هل نحن فعلاً أصبحنا بالغين؟ وهل بليغ أبو الهنا بطل مسلسل "راجعين يا هوى" هو الدليل على أننا لم نعد صغاراً عابثين مهما تمنينا هذا؟.
أبناء التسعينات الذين لا يكبرون هم الآن الكبار الناضجون الذين من المفترض أن يقدموا الحلول وينجبوا الأبناء ويستقرون بينما الأبناء تائهون في لابيرنت أبدية حتى يصلون بدورهم لتلك المرحلة التي حسمها الكبار، لكن كبار اليوم مازالوا صغاراً، هم ليسوا على نفس قدر النضج الذي وصله آبائهم من قبلهم.
نرشح لك- 3 أسباب لنجاح أحمد الشقيري في برنامج "الرواد".. قصص شيقة من عالم البيزنس
وهكذا بليغ أبو الهنا الحائر الأبدي، الوحش التائه في المتاهة الأزلية من الحاضر والماضي والمستقبل، يحمل ذكريات ماضي ودفء يعرف جيداً أنه لن يعود، يحاول أن يفك شفرات عابرة للأجيال، بعكس أبطال أسامة أنور عكاشة لا يبغضه الصغار ويرونه قديماً أو متحذلقاً لكنهم يخشون أن يصبحوا مثله، يحمل من مفيد أبو الغار قدرته على التسلل لمن هم أصغر منه، لكنه مثل أبو العلا البشري يبدو واقفاً عند حافة دنيا جديدة ودنيا ماضية، ليس ممسوساً بالفن كحسن أبو كيفه ولا قوياً صلداً كسوكة التي تآكل كبريائها عندما تفكك شمل عائلة الشراغيش التي حاربت لتبنيها، كما أنه ليس أبلة حكمت التي يتطلع إليها جميع من عاصروها إما كقديسة على غرار جان دارك أو امرأة بغيضة يعادونها صراحةً نظراً لعندها الشديد.
بليغ هو نحن، جيلنا حتى وإن كان يكبرنا قليلاً، سلسلة طويلة من الفشل كما وصفته زوجة أخيه الأرستقراطية ربما لأنه لم يستسغ تقييم النجاح والفشل في الحياة بهذه الطريقة، هو في هذا نموذج جديد للطفل البالغ الأبدي والذي تعبر عنه السينما والدراما الغربية بكثافة في هذا العقد والعقد السابق بقليل من أول مسلسل Gilmore Girls وحتى Insecure حيث الكبار الناضجين أطفال متشككين يرتكبون الحماقة تلو الحماقة ولا يمثلون أي قدوة أو نموذج للأجيال الجديدة، مازالوا يحتاجون للنصح والإرشاد وهو حال بليغ مع عمه جابر وحال أغلبنا مع أهالينا إن كنا محظوظين ومازالوا إلى جانبنا، بالمقارنة مع أهالينا فهم قد حسموا القرار منذ عشريناتهم، تزوجوا وأنجبوا وعملوا في وظائف مستقرة أو احترفوا التجارة، أما نحن فكلنا بليغ، نمر أزمة ثلث العمر، لا نريد أن نتحمل المسؤولية، منا من انفصل عن شريكه، ومن لم يستطع الاستقرار في وظيفة أو علاقة أصلاً، نرى فيه بطلاً مأزوماً لا برحلة بحثه عن ميراثه أو لَم شمل العائلة بل في بحثه عما يريده أصلاً فالمكسب "مش فلوس بس" كما يخبر عمه جابر، ولكن بنمط حياته البوهيمية التي تقع على الحافة ما بين الأمان والخطر لا نجد أنه يربح أي شيء وإذا بدا له الربح يتشكك في جدواه فيعزف عنه ويتجه لمحطة أخرى ورحلة أخرى، ليس بليغ قدوة ولا نموذجاً يُحتذى به لكنه يحمل من الأخلاقيات والمثاليات ما يزيده كاريزما، يقف مع الحق ولا يقبل الظلم لكنه ليس كاملاً أو ملائكياً يحمل من المكر والطيبة بقدر ما يسير على حافة الشراسة والمسالمة، يدعي دائماً ما ليس فيه ويحلم بما لا يعرف، فيظل عصفوراً أبدياً يحلق بين الحكايات لا ليبني حكايته الخاصة بل ليهدمها فيصبح أشبه برفعت إسماعيل هادم أساطير ربما لأنه لا يتخيل أن يبني الأسطورة الخاصة به.
ولهذا تبدو ماجي بشخصيتها الناضجة الواثقة ووظيفتها المستقرة وحسمها في معظم أمور حياتها أكثر ثباتاً من بليغ وتمكناً في إدارة العلاقة الصعبة التي بينهما، حتى وهو نموذج الرجل المراوغ المحمل بهوائية وتقلبات المجتمع الحالية والتي جعلت منه بطلاً أكثر هشاشة وتعقيداً من أبطال أسامة أنور عكاشة الذكور السابقين، في هذه النسخة العصرية المنتمية لعالم عكاشة الممتد البطل الدون كيشوتي ليس مثالياً بنفس القدر، لم يعد هناك مكان في عالمنا للأستاذ أبو العلا حامل القيم والأخلاقيات، فأصحاب القيم في حكايات هذا العصر مثل الصغار الذين يريدون إنقاذهم مدنسون أما البطلات ممثلات في ماجي فنموذج ناضج جداً للمرأة المصرية المعاصرة والتي قطعت شوطاً طويلاً عن السابق، وبدت ندية في مواجهة الرجل حتى في ضعفها أمام مشاعرها وانجذابها له، اختفت المرأة التي تلقي بكل شيء وأي شيء من أجل الحبيب، هي تريد الحب لكنها غير مستعدة أبداً للتخلي عن حياتها وكيانها لأجله، ذلك الذي بنته بصعوبة وشغف وتحدي لنفسها قبل غيرها، وهي نظرة شديدة النضج من محمد سليمان عبد المالك للمرأة المعاصرة وتستحق الإشادة فشخصية ماجي شخصية رائعة ونموذج راقٍ لتتعلق به النساء بعكس فريدة الحبيبة الهستيرية الإكليشهية المعتادة في رحلة كازانوفا المعاصر بليغ أبو الهنا.
في مشهد يتحدث المعلم الأكبر لبليغ، العم جابر، أو يودا في عالم عائلة أبو الهنا عن أنه يوماً لم يفكر في نتيجة الطريقة التي عاش بها حياته ولهذا عاش سعيداً، وبهذا هو يختلف جذرياً عن مثقفي عكاشة أمثال الأستاذ وفائي في أرابيسك والعم وحيد في الشهد والدموع، فعزلتهما وإن كانت اختيارية فقد أصابتهما بالهَم، ربما لرغبتهما في تغيير العالم، لكن الأستاذ جابر زاهد تماماً في تغيير أي شيء، هو فقط موجود على هامش هذه الدنيا غير مهتم بالتدخل فيها يمنح من يدخل عالمه كوب من الكركديه، وهو فارق شاسع بين صورة المثقف المنعزل القديمة في عالم عكاشة والمثقف الحالي في عالم محمد سليمان عبد المالك، الأستاذ جابر لا يريد التدخل لتغيير شيء، هو عامل خامل في أي معادلة كيميائية، قد يحفزها لكنه لا يغير من بنيتها الأصلية بعكس بليغ الذي يؤدي تدخله لنتائج كارثية لا يحسبها أو يتوقعها نظراً لطبيعته الفوضوية البوهيمية والتي تجعله برغم طيبته وأخلاقياته أكثر رمادية من أن يفلح في تغيير العالم، وهو في هذا يشبه أبطال أسامة المثاليين مفيد أبو الغار مثلاً وتدخله في علاقة أمل وهشام ومحاولته دفعهما للاندماج سوياً ما أدى لأكثر علاقات أسامة أنور عكاشة سُمية، وأبو العلا البشري ومحاولته إصلاح عائلة نعمات حبيبته القديمة، حتى ناهد الرقيقة ابنة شوقي التي تفشل في أن يغير حبها أحمد فيبلعها بسوداويته وبغضه للعالم.
ليس بليغ فارساً ولا جابر فيلسوفاً ما إن ينطق حتى يصمت الجميع مرتشفين حكمته، ينظر لهما الصغار ولاء وطارق بحب ولكن بإشفاق، ها هما الكبار قد أخفقوا، فماذا يترك لنا هذا؟ لكن بدون بليغ وجابر تفقد عائلة أبو الهنا ما يميزها، هما آخر الصنف الحلو، وبدونهما تصبح الحياة مادية قاسية دون نكهة.
اقرأ أيضا:
أمينة خليل: قابلت توأم روحي ولم أتزوجه.. أنا غلسة
بعد اعتزاله التمثيل ... توفيق عبد الحميد: مش عايز أكون أسد ولا ذئب
"مقنع جدا وعندك ثبات انفعالي".. نصيحة ياسمين عز لشريف إكرامي بعد اعتزال كرة القدم
ظهور أغنية "ساعات ساعات" لصباح في حلقة Moon Knight الرابعة .. تعرف على أيقونة الثمانينات
لا يفوتك- أحمد خشبة لـ «في الفن»: "أول شخصية قلدتها كانت مدرس اللغة العربية .. وشهرتي بدأت من على القهوة
حمل آبلكيشن FilFan ... و(عيش وسط النجوم)
جوجل بلاي| https://bit.ly/36husBt
آب ستور|https://apple.co/3sZI7oJ
هواوي آب جاليري| https://bit.ly/3LRWFz5