روابط درامية والتي انحدرت أكثر حتى وصل الأمر إلى أن الاخلاتف الأبرز بين مصطفى وإكس ينحصر في تبادل "قصة الشعر"!.
اقرأ أيضا:
أحمد حلمي يتفوق على السقا في شباك تذاكر أول أيام عيد الفطر
تشبث بالرجعية.. إبراهيم عيسى يرد على انتقادات الأزهر لـ"فاتن أمل حربي"
مخرج الحلقة الأخيرة من "الاختيار 3" يكشف كواليس التحضيرات: كُلفنا بها في منتصف رمضان
كيم كاردشيان تعيد ارتداء فستان مارلين مونرو بعد 60 عاما!
لا يفوتك- ياسمينا العبد لـ "في الفن" : "دخلت التمثيل عشان بحب الكاميرا .. ووالدتي أكتر حد دعمني"
حمل آبلكيشن FilFan ... و(عيش وسط النجوم)
جوجل بلاي| https://bit.ly/36husBt
آب ستور|https://apple.co/3sZI7oJ
هواوي آب جاليري| https://bit.ly/3LRWFz5